الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا نموت؟

كامل علي

2022 / 9 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


جميع النباتات والحيوانات والبشر في كرتنا الارضية محكومة بالموت، ولكن لماذا نموت؟
يوجد إجابتان على هذا التساؤل، إجابة ألأديان ألإبراهيمية " اليهودية والمسيحية والإسلام " والتي تفسر سبب موت ألإنسان ولكنها لا تفسر سبب موت النباتات والحيوانات. وإجابة ألعلم المتمثلة في نظرية ألتطور بالإنتخاب الطبيعي التي تطرح وتفسر أسباب موت النباتات والحيوانات وألبشر جميعا.
إذا ألقينا نظرة على سفر التكوين من ألتوراة والذي هو ألأساس الذي حذت حذوه الديانتان اللاحقتان (المسيحية والإسلام) ، نجد بأنّ ألخالق (يهوه) يخلق ألإنسان ألأول (آدم) من تراب ثم يسكنه في جنة ثم يخلق المرأة (حواء) من ضلعه ويكونان خالدين، ثم يأمر آدم بأن لا يأكل من شجرة معرفة ألخير وألشر لأنّه سيموت بسبب عصيان أمره ولكن نتيجة إغواء الحية التي ترمز للشيطان لحواء وإغواء حواء لآدم وإقناعه بألأكل من الشجرة المحرمة يتعرضان لغضبة يهوه فيطردهما من الجنة ويسحب منهما خاصية الخلود ولكنهما يكتسبان خاصية التزاوج وبعد ممارستها يولد لهما قابيل وهابيل ويكثر نسل بني آدم في ألأرض، وهذا ألنسل يكون محكوما عليه بالموت نتيجة لعصيان آدم.
كان الناس يجلون الوظيفة الجنسية والجانب الجنسي من آلهتهم البدائية إجلالا عظيما لا لأنهم يرون في ذلك شيئاً من الفاحشة بل لأنهم يرتبطون ارتباطاً وجدانياً بالخصوبة في المرأة وفي الأرض؛ ولذلك عبدوا بعض الحيوان كالعجل والثعبان لآن لهما- فيما يظهر- القوة الإلهية في الإنسال، أو قُل إنهما يرمزان لتلك القوة فلا شك أن الثعبان في قصة عدن رمز جنسي يمثل العلاقة الجنسية باعتبارها أساس الشر كله، ويوحي بأن اليقظة الجنسية هي بداية الخير والشر، وربما يشير كذلك إلى علاقة أصبحت مضرب الأمثال بين سذاجة العقل ونعيم الفردوس .

بعض آيات سفر ألتكوين المتعلقة بأسطورة خلق البشر وموتهم:
7وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ تُرَابًا مِنَ الأَرْضِ، وَنَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ. ..... ألاصحاح الثاني.
15وَأَخَذَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ وَوَضَعَهُ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَهَا وَيَحْفَظَهَا. 16وَأَوْصَى الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ قَائِلاً: «مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ أَكْلاً، 17وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوتُ..... ألاصحاح الثاني.
6 فرات المراة ان الشجرة جيدة للاكل و انها بهجة للعيون و ان الشجرة شهية للنظر فاخذت من ثمرها و اكلت و اعطت رجلها أيضا معها فاكل. ..... ألاصحاح الثالث.
7فانفتحت اعينهما و علما انهما عريانان فخاطا اوراق تين و صنعا لانفسهما مازر. ..... ألاصحاح الثالث
1وَعَرَفَ آدَمُ حَوَّاءَ امْرَأَتَهُ فَحَبِلَتْ وَوَلَدَتْ قَايِينَ. وَقَالَتِ: «اقْتَنَيْتُ رَجُلاً مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ». 2ثُمَّ عَادَتْ فَوَلَدَتْ أَخَاهُ هَابِيلَ..... ألاصحاح الرابع.

