الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقد عبارة فهم سلف الأمة

سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي

2022 / 9 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أكثر ما تم ترويجه في حقبة الصحوة الوهابية كلمة (فهم سلف الأمة) وهي عبارة كان الهدف منها تصدير نسخة جديدة من الدين غير مقيدة بمذهب ديني واحد معروف خشية الالتزام بأصوله التي قد تتصادم مع ثوابت النسخة الجديدة، ويمكن اعتبار أن ثوابت النسخة الجديدة المتفقة مع كلمة (فهم سلف الأمة) ما يلي:

أولا: الترويج لدولة خلافة وشريعة مختلفة نوعا ما عن كل الخلافات السابقة ،بمعنى أن هناك قضايا استجدت على الواقع صارت هناك حاجة لدولة الخلافة الجديدة أن تتعامل معها وفقا للدين، كقضية البنوك والاقتصاد مثلا..أو مقاومة ظواهر سياسية وفكرية جديدة لم تكن على عهد الخلفاء السابقين كظواهر العلمانية والليبرالية والاشتراكية وحقوق الإنسان..إلخ، وقد تفرغ الشيوخ ومفكري الجماعات لصياغة وتشكيل هذه الدولة الجديدة وتسميتها دولة الخلافة والشريعة بفهم سلف الأمة..

ثانيا: القضاء على كل البدع الدينية المنتشرة وفقا لمفهومهم كالصوفية والتشيع والجهمية والمرجئة والمعتزلة والأحمدية والبهائية...إلخ، فالسلفي الذي يعمل وفقا لهذه العبارة – فهم سلف الأمة – يرى أن تنظيف المجتمع من هذه البدع (واجب ديني) مهما كان الثمن الذي سيدفعه، وأن الله سوف يظل غاضبا على الأمة ما دامت هذه البدع ظاهرة، وتم تسويق كلمة "سلف الأمة" في هذا السياق لأن التراث الإسلامي (السني) يتسم برفض هذه الظواهر بالفعل ويصف بعضها بالوثنية والزندقة، والسر في هذا الرفض السني أن الخلفاء المستبدين في الماضي كانوا يحاكمون كل معارض ورأي آخر وأي متمرد في (محكمة دينية) فاشتهر عن كل الذين أعدمهم الخلفاء أفكارا تحمل بصمات هذه البدع، لأن التهمة الأساسية في إعدام المعارضين كانت الكفر والردة بالأساس، وبالتالي صار وصف المحكوم عليه بإحدى هذه التهم مبررا معقولا للإعدام من وجهة نظر شرعية..

ثالثا: الثورة على كل مظاهر العصر من حداثة وتجديد وعلوم حديثة واكتشافات، فتكون عبارة "فهم سلف الأمة" إعادة تعريف هذه المظاهر العصرية وفقا للتراث الإسلامي السني، فيما يبدو أنها كانت إعادة تشكيل مرجعية معيارية لتعريف العصر دون الاستغراق في هذه المظاهر، وقد أدت هذه الثورة إلى رفض وجداني وعقلي وروحاني لكل مستجدات وظواهر الحداثة، ومن ضمن هذه الظواهر (الدولة المدنية) فصارت عبارة "سلف الأمة" هي الرد الطبيعي من هؤلاء لرفض مدنية الدولة والترويج لنموذج قرووسطي سياسي من الدين هو الذي حكم البلاد الإسلامية طيلة 1400 عام..

رابعا: الثورة على كل الجماعات الحقوقية الإنسانية سواء التي تناصر قضايا المرأة والطفل والأقليات أو التي تناصر ذوي الميول الجنسية والنوع والجندر، وموقف سلف الأمة معروف من تلك القضايا إذ كانت كل هذه القضايا الحقوقية غير معترف بها سياسيا واجتماعيا ودينيا، بل إن ثقافة الإنسان القديم بالمجمل لم تكن حقوقية ولم يتوقف ذلك على مجتمع المسلمين وحدهم بل طال ذلك كل الشعوب شرقا وغربا، فلم يعرف البشر حقوقهم الإنسانية سوى في القرن 20 كتطور طبيعي للدولة والمعارف والعلم، وعلى ذلك قلنا أن ثورة هؤلاء على"حقوق الإنسان" مصدرها عدم اعترافهم بتطور الدولة من الأساس، وترويجهم لنسخة دينية ثيوقراطية تسيطر على أذهانهم فيها كل عيوب الميثولوجيا والأسطرة وأحلام دولة أفلاطون الفاضلة..

