الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن مشروع المصالحة..أيضا

موفق الرفاعي
كاتب وصحفي

(Mowaaffaq Alrefaei)

2006 / 9 / 30
المجتمع المدني


بانتظار المعجزة!!
...ويوما بعد آخر يزداد منسوب العنف في العراق حتى بات يهدد بإغراق كل شيء،وحين يأتي الطوفان فلن يتمكن أحد من النجاة حتى وإن كان في معزل.فسفن النجاة قد شارك الجميع في تخريقها كل وطريقته الخاصة وبما وفرتها له امكاناته بدءاً بالذين فصلوا الرؤوس عن أجسادها ومرورا بالذين تمكنوا من دق إسفين المذهبية والطائفية ، فجعلوا من شعب كان واحدا موحدا شيعا وأحزابا يقتل بعضه بعضا ، وليس انتهاءً بالذين استخدموا (المثقاب)في تثقيب الأجساد الحية،فلا الرأس بالإمكان إعادته مرة أخرى فهذا مستحيل ، ولا الثقب بالإمكان ترقيعه،فالجسم البشري يرفض الخلايا الغريبة عنه،وما يتبقى هذه الفرقة التي نتمنى أن يعدها الجميع مستدركا تاريخيا لكتاب(( الملل والنحل)) ينتمي إلى الماضي وليس ذيلا يلحق به ليكمله.
ومع هذا فإن مؤسسة الحكم لا تريد أن تصدق هذا المشهد رغم واقعيته فتحاول بدلا من ذلك فرض وصايتها على هذا الخراب بمبادرات ومشاريع محكوم عليها بالفشل سلفا،ذلك أنها هي من يقترحها ويطرحها وباشتراطاتها وحدها،ولا نعلم إن كانت بهذا تريد أن تقول لنا إنها الطرف الأقوى في المعادلة السياسية،أم إنها على ثقة عالية بنفسها تؤهلها للتصدي لهذا الأمر المتداخل والشائك وحدها،في حين الواقع هو عكس ذلك تماما،فها هي الحكومة ليس لها من إمكانات مواجهة الإرهاب سوى حظر التجوال في الليل وفي المناسبات لتتيح للناس ممارسة طقوسهم الحزينة دونما منغصات، أو حظر سير المركبات أيام الجمع لتتيح للمصلين أداء صلواتهم المفروضة في اختراع آلية جديدة لصلاة الخوف،وحتى هذه الإمكانية المتواضعة جدا بالنسبة لحكومة مدججة بالشرعية وبالسلاح والأهم منهما بـ(الأمريكان)،قد اُخترقت مؤخرا مما أثار في الأذهان الكثير من التساؤلات عن جدوى مثل هذه الإجراءات التي تشل الحياة ولا تؤدي إلى النتائج المرجوة منها.
الشيء الوحيد الذي يمكن رؤيته بوضوح هو أن رئيس الحكومة يسعى من خلال ذلك كله إلى الزعامة الاستثنائية وسط كل هذا اللغط القاتل الذي يملأ الشوارع والفضاءات العراقية،ومع هذا فنحن نرى ما يراه ونتفق معه في مسعاه المشروع،إن كان يعتقد مثل بقية أبناء الشعب العراقي: أن الظروف الاستثنائية دائما هي بحاجة إلى رجل استثنائي،شرط أن لا يؤدي هذا المسعى أو يستغل من قبل آخرين الى إرساء دعائم وأسس بناء سراديب حكومية معتمة تنبعث منها الكوابس التي كانت تجثم على صدور العراقيين في أزمان سابقة خاصة وهم الآن يؤرقهم انقطاع التيار الكهربائي فلا ينامون إلا في الهزيع الأخير من الليل،الفترة التي تحبذها الشياطين لإرسال زوارها الثقلاء من تلك الكوابيس المدججة بآخر مبتكرات العقلية السايكوباثية.
حين تنشأ النزاعات ما بين طرفين أو أطراف متعددة عادة ما يظل هناك طرف ثالث خارج هذه النزاعات كما نلمس ذلك دائما حتى في النزاعات الإقليمية والدولية حين يتكتل البعض في مواجهة قوة أو كتلة أخرى،هذا الطرف الثالث يقع على عاتقه طرح المبادرات والمشاريع التي تهدف إلى تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة لحل تلك النزاعات أو حلحلتها.
فهل استعجلت حكومة المالكي حين طرحت مبادرتها لمشروع المصالحة الوطنية،أم أنها أرادت بهذا قطع الطريق على الطرف المحايد لتطرح المبادرة بشروطها هي،خصوصا وأن الطرف المحايد مكون غالبا من أحزاب وقوى ليبرالية علمانية لا تريد الحكومة لها أن تكون الحكم ما بين طائفتين ((..من المؤمنين))خاصة وأن المصاحف لم ترفع بعد على أسنة البنادق هذه المرة؟هل للبنادق أسنة؟! نعم هي الحراب التي تركب على الجزء الأمامي في البندقية ساعة يلتحم المتحاربون في قتال بالسلاح الأبيض.
