الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مؤامرات العقيد معمر القذافي على النظام البورقيبي بتونس

منصف سلطاني

2022 / 9 / 22
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


توترت العلاقات الديبلوماسية بين تونس و مصر منذ نهاية الخمسينات بسبب دفاع الزعيم جمال عبد الناصر عن صالح بن يوسف الذي لجأ اليه بعد انتصار الشق البورقيبي و حصول البلاد على استقلالها . ولجأ الأستاذ صالح بن يوسف إلى مصر لما طلب إلى المحاكمة من طرف الدولة التونسية بسبب الفتنة التي أحدثها و تخوين الزعيم بورقيبة و أنصاره لكن ذلك لم ذلك لم يمنع عودة العلاقات التونسية المصرية إلى طور الانفراج في الستينات غداة الاحتفال بعيد الجلاء ببنزرت إذ حضر الرئيس المصري مراسيم الاحتفال بنفسه لتعود العلاقات إلى مربع القطيعة بعد خطاب أريحا 1965 الذي ألقاه الزعيم بورقيبة
و إن المتأمل في طبيعة العلاقات بين تونس و ليبيا في عهد العقيد معمر القذافي يلاحظ إختلافا تاما عن نظيرتها المصرية . و للتذكير فإن معمر القذافي تمكن من الوصول إلى السلطة في ليبيا بواسطة انقلاب عسكري على الملك إدريس السنوسي عكس نظيره الزعيم الحبيب بورقيبة الذي تولى السلطة بطريقة سليمة عبر الانتخابات في محطات مختلفة .
و كانت العلاقات التونسية الليبية في بداياتها عادية إلى حدود سنة 1974 ، لكن انطلقت بوادر التواتر منذ سنة 1972 عند زيارة العقيد معمر القذافي و واقعة البلمريوم الشهيرة .و بدت خطابات القذافي انذاك للزعيم بورقيبة مجرد شعارات رنانة تخلو من العقلانية وهو يتحدث عن القومية العربية و أحلام الوحدة . و تطرق الزعيم بورقيبة إلى الحديث غاضبا عن حاجة الأقطار العربية إلى الدول الغربية التي حققت تقدما تكنولوجيا و علميا و لعل خير دليل ما قاله الرئيس بورقيبة :" تتحدى أمريكا تاكل طراحة "
لم يعجب العقيد معمر القذافي بخطاب بورقيبة الذي تميز بالواقعية و العقلانية في آن واحد حيث بين فيه بورقيبة أن الوحدة العربية مجرد حلم في ظل التأخر العلمي الذي تشهده الدول العربية .
اتفاقية الوحدة بين تونس وليبيا و توتر العلاقات الديبلوماسية
كان الزعيم بورقيبة في جل خطاباته السياسية يعتبر الوحدة القطرية بديلا عن الوحدة العربية إذ يكرر في مناسبات عديدة عبارتي " الأمة التونسية " و " القومية التونسية " ، فهو يدرك جيدا أن الوحدة العربية تظل فكرة طوباوية رغم بعض الأسس المشتركة اللغة و الدين .
لكن الملفت للانتباه في هذا السياق ما وقع سنة 1974 في جربة و نعني اتفاق الزعيم الحبيب مع العقيد معمر القذافي على مشروع الاندماج بين تونس و ليبيا في دولة واحدة تسمى " الجمهورية العربية الإسلامية " ، لكن هذا الاتفاق لم يدم إلا 24 ساعة بفضل معارضة الوزير الأول التونسي الهادي نويرة .
و جاء مشروع الوحدة بين البلدين في إطار تمسك العقيد معمر القذافي بأحلامه الثورية الوحدوية تأثرا بالزعيم المصري جمال عبد الناصر الذي تمكن سنة 1958 من تحقيق وحدة بين مصر و سوريا في إطار دولة واحدة سميت " الجمهورية العربية المتحدة " و دامت ثلاث سنوات لتنتهي إثر حدوث انقلاب عسكري في سوريا
و إن ما يثير الحيرة في هذا السياق هو ما الذي غير موقف الزعيم بورقيبة من رفض الوحدة و اعتبارها فكرة طوباوية إلى القبول بمشروع " الجمهورية العربية الإسلامية " بجربة . حيث رفض ذلك في خطاب البلمريوم و سخر من أفكار العقيد القذافي التي بدت بعيدة كل البعد عن الواقعية .