أما عن الكلمة نفسها فهي (وهمية للغاية) فلا يوجد سلف أمة في الواقع قال شيئا واتفق عليه وعرف أن هذا رأيا موحدا يجمع شتى طوائف المسلمين، فالسلف الذين يقصدوهم هم شخصيات تاريخية متصارعة ومنشقة على نفسها ومتصارعة لدرجة الحرب والقتل والتنكيل، وبالتالي صار إجماعهم مستحيلا، فالطبيعي أن الإنسان يختلف عن أخيه في الرأي ولن يتطابق معه بنسبة 100% بل الأخ ينشق على أخيه وأبيه، ولو اندفعوا لارتكاب الشرور سيحكموا على أنفسهم بالكفر والبدعة، لذا فقد رأينا أحد أكبر الأئمة الأربعة المسلمين وهو "أبو حنيفة النعمان" المتوفي عام 150 هـ محكوما عليه بالكفر والبدعة من طرف خصومه ونظرائه، وأن هذا الحكم القاسي امتد لعدة قرون كان أبي حنيفة شيخا للزنادقة وعبدة الرأي مثلما كان يصفوهم علماء الحديث، وقد دون ذلك في كتب التراث أشهرها كتاب "السنة" لعبدالله ابن أحمد بن حنبل وغيره..

العبارة أيضا كانت – وستظل – مجرد ستار للدين السلفي الجديد المنقلب على بعض أصول المذاهب الأربعة مثل اختيار الخليفة وتعريف دولة الشريعة بل تعريف السنة نفسها مختلف عليه بشدة بين المذاهب، ففي حين أن السنة عند المالكية هي عمل أهل المدينة وعند الأحناف هي القياس نجد أن خبر الواحد هو السنة عند الحنابلة وجمهور الشافعية، والسنة عند المعتزلة هي العقل والخبر المتواتر، وهكذا فتعريف السنة ذاته ليس متفقا عليه فكيف سيتفقون حول تعريف دولة الشريعة التي هي الوجه التطبيقي لمفهوم السنة أو عبارة "فهم سلف الأمة"؟..وفي الحقيقة أن هذه العبارة ساعدتهم كثيرا على الانتشار في وقت عمدت فيه الحكومات على تجهيل الشعوب وتقبيح الفنون وساهمت في أكبر حركات ردة حضارية على الفنون والثقافة، ومن ثم لم يعد يتبقى لدى الجماهير سوى النسخة الدينية الجديدة فشربوها عملا بمبدأ الفراغ، فبعد أن صارت الساحة الثقافية فارغة دخل الوهابيون والجماعات والإخوان لاحتلال ذلك الفراغ وملأه بكل نقيصة ضد الإبداع والفكر والفنون، حتى صار مجرد ذكر اسم فنان أو مبدع أو مفكر سيكوت الرد تلقائيا هو (كافر منحرف ومحارب للدين)

أيضا فكلمة "فهم سلف الأمة" كان يلزمها تقديس التراث والأئمة بشدة، لأن العبارة تحوي مضمونا يلزم المتلقي بالربط بين الشارح لهذا الفهم وبين السلف الذي جرى العرف على وصفهم بالصالح، فكلمة "السلف الصالح" هي الأخرى أزمة ثقافية مركبة نتجت عن عوامل تعرية كبيرة للتراث وإعادة إنتاجه في دين سلفي جديد لم يعرف هذه الكلمة، فعبارة "السلف الصالح" لم يعرفها السلف أنفسهم لأن الطبيعي أن كل مجتمع فيه (صالح وطالح) بمن فيهم مجتمع الرسول وأتباعه، والقرآن ملئ بتلك الإشارات على بشرية مجتمع الرسول ونفي ملائكيته، لكن القوم عمدوا على تقديس وتصنيم السلف أولا بذكر مناقبهم المشهورة والصمت على مثالبهم المغمورة على أمل ترويج هذه الكلمة التي تساعدهم في إنتاج دينهم الجديد ونشره ليصبح بديلا عن المذاهب الأربعة

وبعد نجاحهم في نشر قدسية وصنمية السلف كان من الطبيعي أن ينشروا رواياتهم الموضوعة كذبا على رسول الله ليُزاحموا بها القرآن، وقد حصلوا على ما أرادوا حتى بات من المشهور نسخ الكتاب بالسنة، وهي كارثة فكرية إسلامية معناها تعطيل القرآن لصالح كلام المحدثين والأئمة، مما أدى لشيوع نسخة دينية جديدة في منتهى العنف والعدائية هي التي أدت لنشوء جماعات العنف الديني مؤخرا منذ 50 عاما، فكل ما يرويه المحدثون والرواة من أخبار آحاد هي دين حقيقي يجب اتباعه ، ولأن تلك الأخبار كانت تتماهى مع السلطة السياسية في زمانها ورثنا كمّا كبيرا جدا من الروايات والأحاديث السياسية التي تستهدف المعارضة وتقمع الرأي الآخر ولا تسمح برأي مخالف أيا كان هو (ديني - اجتماعي – علمي – سياسي ..إلخ) ولا أبالغ أن عدد هذه الروايات يفوق ال 100 ألف حديث يجري نشرها في الكتب والمنابر دون تحقيق علمي ونقاش حول حجيتها، وهو عدد يتضمن الأحاديث صحيحة السند في الكتب التسعة إضا لعشرات الآلاف من الروايات الضعيفة وحسنة السند في نفس الكتب ومصنفات مختلفة أخرى بالعشرات كالبيهقي والطيالسي وابن أبي شيبة وابن خزيمة..وغيرهم