هذا مجرد تساؤل أثارته الطريقة التي طرحت بها المبادرة وتوقيتها،فلا توجد أدلة كافية حتى الآن على تلك الفرضية،إلا اللهم الترحيل المتواصل لموعد عقد مؤتمر الوفاق العراقي الذي ترعاه جامعة الدول العربية كلما اقترب من موعده.
إن من يمتلك الإجابة عن هذا التساؤل وغيره من التساؤلات،خصوصا عن المدى الذي توصل إليه المتحاورون،هو الحكومة العراقية وحدها وثلة من أعضاء البرلمان المرموقين المنتمين إلى كتل برلمانية آرستقراطية لها ثقل داخل البرلمان يتيح لها الإطلاع على مجريات الحوار أولا بأول.فالحوار يدور داخل المنطقة الخضراء خلف جدران عالية وعازلة لا تتيح للكثير من الإعلاميين الإطلاع عليها إلا من استرق السمع منهم لقربه من أحد أولئك الأعضاء المرموقين.
إن هذا التعتيم الإعلامي- إن لم يكن في صالح المفاوضات الجارية-،والكثير من الإجراءات التي تتخذها الحكومة مثل منع مدراء دوائر وزاراتها من التصريح للإعلام،ومحاولات جس نبض الإعلاميين من خلال بعض تصريحات لرسميين تنشر هنا وهناك لإصدار قرارات تحد من حرية الإعلام،والعمل الجاد لتبني مشروع قانون مكافحة الإرهاب الذي هو بالتأكيد حق ربما استغل لتقييد الحريات والتجاوز به على المواثيق الدولية التي تكفل حقوق الإنسان كما هو الحال عادة عند العمل بقوانين الطوارئ.كل هذا وغيره يثير لدى الإعلاميين الخشية،كما يولّد لدى المواطن العادي خوفا من إمكانية استعادة حكومة منحها البرلمان المنتخب ثقته،لآليات عمل مراحل وحقب سابقة مر بها العراقيون كان آخرها حقبة النظام السياسي السابق.
قبل أسبوعين تقريبا احتفى الإعلام العراقي شبه الرسمي احتفاءً مبالغا فيه بمخرجات مؤتمر شيوخ عشائر العراق والتي جاءت أقرب ما تكون إلى إملاءات طرف يملك بيده جميع أوراق اللعبة السياسية منها إلى أن تكون تجسيدا لأمنيات مخلصة للتمسك بالثوابت الوطنية،فيما عكست لدى المحللين السياسيين جهلا فظيعا لدى المؤتمرين بخارطة العراق السياسية وحجم القوى الداخلية المؤثرة وارتباطات بعضها بالواقع الإقليمي والدولي.في حين العشائر العراقية ليست كيانات متجانسة،وإنما هي حاضنة تكافلية في أدني مستوياتها،وأن أفرادها موزعو الإنتماءات السياسية ما بين جميع القوى الفاعلة وغير الفاعلة.
هذا الاحتفاء الاستثنائي من قبل وسائل إعلام شبه رسمية والذي أعاد إلى أذهاننا تلك التجمعات الاستعراضية التي كانت تنظمها أجهزة النظام السابق،كانت له دلالاته وهو يأتي متزامنا مع وصول الحوار داخل أسوار المنطقة الخضراء ربما إلى نهايات غير سعيدة،تكشف عنها العمليات المسلحة واستهدافها هذه المرة مواقع مؤثرة ومنتقاة بعناية سياسية وليس لوجستية،ربما من أجل الحصول على تأثير أكبر على سير المفاوضات ونزع ولو القليل من ما تتلقاه الحكومة من دعم من أطراف كثيرة في الداخل وفي الخارج يشكل إضافة عددية وربما حتى نوعية لما تمتلكه من أوراق.
هذه هي قوانين لعبة المفاوضات،وهذه هي قوانين اللعبةالسياسية،وهذه هي أيضا رسالة لمن ما زال يظن أن السياسة مثل الأعمال العبادية تحسب بالنيات!!وهي حتما بالنيات..ولكن أية نيات!!انها النيات المبيتة والتي ليس لها من معنى سوى التآمر و((أوهام القوة والضعف)).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس.. مؤتمر لمنظمات مدنية في الذكرى 47 لتأسيس رابطة حقوق ال


.. اعتقالات واغتيالات واعتداءات جنسية.. صحفيو السودان بين -الجي




.. المئات يتظاهرون في إسرائيل للمطالبة بإقالة نتنياهو ويؤكدون:


.. موجز أخبار السابعة مساءً - النمسا تعلن إلغاء قرار تجميد تموي




.. النمسا تقرر الإفراج عن تمويل لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفل