الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المرأة الفلسطينية.. كتابة وصورة

بشار إبراهيم

2006 / 10 / 1
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


من الجميل تماماً أن يقدِّم المرء محاضرة بين أهله وناسه، في مخيمه تماماً.
فالجميل الرائع يتجلّى، للحظة، في أن يصطف أبناء مكانك الراهن، ذاته، على هيئة جمهور يحاول الاستماع إليك، وأنت الذي تعرفهم فرداً فرداً، وتعرف ما يشاغلهم، في هذه الحياة «الفانية»، وتعرف أي سمات فردية يتمتع كل منهم بها!..
الجميل، والطريف، أن ترى ناسك يرسِّمونك محاضراً أمامهم، لساعة أو اثنتين، وأن يحاوروك، مثقفاً ومتحدثاً، زمن محاضرةً سرعان ما تنتهي، وهم الذين لن يكفّوا أبداً عن التعامل معك، في الحياة اليومية الواقعية، كما أيّ فرد من بينهم، وكلّ من موقعه، وحسب تعاملاته معك؛ فالإمام يريد أن يراك مصلّياً خلفه، والمختار يريدك نموذجاً للمواطن الصالح، الذي يلبّي كل أمر، ويطيع كلَّ توجيه، من مخفر الشرطة أو مفرزة الأمن. والمعلم لا يرى فيك إلا ولياً لأمر التلميذ القابع بين يديه، بكل الانكسار، آن تنخفض علاماته إلى مستوى البرودة القارسة، أو إثر اقترافه، في لحظة طيش، خطأ يستحق «العصا»، التي هي دائماً، في عرف أساليبنا التربوية، بانتظار «من عصى»!..
ولن نذهب إلى الصورة التي يراك فيها البقال، أو اللحام/الجزّار/القصّاب، أو مصلح الأحذية، أو الساعاتي، أو بائع عربة الفول والترمس، الجاثمة دائماً أمام باب المدرسة.. أولئك الذين لن يروا فيك صورة تعجبهم، سوى في كونك زبوناً لا تجادل، في نوع البضاعة، ولا تفاصل، في السعر، من جهة. ورجلاً تمنح أولادك «الخرجية» المناسبة، التي تجعل من أطفالك زبائن مهمّين، من جهة أخرى!..
***
سيقيم مخيم دنون تظاهرة ثقافية بعنوان «المرأة الفلسطينية.. كتابة وصورة» ينظّمها السيد عماد الدين شيخ الجبل، من موقع وظيفته في وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين، والإشراف التربوي والاجتماعي، على مركز التأهيل الاجتماعي، أو مركز المرأة، كما اعتاد أبناء المخيمات على تسميته.
وشيخ الجبل، هو فتى تخرج من كلية الفلسفة، في جامعة دمشق، وكان له جوانب من الحضور المتفاعل في أسابيع الثقافة الفلسفية، التي كانت كلية الفلسفة، تقيمها ذات وقت، عفا عليه الزمن، أو بهتت به الأيام. وبالتالي فإن يصبح موظفاً في وكالة الغوث الدولية «العتيدة»، وأن يأتي إلى مخيم دنون، ليمارس ما تعلَّمه نظرياً، ويحاول تحويله إلى وقائع عملية، على هيئة هذه التظاهرة الثقافية التربوية، التي استمرت ثلاثة أيام، وكان من ضيوفها، الروائية نعمة خالد، والقاصتان سلوى الرفاعي ومي جليلي، والفنان التشكيلي غسان جود، وشاعرات شابات بارعات من طراز هدى ديبان، ومنى تمريه، ولينا أسعد تقلا، فضلاً عن «مخدومكم»، باعتباره ناقداً سينمائياً، فذاك مما لابد أن يُحسب لمركز المرأة، والمشرف الاجتماعي، أو التربوي، السيد عماد الدين شيخ الجبل، كما يُحسب لوكالة الغوث الدولية، طالما أنه لم يعد لدينا أيّ فصيل ثوري فلسطيني، يمكنه القيام بمثل هكذا أنشطة، ثقافية تربوية، في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، إذا افترضنا أنهم كانوا يريدون القيام بذلك أصلاً!..
في العام 1948، وكان والدي (أبو النصر) ما زال حياً، تمَّ تعريف أهالي المخيم على أنفسهم بأنهم «لاجئين»!.. وبعد عقد من الزمن، أي في العام 1958، جاء من يقول لأهالي المخيم: مرحى.. لقد صرتم «عائدين»!.. وبعد أن سقط أول شهيد من أبناء المخيم، جاء أحد أفراد القيادات الفلسطينية، الثورية تماماً، ليبشّر أهالي المخيم، مهللاً فوق جثمان ذاك الشهيد، قائلاً: طبتم.. لقد صرتم «فدائيين»!..
واليوم بعد أكثر من مئة ألف شهيد، وعشرة آلاف أسير، وبعد أن صار في السوق الفلسطيني مئات الشخصيات من القيادات الفلسطينية «الفذّة»، ومن أبنائها وبناتها وأقربائها وأنسبائها، تلك الشريحة التي تركب أحسن موديلات السيارات، وتسكن أفخم الفيلات، وتختزن أكبر الأرصدة في البنوك الأجنبية.. على الرغم من أن زاروب «المسوكر»، بجوار بيت عمّي «أبو محمد/عبد الله جمعة»، لم يتوسَّع سنتمتراً واحداً، وعلى الرغم من آلاف الشباب الذين ضيّعوا حياتهم الجامعية، في دراسة الهندسة أو الطب أو الصيدلة، تماماً كما حصل معي شخصياً، على الأقل.. أقول على الرغم من كل ذلك، سنكتشف مجدداً أننا عُدنا «لاجئين»، مرة أخرى، «وكأنك يا أبو زيد لا رحت، ولا غزيت»!..
المهم.. كانت تظاهرة ثقافية تربوية، تنعقد في مخيم دنون، على مقربة من ذكرى «يوم الأرض»، وبعد أيام من ذكرى «يوم الكرامة»، وما سيرافقها من ذكرى «مجزرة جنين».. وكان ثمة حضور لعدد واسع من أبناء المخيم، ليروا عدداً من المثقفين والمثقفات، الفلسطينيين والفلسطينيات، والسوريين والسوريات، يتجمَّعون برعاية وكالة الغوث الدولية..
ولا أغالي إذا قلت إن هذه التظاهرة ذكَّرتني بكأس الحليب، وحبّ زيت السمك، الذي كانت تُلقمنا إياه موظفات مطعم الوكالة، ذاتها، قبل ثلاثين عاماً..
ولم لا؟..
فالقيادات الفلسطينية الثورية العتيدة: قيادات الحرب والسلم، وقيادة الموالاة والمعارضة، وقيادة الحوار والتكفير، بالاتهام والتخوين.. في الوقت نفسه.. لم تأبه بأن تشرِّبنا كأس حليب، أو تُلقمنا حبة من زيت السمك، بل شربت الكثير من أحلامنا.. وأعادت إنتاجها لنفسها، لا فرق إن كان على هيئة سيارة فارهة، أو بيت فخم، أو رصيد ضخم، أو توريث الثورة كمتاع خاص، من الأب إلى الابن، أو على مستوى شعارات طيّرتها الرياح..
لدى هذا الطراز من القيادات، طار «الكفاح المسلح»، الذي طالما وعدونا به طريقاً وحيداً، أو أساسياً، لتحرير فلسطين.. وطار «التحرير»، الذي قالوا إنه هدفهم، وربما صار من المطلوب مني أن اعتذر عن إيماني بأن «الخالصة» قريتي، وفي سبيل هذا الإيمان مضى ثلاثة من أفراد أسرتي شهداء!.. كما طارت «الاشتراكية العلمية»، التي أقنعونا إنها منهجنا..
فمن تراه يغفر لي خطاياي التي ارتكبتها باسم «الاشتراكية العلمية»، التي كنت أراها الاسم الحركي، أو المُضمر، للماركسية أو للشيوعية ذاتها، فما أدّيت صلاة، فرضاً أو سنة أو نفلاً، وما التزمت بصيام رمضان، لاكتشف أن تلك القيادات ذاتها صارت تتسابق إلى أداء الحجّ، والعمرة، ليعودوا «كما ولدتهم أمهاتهم»، طاهرين من الذنوب، تلك التي لا يملك أحدنا، نحن لاجئي المخيمات، ألفي دولار أمريكي، (نعم.. لاحظ أنه أمريكي!..) للانخراط في طقس الاغتسال من الذنوب ذاتها، التي قالوا لنا ذات وقت إنها فضائل!..
وكالة الغوث تقيم أياماً للثقافة الفلسطينية، والقيادات الثورية تطير!..
نعم يطيرون!..
ولكنهم لم ينتبهوا إلى أن ثمة ما لا يطير، أبداً..
هي فلسطين التي لا تطير.. وهي فلسطين التي سنعرف كيف نصل إليها.. بطريقة ما..
وإلا لماذا اجتمع أهالي مخيم دنون للاستماع إلى ما يقوله واحد منهم، بعد أن كان يحضر إليهم أيّ واحد من القيادات الثورية، ويجلب معه جمهوره، من المتفرغين والمسترزقين؟!..
أرأيتم الآن أن أهالي المخيم سيجتمَّعون للاستماع إلى واحد من أبناء المخيم، أكثر مما كانوا يفعلونه في حضرة قائد.. طار..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملكة جمال ألمانيا من أصل إيراني تتعرض لحملة تنمر على مواقع ا


.. العالم الليلة | استطلاع: النساء تدعم بايدن والرجال في صف ترم




.. العالم الليلة | النساء أكبر كتلة تصويتية في أميركا.. وترمب ق


.. UNSILENCED: Stories of Survival, Hope and Activism | Episode




.. UNSILENCED: Stories of Survival, Hope and Activism | Episode