الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإمبراطورية الروسية – 8 كيف غزا بيتر العظيم الشمال

محمد زكريا توفيق

2022 / 9 / 17
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الفصل الرابع عشر

كيف غزا بيتر العظيم الشمال (1700-1721)

شكل الجنود الرماة نوعا ما من الميليشيات الوراثية، وكانت مليئة بروح روسيا القديمة. كانوا يكرهون بمرارة جميع الأجانب والعادات الأجنبية. ويرون في قيصرهم المحب للألمان، المسيح الدجال الذي سوف يأتي.

في عام 1698، مدفوعين إلى اليأس، بسبب المعاملة القاسية، وبسبب بعض الشائعات المروعة، سار ثمانية آلاف منهم إلى موسكو. التقى بهم الجنرال جوردون والجنرال شين بالقرب من دير القدس الجديد، وتوسلا إليهم كي ينفضوا.

فأجابوا بعريضة بجميع مظالمهم. معاناتهم في آزوف، وانفصالهم القاسي عن زوجاتهم وأطفالهم، ورعبهم من الكفرة الألمان، الذين حلقوا اللحية، ودخنوا التبغ، وقاموا بالتدمير الكامل للإيمان المقدس.

بضع طلقات من المدفعية، أدت إلى تشتيت جمع المتمردين. بعد ذلك، تم إعدام أكثر من مائة شخص، وسجن ما يقرب من ألفين.

كانت أخبار هذا التمرد، الشبيه بتمرد جنود الأمن المركزي المصري عام 1986، هي التي قطعت فجأة إقامة بيتر على شواطئ البحر.

سارع بيتر بالعودة إلى موسكو. وبدأ على الفور في مواجهة الأفكار القديمة. فأصدر مرسوما يقضي بالتخلص من جميع اللحى، ولتذهب إلى الجحيم بغير رجعة.

كان التأثير هو نفسه، كما لو أمر حكامنا، قد أمروا فجأة بخلع حجاب المرأة. ولفداحة الأمر، رد البطريرك على هذه القذيفة، بفتوى مضادة، تقول بأن حلق اللحية، عمل شيطاني غير ديني، وغير قدسي.

فاللحية، هي هدية الرب لعباده الذكور، التي منحها للرسل القديسين، وللمسيح نفسه. ومع ذلك، قام بيتر بضرب المثل بنفسه، وقام بجرأة شديدة، بحلق لحيته، وطظ في البطريرك وفتاويه.

كما أجبر بيتر كل البويار والمسؤولين على ارتداء الملابس الأجنبية، وتم تعليق نماذج منها عند بوابات المدن. في نفس الوقت تقريبا، كان هناك تغيير آخر.

كان العام الجديد في روسيا، يبدأ من أول سبتمبر. فأصدر بيتر مرسوما يقضي بأن العام الجديد في روسيا، يبدأ من يناير فصاعدا.

في هذه الأثناء، كان يحدث تعذيب رهيب في أربعة عشر غرفة، تحت مسؤولية القيصر ورفاقه. لقد خضع الجنود الرماة التعساء، الذين قاموا بالتمرد، للمحاكمة.

أكثر من ألف وسبعمائة شخص، كان يتم ضربهم بالسياط، وتعريضهم للحرق، وتعذيبهم بآلات تعذيب جهنمية، لا تليق إلا بمحاكم التفتيش الإسبانية.

اعتقد بيتر أن أخته، كانت وراء حركة التمرد الأخيرة. فأجبرها على خلع الحجاب، ووضع نهاية لتمرد الرماة. وقام بشنق مائة وخمسة وتسعين منهم أمام نافذة الزنزانة المحبوسة فيها أخته صوفيا. وقام بتعليق ثلاثة، قدموا بلاغا كاذبا، وتركهم طوال فصل الشتاء.

قضى بيتر أسبوعا في تنفيذ أحكام الإعدام في ألف من الضحايا. وكان يجبر نبلاءه على مساعدة الجلادين. في أحد الأيام، قام بقطع رأس مائة وتسعة من حاشيته، وقام بمشاهدة الإعدامات بنفسه.

ظلت الجثث ملقاة في الشوارع بدون دفن، طوال فصل الشتاء. وكان يُهمس بين عامة الناس، أن القيصر لا يذهب إلى فراشه أبدا، قبل أن يرتوي من دماء رعاياه.

أخذ البطريرك صورة العذراء، وذهب بها يتوسل، طالبا من القيصر الرحمة.

"لماذا جئت بالصورة المقدسة؟" سأل القيصر. "ارجع بها، وضعها في مكانها. واعلم أنني أقدس المسيح وأمه مثلك، وربما أكثر منك. واعلم أيضا، أنه من واجبي الدفاع عن الشعب، ومحاربة الجريمة."

انتهز بيتر هذه المناسبة، وقام بإرسال زوجته بعيدا، لأنها كانت مصابة بالغيرة الشديدة، وغير متعاطفة مع أصدقائه، أو متفهمة لأفكاره.