و لكن أكد عديد السياسيين التونسيين الذين عاصروا الرئيس الحبيب بورقيبة أن إعلان الوحدة بين تونس و ليبيا هي مجرد مؤامرة وقع جر بورقيبة إليها من بعض المحيطين به في القصر عند غياب الوزير الأول الهادي نويرة الذي كان في زيارة عمل إلى طهران
و قرر الزعيم بو قيبة بعد نقاش طويل مع وزيره الأول التراجع عن مشروع الوحدةبين البلدين ولم يتمكن العقيد معمر القذافي من إبقاء المشروع قائما على أرض الواقع حتى أنه سافر إلى جنيف ليلتقي بورقيبة و يحاول اقناعه بتنفيذ ما جاء في اتفاق جربة 1974 .
و أدى فشل مشروع الوحدة إلى توتر العلاقات الديبلوماسية بين تونس و ليبيا و بدأ القذافي في إعداد مؤامرت للإطاحة بالنظام البورقيبي من تونس .
مؤامرة القذافي على تونس : أحداث قفصة 1980 نموذجا
تتمثل أحداث مدينة قفصة 1980 في قدوم مجموعة مسلحة إلى المدينة قبل القيام بالعملية بأيام معدودات و استقرت بمنزل في أحد أحياء المدينة لتجميع الاسلحة و التدرب
و تعرفت هذه المجموعة على المدينة و طرقاتها و مداخلها جيدا قبل القيام بتنفيذ العملية
و كان معظم القائمين بهذه العملية تونسيين يعملون بليبيا في البناء و الدهن و النجارة و الفلاحة و غيرها من المهن . كما لعب انصار صالح بن يوسف دورا في هذه المؤامرة المسلحة على تونس . و لم يكن الاختيار على مدينة قفصة أمرا اعتباطيا بل وقع الاختيار عليها لعدة دوافع أهمها قربها من الحدود الجزائرية و الليبية فهي لا تبعد عن الجزائر إلا 100 كلم و عن ليبيا 70 كلم فقط . كما تعد المدينة معقل أهم المعارضين للنظام البورقيبي مثل القائد الأزهر الشرايطي الذي وقع اعدامه بعد كشف ملابسات المحاولة الانقلابية سنة 1962 و الزعيم النقابي أحمد التليلي الذي اختلف مع الرئيس بورقيبة حول مسألة تكريس قيم الديمقراطية و التعددية بتونس .
و بعد القضاء على منفذي العملية المسلحة على قفصة من طرف الجيش التونسي و قوات الشرطة و الحرس الوطني ، نكر نظام العقيد معمر القذافي تورطه في عملية قفصة المسلحة و قال وزير الخارجية الليبي انذاك :" الجماهيرية الليبية غير متورطة بصفة مباشرة أو غير مباشرة بالأحداث الجارية بمدينة قفصة "
و ختاما، كانت عملية قفصة المسلحة 1980 من أهم المؤامرات التي أعدها العقيد معمر القذافي للإطاحة بالنظام البورقيبي بتونس . و تسبب ذلك في قطع العلاقات الديبلوماسية بين البلدين من 1980 إلى 1987 تاريخ تولي الوزير الأول زين العابدين بن علي السلطة في تونس . و كان الرئيس السابق بن علي تجمعه علاقات طيبة بالعقيد معمر القذافي منذ السبعينات بل يقال أنه كان عين القذافي في تونس لكن ذلك يبقى أمرا غير واضح لغياب أدلة دقيقة
المصادر و المراجع
خطاب البلمريوم 1972
القليبي ، ( الشاذلي ) ، أضواء من الذاكرة : الحبيب بورقيبة ، دار ديميتير ، تونس ، 2014
بن يوسف ، ( عادل ) ،" حتى لا ننسى المحاولة الانقلابية بقفصة (26- 27 جانفي 1980 ) : قراءة في الأسباب و التداعيات ، ليدرز ،تونس ، 27 جانفي 2022 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد الهدنة التكتيكية.. خلافات بين القيادة السياسية والعسكرية


.. دولة الإمارات تنفذ عملية إنزال جوي للمساعدات الإنسانية على غ




.. تشييع قائد عسكري إسرائيلي درزي قتل في عملية رفح


.. مقتل 11 عسكريا في معارك في شمال قطاع غزة 8 منهم في تفجير است




.. بايدن بمناسبة عيد الأضحى: المدنيون الأبرياء في غزة يعانون وي