إضافة لمصنفات ابن تيمية الضخمة التي جرى تقديسها هي الأخرى بإعادة إنتاج خط فكري جديد اصطلح عليه "بالمذهب التيمي" وهو الذي أسسه الشيخ ابن تيمية الحراني وتبعه فيه تلامذته كابن قيم الجوزية وابن كثير ..وغيرهم..فصارت لدينا آلاف الفتاوى والأقوال المقدسة المنسوبة لهؤلاء الأئمة تشكل ذخيرة وسلاحا دينيا كبيرا يتزامن مع نشر وشيوع 100 ألف رواية وحديث هي التي صنعت الفكر الإسلامي في التاريخ، ومن أجل ذلك رأينا بعض المفكرين المعاصرين يحذرون من هذا الدين الجديد الذي تم اختراعه فرأينا الصادق النيهوم يكتب (الإسلام في الأسر) و (إسلام ضد الإسلام) و (محنة ثقافة مزورة) ورأينا أيضا جورج طرابيشي يكتب ( من إسلام القرآن لإسلام الحديث) ورأينا ثورة عابد الجابري الشهيرة في (نقد العقل العربي) المعتمدة على نقد هذا الدين الروائي الشائع الذي شكل عقلية المسلم على مدار قرون ، حتى الشيخ محمد الغزالي – وهو أصولي إخواني – انتبه لهذه المشكلة الكبيرة، وناقش بعضا منها في كتابه (السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث)..

فنحن أمام عبارة وهمية جدا وفي ذات الوقت خطيرة، وتنبع خطورتها في امتدادها باللاشعور والوعي الجمعي الإسلامي دون تعريف محقق لها، وأنها كانت – وستظل - سلاحا فعالا لنشر العنف الديني والتكفير ، فبرغم وهميتها واستحالة تعريفها وإثبات واقعيتها لكنها مقبولة من العوام ومجتمع رجال الدين، وأكثر من يستعملها بشكل جرئ شيوخ السلفية والجماعات مع استخدام طفيف من شيوخ الأزهر ربما لعلم البعض منهم بمضمونها المتشعب والمعقد، ولعلم هؤلاء أيضا بخلافات الأقدمين التي كان مصدرها السياسة والمصالح، وأن الكتب والمؤلفات القديمة يجب إنزالها منزلتها الحقيقية أنها مؤلفات هامة جدا لدراسة التاريخ الإسلامي لكن لا ينبغي تناولها كشريعة ودين، وهذا هو الفارق بين المقلدين والمصلحين في العصر الحديث، فكل من ينشر كلمة "فهم سلف الأمة" لا يتناول الأشخاص التاريخيين كبشر عاديين وجدوا في ظرف مكاني وزماني مخصوص، بل أصنام معبودة كلماتها مقدسة معصومة من الخطأ والزلل..