بعد هذه العاصفة التي هبت على بيتر، كرس نفسه عام 1699، مرة أخرى لمشاريعه البحرية. أكمل أسطوله في بحر آزوف. ثم أرسل فرقاطة روسية إلى القسطنطينية، لكي يوقع هدنة لمدة ثلاثين عاما مع الأتراك.

احتفظت روسيا بمقتضاها بمدينة آزوف، لكن تم منعها من الإبحار في البحر الأسود. "الباب العالي العثماني، كان يحرس البحر الأسود، كأنه عذراء نقية، لا يريد أن يقربها رجل".

قال السلطان العثماني، "الأولى بنا السماح للغرباء بدخول مخادع حريمنا، على أن نسمح للسفن الأجنبية بالإبحار في مياه البحر الأسود".

في عام 1700، من أجل التعامل مع أوروبا بحرية، كان بيتر بحاجة إلى ميناء على بحر البلطيق، الذي يقع في الشمال الغربي لروسيا. وقرر، في البداية، وعند أقرب فرصة، استعادة المقاطعات التي استولت عليها السويد، في العصور الغابرة العصيبة، التي مرت بها روسيا.

ثم جاءت المناسبة. عندما أعلنت كل من بولندا والدنمارك، الحرب على السويد، ودعتا روسيا للانضمام للعصبة. فوافق بيتر، وأرسل جيشا من ثلاثة وستين ألفا وخمسمائة رجل، في شهر أكتوبر، للسيطرة على مدينة نارفا، التي تقع على الحدود الغربية مع إستونيا. وقام باحتلال القلعة الروسية القديمة في مدينة إيفانجورود المجاورة، والواقعة على نهر نارفا.

تشارلز الثاني عشر، ملك السويد الشاب، قد أسيء الحكم عليه تماما. بسرعة، وبغير توقع، هاجم كوبنهاجن العاصمة، وأجبر ابن عمه، ملك الدنمارك، على عقد معاهدة سلام.

ثم قام بالعبور إلى ليفونيا. عند العلم باقترابه، رفع ابن عمه الأخر، أوغسطس، ملك بولندا، الحصار عن ريجا، واتجه فجأة بجيشه صوب بيتر، ووصل إلى نارفا مع جيش هائل.

كانت المفاجأة للروس كاملة. لقد جاء السويديون في الليل البهيم، تحت غطاء عاصفة ثلجية تعمي الأبصار، وعبروا الخنادق والحواجز، لكي ينشروا الذعر في معسكر بيتر.

صرخ الجنود الروس وهم يفرون قائلين: "لقد خاننا الألمان". ثم انقضوا على الضباط الأجانب الذين يعملون معهم وبين صفوفهم، ينتقمون منهم بالطعن والذبح، مما جعلهم يفرون ويستسلمون للسويديين.

خسر الروس المعركة، وأسر السويديون تسعة وسبعين ضابطا، ومائة وتسعة وأربعين خائنا، ومائة وستة وأربعين حامل راية.

كانت ضربة ساحقة لبيتر، ولم يكن لديه وقت يمكن إضاعته. فقد كان يخشى أن يفكر تشارلز في غزو روسيا، ويقوم بتنصيب صوفيا، اخته، إمبراطورة للبلاد.

لذلك، أسرع بيتر إلى العمل بشجاعة، ولكن من نوع جديد. أمر الرجال، النساء، الأطفال، والرهبان، بالعمل ليلا ونهارا، لتحصين مدينتي بسكوف ونوفجورود.

وقام بصهر أجراس الكنائس لعمل مدافع، لأنها في مثل هذه الأوقات، أجدى وأنفع. وقام بعقاب الضباط الخونة بين صفوفه، وتشكيل قيادات جديدة للجيش.

لكن تشارلز ملك السويد، الذي كان محتقرا للروس، وفخورا بانتصاره، بدلا من تأمين بحر البلطيق، أضاع خمس سنوات في مناورات سياسية عديمة الجدوى، مثل التآمر، للإطاحة بعرش ابن عمه أغسطس، ملك بولندا، وانتخاب الأسقف ستانيسلاس.

خلال هذا الوقت أدرك الروس، أنهم لكي ينتصروا، عليهم أن يستغلوا تورط تشارلز في المستنقع البولندي. فاجتاحوا شرق ليفونيا، ودمروا المدن والقرى والمزارع بقسوة كبيرة، وأسروا سكانها.

من بين المحبوسين في مارينبورج، كانت كاثرين. وهي فتاة يتيمة صغيرة، خدمت في عائلة القس جلوك. كانت متعلمة إلى حد ما، جميلة وحيوية. رآها بيتر في منزل صديقه المفضل، الدوق الدمينشيكوف، فوقع في غرامها. وبات مصير الخادمة الأسيرة، سعيدة الحظ، هو أن تصبح إمبراطورة روسيا!