آيات ألقرءان المتعلقة بأسطورة الخلق والموت لا تختلف عن مثيلتها التي وردت في التوراة ولكنها تتميز بألإختصار ونجد فيها بأنّ ألله هو الذي يقرر موت ألإنسان ( وَاللَّـهُ خَلَقَكُم ثُمَّ يَتَوَفّاكُم) " سورة النحل، آية: 70".
بعض آيات ألقرءان المتعلقة بأسطورة خلق البشر وموتهم:
(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ*فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ). "سورة الحجر، آية: 28-29".
(وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ). "سورة الأعراف، آية: 11".
(فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ*وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ). "سورة الأعراف، آية: 20-21".
(وَاللَّـهُ خَلَقَكُم ثُمَّ يَتَوَفّاكُم وَمِنكُم مَن يُرَدُّ إِلى أَرذَلِ العُمُرِ لِكَي لا يَعلَمَ بَعدَ عِلمٍ شَيئًا إِنَّ اللَّـهَ عَليمٌ قَديرٌ). "سورة النحل، آية: 70".
بعد عرض إجابة ألأديان ألإبراهيمية " اليهودية والمسيحية والإسلام " والتي تفسر سبب موت ألإنسان نستعرض التفسير العلمي لسبب موت ألبشر والحيوانات والنباتات المتمثلة في نظرية ألتطور بالإنتخاب الطبيعي، والتساؤل ألذي يطرح نفسه هو: لماذا الموت هو نتيجة للإنتخاب ألطبيعي وليست الخلود؟
ألتنافس على الغذاء والموارد الأخرى هي ألسبب، ولتوضيح ذلك أبتكر أحد العلماء برنامج في الحاسوب يتضمن مباراة كرة قدم بين فريقين تنتهي بفوز إحدى الفريقين، الفريق باللباس الأحمر يمثل البشر الخالدون والذين لا يتوالدون بالتزاوج ، أما الفريق باللباس ألأزرق فيمثل البشر الذين يموتون بعد عمر معين ولكنهم يتوالدون بالتزاوج.
في بداية المباراة ولفترة يكون الفوز للفريق ألأحمر (الخالدون) ولكن لاحظ المبرمج بأنّ النتيجة بدأت تنعكس بعد فترة طويلة من المباراة بسبب التعب ألذي أصاب الفريق الخالد، أما الفريق المحكوم عليه بالموت ولتلافي الخسارة فقام بتبديل اللاعبين ألذين أصابهم التعب بشباب نشط من الإحتياط ألذين يمثلون في الطبيعة النسل المولود نتيجة التزاوج ويتميزون بصفات أفضل من الوالدين.
لذا لو أفترضنا وجود مجموعة مختلطة من البشر في الطبيعة في مكان معين فيها الذين لا يموتون ولا يتوالدون والذين يموتون ولكنهم يتوالدون، فالإنتخاب الطبيعي سيتسبب بإختيار المجموعة التي تموت بعد عمر معين لتبقى وتنقرض المجموعة التي لاتموت بسبب العمر ولكنها تموت بسبب الكوارث الطبيعية وإفتراس ألحيوانات.
في الأسطورة ألدينية نلاحظ حصول التزاوج الجنسي وتكاثر النسل كنتيجة لفقدان الخلود وفيها تلميحات حول ذلك ففي التوراة: (و علما انهما عريانان)... 3-7 و (وَعَرَفَ آدَمُ حَوَّاءَ امْرَأَتَهُ فَحَبِلَتْ وَوَلَدَتْ قَايِينَ).... 4-1.
أما في ألقرءان: (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا) .... "سورة الأعراف، آية: 20-21".
و (فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ ۚ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۖ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ).... "سورة ألأعراف، آية:22.
في كتابه الجينة الأنانية يتطرق عالم ألأحياء ريتشارد داوكينز لموضوع الموت، فيقول:
((ما أود تأكيده هو أنّه من المفضل النظر إلى الوحدة الأساسية للإنتقائية الطبيعية ليس بإعتبارها الفصيلة أو المجموعة أو حتى الفرد، وإنّما الوحدة الصغيرة من المادة الجينية التي تستحق أنْ نسميها الجينة.