وقديما قلت لأحدهم: أن نقد أفكار أبيك لا يعني إهانته بل الأصل أنك تحترمه ولكن ترى لنفسك الحق في مخالفته ، هذا بالضبط ما يحدث تجاه هؤلاء الأئمة، فنحن ننقد أفكارهم ليس لإهانتهم ولكن لإصلاح العيوب والخلل الذي يعتريها ، لكن وبما أنك تعبد هؤلاء الأئمة وربما لا تفطن لحقيقة تلك العبادة وأنك تراهم شخوصا منزهة عن الخطأ والزلل فترى أي نقد لأفكارهم وفتاويهم (إهانة) فتتبدل على الفور كلمات نقد إلى هجوم، والاعتراض العلمي الموضوعي إلى شتائم وسباب..ولن ينصلح هذا الميزان لديك إلا بعد أن ترى جواز الخطأ في حقهم وأنهم ليسوا معصومين، فما ورثناه من التراث والتاريخ من عبارات معقد بشدة ومتشعب للغاية، لدرجة أنك تنفي بشكل متكرر عبادتك لهؤلاء الأئمة وأنه كل يؤخذ منه ويرد إلا صاحب ذلك القبر – وهو رسول الله – لكنك تشربت عبارات كثيرة جدا أدت لهذه النتيجة وأن الأئمة الذين تعرفهم مقدسون دون تصريح، وأنهم أصنام حقيقية معبودة دون تصريح، وما عبارة (فهم سلف الأمة) إلا أحد تلك العبارات التي أدت لهذه النتيجة التي صار مجرد نقد حادثة قديمة أو عدم قبول حياتهم قبل 1000 عام يعادل في مضمونه (الكفر) بدعوى إهانة السلف ورفض الدين الإسلامي الذي ورثوه عن الرسول بحكم الجوار التاريخي والجغرافي..!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اكذوبة نقد رأي سلف الامة
ابو ازهر الشامي ( 2022 / 10 / 20 - 15:01 )
اولا
من هم سلف الامة
البعض قد يظن اوائل علماء الاسلام
الاجابة لاء
فهنالك علماء معتزلة وجهمية
وشيعة وخوارج وغيرهم من طوائف الزندقة
والبعض قد يظن انهم علماء السنة
وحتى هذه غير دقيقة لان الظاهر ان مصطلح السنة نفسه لم يكونا موجودا بعض
باختصار هو راي جماعة الجرح والتعديل
جماعة قال فلان عن فلان
جماعة أهل الحديث
هؤلاء هم سلف الامة
وللعلم ابو حنيفة النعمان ليس منهم بالأصل
! وانما امر زمكاني تاريخي مثل الكثير من الامور التي تدخل الاسلام زمكانيا وتبقى فيه
بدون ان يدري المسلمون انها لم تكن موجودة فيه قديما ! ومن ينكرها زنديق كافر
!
ثانيا
ما الفرق بين علماء اهل الحديث الذين يعدون سلف الامة وغيرهم
الاجابة
ان هؤلاء فازوا واولئك خسروا
انتهت الاجابة
ثالثا
من الذي يتقيد بقول سلف الامة
الاجابة السلفيون
ولكن هل فعلا الاجابة صحيحة
الاجابة لاء
فسلف الامة وغالبية الصحابة قالوا بان الذبيح هو اسحاق
وبعدها خرج لنا ابن تيمية لكي يقول اخذوها من الاسرائيليات وان القران والسنة تدلان قطعا على غير ذلك وكأن الصحابة لم يكونوا يعرفون القران والسنة وهو انتبه عليها!


2 - تكملة
ابو ازهر الشامي ( 2022 / 10 / 20 - 15:06 )
فلك ان تتخيل ان ابن تيمية صاحب عبارة

-
وما نقل في ذلك عن بعض الصحابة نقلا صحيحا فالنفس إليه أسكن مما نقل عن بعض التابعين لأن احتمال أن يكون سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم أو من بعض من سمعه منه أقوى؛ ولأن نقل الصحابة عن أهل الكتاب أقل من نقل التابعين ومع جزم الصاحب فيما يقوله فكيف يقال إنه أخذه عن أهل الكتاب وقد نهوا عن تصديقهم؟.اهـ

-
ومع ذلك نقلوا ان الذبيح هو اسحاق من اسرائيليات
فكيف نجمع في المسألة

الخلاصة التي اريد الوصول اليها هي النقطة الثالثة التي تعد أهم النقاط وهي باختصار
انا من يقول راي سلف الامة هو أول من سيخالفه عندما يخالف رأيه او لا يعجبه
مما يعني ان من يطالبنا بالتمسك براي سلف الامة لا يتمسك به اصلا الا حسب المصلحة !
لا اكثر ولا اقل
والامثلة كثيرة وما ذكرته انا مثال
!
ملاحظة اخيرة
ومن عجائب السلفيين المعاصرين انهم بعدما يصرعنا بسلف رأي الامة يتحدث هن الاعجاز او الازعاج العلمي في القران
الا يحترم الرجل نفسه ! فهل عرف سلفه الصالح شيء يسمى الاعجاز العلمي !
ام كما قال بالاجماع على كفر المأمون صاحب التطور العلمي عند المسلمين بحسب خالد بن علي المرضي الغامدي

اخر الافلام

.. مستوطنون يقتحمون بلدة كفل حارس شمال سلفيت بالضفة الغربية


.. 110-Al-Baqarah




.. لحظة الاعتداء علي فتاة مسلمة من مدرس جامعي أمريكي ماذا فعل


.. دار الإفتاء تعلن الخميس أول أيام شهر ذى القعدة




.. كل يوم - الكاتبة هند الضاوي: ‏لولا ما حدث في 7 أكتوبر..كنا س