احتفظ السويديون ب "نيفا"، لكن استطاع بيتر الاستيلاء على جزيرة البندق الصغيرة عام 1702، وأعاد تسمية القلعة "شلوسكلبورج"، وهي مفتاح نهر نيفا. وأخذ أيضا الحصن الذي كان يحرس فم النهر، وبنى قلعة "كرونشتادت".

ثم قام بالاحتفال بانتصاره البحري الأول. لكن، أهدرت مساعدة أوغسطس له. فقد تنازل الملك الجبان عن العرش، لكي يتفرغ للانتقام ممن استولوا على نيفا.

في عام 1706، كان بيتر يسعى للسلام، لأن السخط كان ينتشر بين ربوع روسيا. كما أن قبائل الفولجا بدأت تتمرد، وكذلك كازاخ الدنيبر. وهاجم “كازاخ الدون” مدينة آزوف. ولعبت مدينة مازيبا دور الخائن.

لكن، رفض تشارلز صنع السلام. كان رده: "سأتعامل مع القيصر في موسكو". وكان من السهل عليه اجتياح بسكوف، وإملاء شروطه الخاصة، لكنه لم يكن لديه خطة.

بعد تردد عدة أشهر، لم يستطع تشارلز مقاومة إغراء الثعلب العجوز "مازيبا"، بالتوغل في سهوب روسيا الصغيرة (أوكرانيا الحالية).

في عام 1708، قام بيتر بقطع تعزيزاته. وجاء شتاء رهيب بعواصفه وجليده وزمهريره. لدرجة أن الطيور كانت تتجمد إذا فردت أجنحتها للطيران. ولم يكن لدى السويديين ملابس شتوية. وعندما حاولوا السير مسافة قصيرة، هلك منهم ثلاثة آلاف جندي، تجمدوا من الصقيع. وكانت بقية الجيش تعيش على الخبز المعفن.

مع قدوم فصل الربيع، تقلص عدد الصالحين للخدمة إلى ثمانية عشر ألف رجل، وأربعة وثلاثون مدفعا. مدينة مازيبا، التي وعدت بإمداد الملك بعشرين ألف رجل، لم ترسل سوى خمسمائة.

في نفس الوقت، قامت رحلة استكشافية، عبر نهر الدنيبر، بتدمير جزيرة مدينة كازاخ، لمنع سكانها من اتباع وزيرهم والالتحاق بجيش الملك.

نُصح تشارلز بالعودة إلى بولندا، فرفض قائلا: "يجب أن ينزل ملاك من السماء بالأمر أولا، قبل أن أغير من موقفي هذا." وصمم على مهاجمة مدينة بولتافا القوية.

لمدة ستة أسابيع، قام بحصار المدينة. بالرغم من خطر المجاعة، ونفاذ الذخيرة، وإصابته البالغة. وكان يرفض الإصغاء للنصيحة، قائلا: "يجب أن نتحمل الصعاب من أجل الشرف والمجد". ثم جاء بيتر، وتولى القيادة الرئيسية للجيش الروسي، الذي كان عدده يفوق السويديين بأربعة أضعاف.

ومع ذلك، صمم تشارلز عام 1709، على البدء بالقتال. قاتل رجاله ببسالة تليق بسمعة أسلافهم، لكنه هزم تماما، وتم أسر معظم ضباطه، وألقى عشرون ألفا من جيشه بسلاحهم.

تشارلز نفسه، "آخر الشماليين، ومازيبا، آخر الكازاخ، تسللا ليلا إلى بلاد السلطان العثماني، كلاجئين." في واحدة من قصائد بوشكين، يقول على لسان "مازيبا":


"لقد أخطأت تقدير هذا المدعو تشارلز،
هو في الواقع شاب جريء مقدام،
يمكنه كسب معركتين أو ثلاث،
ويمكنه الانقضاض على العدو
بعد العشاء،
ومجابهة القنابل بالضحك،
والتسلل ليلا، مثل فناص روسي،
إلى معسكر العدو،
أو الإطاحة بالكازاخ،
ورد الضربة بالضربة، والجرح بالجرح،

لكن، ليس هكذا المستبد العظيم،
أنه يناور الحظ،
ككتيبة مقاتلة، على قرع الطبول،
أعمى، عنيد، نفّاد صبر،
طائش، مغرور،
يثق بالله، الذي يعرف كل الأمور،
يقيس قوة عدوه بمدى نجاحه السابق،
قرن قوته مكسور.
أخجل أنني
بنجاحه السريع،
كنت مضللا
في شيخوختي،
مثل فتاة خجولة،
بمتشرد عسكري."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -عفوا أوروبا-.. سيارة الأحلام أصبحت صينية!! • فرانس 24


.. فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص




.. رمى المقص من يده وركض خارجًا.. حلاق ينقذ طفلة صغيرة من الدهس


.. انقلاب سيارة وزير الأمن القومي إيتمار #بن_غفير في حادث مروري




.. مولدوفا: عين بوتين علينا بعد أوكرانيا. فهل تفتح روسيا جبهة أ