إنّ الحجر الأساس في حجتي، كان الإفتراض أنّ الجينات خالدة في حين أنّ الأجساد والوحدات الأخرى الأعلى مستوى تبقى مؤقتة.
والجدير ذكره أنّ هذه الفرضية ترتكز على حقيقتين إحداهما تتعلق بالتوالد الجنسي والعبور التبادلي، وترتبط الثانية بفناء الفرد.
وهاتان حقيقتان لا يمكن دحضهما. لكن هذا لا يمنعنا من التساؤل عن اسباب كونهما حقيقتين. لمَ نمارس نحن وغيرنا من آلات البقاء التوالد الجنسي؟ ولمَ تمارس صبغياتنا العبور التبادلي؟ ولمَ لا نعيش إلى ألأبد؟
الواقع أنّ السؤال عن السبب الذي يجعلنا نموت عندما يتقدّم بنا العمر يشكّل سؤالا معقدا.
بالإضافة إلى الأسباب الخاصة، جرى إقتراح عدد من الأسباب العامة، فعلى سبيل المثال، تقول إحدى النظريات إنّ الهرم هو تراكم أخطاء مضرة في النسخ وأشكال أخرى من العطب الجيني تطرأ خلال حياة الفرد. وتتوافر نظرية أخرى تُعزى إلى السير بيتر مدوّر وتشكّل مثالا جيدا عن التفكير التطوري فيما يختص بالإنتقائية الجينية.
فمدوّر يدحض أولا الحجج التقليدية من نوع " المسنون يموتون على سبيل الإيثار تجاه أفراد الفصيلة الأخرى، لأنهم إذا بقوا أحياء عندما يتقدم بهم العمر إلى حد يجعلهم عاجزين عن التوالد، فسيجعلون العالم مزدحما من دون جدوى ". وهذه في الواقع حجّة دائرية كما يقول مدوّر، بإعتبار أنّها تفترض مسبقا ما ينبغي لها إثباته، وتحديدا أنّ الحيوانات التي تهرم تصبح عاجزة عن التوالد. أضف أنّ هذا التفسير ساذج يرتكز على الإنتقائية على أساس المجموعة أو الفصيلة،
الواقع أنّ نظرية مدوّر تعتمد على منطق ذكي ويمكننا عرضها على النحو الآتي:
لقد سبق أنْ تساءلنا عن المزايا العامة لأي جينة "جيدة " وقررنا أنّ " الأنانية " تشكّل إحدى هذه المزايا. لكن ميزة أخرى ستمتلكها الجينات الناجحة تتمثل بالنزعة إلى تأجيل موت آلات البقاء أقله إلى ما بعد التوالد. ولاشك في أنّ عددا من أبناء عمّك وأعمام والديك وأخوالهما قد مات في مرحلة الطفولة، إلا أنّ هذا لم يحدث لأي من أسلافك. فالأسلاف بكل بساطة لا يموتون في الصغر.
لابد من الأشارة إلى أنّ الجينة التي تتسبب بموت صاحبها تُعرف بأسم " الجينة الفتاكة ". أما الجينة شبه الفتاكة، فلها تأثير موهن بعض الشيء بحيث أنّها تجعل الموت الناجم عن أسباب أخرى مرجحا أكثر. وإذ تمارس كل جينة أقصى تأثير ممكن على الأجساد في إحدى مراحل الحياة، لا تشكّل الجينات الفتاكة وشبه الفتاكة إستثناء لهذه القاعدة.
الواقع أنّ الجينات بمعظمها تمارس تأثيراتها خلال الحياة فيما تمارس جينات أخرى تأثيراتها في مرحلة الطفولة، وأخرى في مرحلة البلوغ، وأخرى في منتصف العمر، وأخرى في سن الشيخوخة، " تذكّر أنّ دودة القز والفراشة التي تتحول إليها لاحقا، تمتلكان المجموعة نفسها من الجينات".
ومن الجلي أنّ الجينات الفتاكة ستُستبعد من الجمعية الجينية، إنّما من الجلي أيضا أنّ الجينة الفتاكة ذات التأثير المتأخر ستكون أكثر ثباتا في الجمعية الجينية من الجينة الفتاكة ذات التأثير المبكر. فالجينة الفتاكة في جسد مسنّ قد تبقى ناجحة في الجمعية الجينية، شرط ألا تتجلّى تأثيراتها ألا بعد أنْ يتسنّى الوقت للجسد أقله للتوالد.
وبحسب هذه النظرية إذاً، يشكّل وهن الشيخوخة بكل بساطة نتاجا ثانويا لتراكم الجينات الفتّاكة وشبه الفتّاكة ذات التأثير المتأخر التي سُمح لها بالإنزلاق عبر شبكة الإنتقائية الطبيعية فقط لأنّ تأثيراتها تتجلّى في مرحلة متأخرة)).

نلتقيكم في مدارات تنويرية أخرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي