الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آيوتزينابا وشهداء جسر السنك!

حاتم عبد الواحد

2022 / 9 / 27
المجتمع المدني


يبعدُ المكانانِ أحدهما عن الاخر حوالي 13500 كيلومتر، انا أعيش في المكانين منذ استولى أولاد الله ـ كما يدعون هم ـ على مقادير بلادي في عام 2003.
في مثل هذه الليلة 26 أيلول من عام 2014 تم اختطاف 43 طالبا تتراوح أعمارهم بين 17 و 25 سنة من طلاب احدى مدارس اعداد المعلمين في قرية آيوتزينابا الواقعة في مدينة اغوالا في ولاية غريرو المكسيكية والتي تبعد عن العاصمة مكسيكو ستي حوالي 200 كيلومتر وتم قتلهم في مكب للنفايات ورميت اشلاهم وبقايا جثثهم في نهر قريب، أسباب الاختطاف كانت حسب مصادر الحكومة ابان وقوع الجريمة ان هؤلاء الطلاب أرادوا السفر الى العاصمة في تلك الليلة للمشاركة في تظاهرات احتجاجا لذكرى مجزرة تلاتيلولكو التي وقعت في 2 تشرين الاول عام 1968 في العاصمة مكسيكو ستي في ساحة الثقافات الثلاث ، وكان عدد الضحايا حسب صحيفة الغارديان البريطانية آنذاك هو 325 . فالحكومة لم تسمح حينها بتصوير الضحايا ولم تدل بعدد الضحايا، انما تم نقلهم الى المستشفيات المدنية والعسكرية والى منازلهم مباشرة، وكان جل الضحايا من الطلاب.
ومنذ وصول الرئيس اندريس مانويل لوبيز الى الرئاسة في عام 2018 وعد عوائل الضحايا بالكشف عن الجناة وتقديمهم للعدالة، ولكن لا نتائج تذكر، ففي كل عام يخرج ذوو الضحايا بمظاهرات حاشدة مطالبين بالكشف عن مصير أبنائهم ولكن الحكومة المركزية لم تقدم أي معلومات اكيدة حول ما جرى، وأخيرا اعترفت لجنة حكومية تحت ضغط المطالبات الدولية، ومطالبات منظمات حقوق الانسان بان ما جرى هو " جريمة دولة"!
ربما سيقول أحد القراء وما علاقتك انت العراقي بما يجري في المكسيك؟
ان لي عائلة وأبناء واحفاد هنا في المكسيك وأخشى ان يكون مصيرهم كمصير الاف المكسيكيين المهمشين الذين لا يسال احد عن مصيرهم ان عاشوا وان ماتوا، ولي عائلة هناك في بغداد واخوة واحباب اخشى أيضا ان يصيبهم مكروه بسبب تواطؤ السلطات الحكومية مع القتلة.
لقد اثبتت التحقيقات المكسيكية ان حاكم ولاية غيريرو هو من اوعز للشرطة المحلية والاتحادية وقوات الامن التابعة للدولة بتسليم هؤلاء الطلاب الى عصابة محلية لتجارة المخدرات، واخبرهم ان يوحوا كذبا لعناصر هذه العصابة ان هؤلاء الطلاب هم من فصيل اخر منافس للعصابة الاولى.
عندما اوعزت الرئاسة المكسيكية بالبحث عن بقايا الضحايا في الاحراش والوديان القريبة من مكان الحادث، عثرت الفرق المخصصة لهذا العمل على 11 مقبرة جماعية لا علاقة لها بجثث هذه الطلاب، فتاريخ هذه البلاد الدموي مليء بالمجازر التي راح ضحيتها أناس لا يعرفون من هم الان بسبب تلاشي بصمتهم الرايبوزية، تحت تأثير العوامل المناخية او الإضافات الكيماوية التي يستعملها القتلة لإخفاء هوية الضحية الى الابد.
تذكرني الان " جريمة الدولة" هذه بجريمة جسر السنك وساحة الخلاني، التي تكاد تشترك مع جريمة آيوتزينابا بحجم التواطؤ الحكومي مع القتلة وحمايتهم من الملاحقات القانونية والعقوبات الجنائية.
ففي السادس من كانون الأول عام 2019 وفي الساعة السابعة والنصف ليلا شوهدت سبع شاحنات تتحرك بسرعة نحو ساحة الخلاني، ثم ما لبثت ان باطأت حركتها، كان يعتليها رجال بأسلحة وملابس سوداء موحدة ولكنها كانت ملابس مدنية!
وبينما كانت الشاحنات تسير ببطء، فتح المسلحون النيران من بنادق كلاشنكوف ومدافع بي كي سي فوق رؤوس المتظاهرين، قبل ان يوجهوا سبطانات بنادقهم نحو الأسفل ويطلقوا النار عليهم مباشرة!
في ذلك الحين قال شهود ان المحتجين كانوا في تجمع سلمي لم يهدد أحدا باي عنف، وأضاف الشهود انهم شاهدوا عشرين عنصرا من الشرطة الاتحادية وقوات الامن التابعة للدولة العراقية كانوا يحرسون نقطتي تفتيش في ساحة الخلاني يهربون بسياراتهم عند وصول شاحنات المسلحين، وأضاف الشهود ان الكهرباء انقطعت عن ساحة الخلاني وعن كراج السنك لمدة ساعة مع بدء إطلاق النار ولم يستطع أحد ان يرى شيئا غير وميض الرصاص في حين لم تنقطع الكهرباء عن أماكن مجاورة بشكل مباشر للساحة وكراج السنك!
وعند الساعة الرابعة والنصف من فجر السابع من كانون الأول وفي غضون دقائق عادت قوات الامن الى النقطتين اللتين هربت منها قبل تسع ساعات، والجدير بالذكر تشير شهادة الشهود الى ان المسلحين الذين أطلقوا النار على المحتجين قد حملوا جثث ضحاياهم في شاحناتهم قبل ساعة من عودة قوات الامن العراقية الى اماكنها، هذا كله يشير الى تناسق ودعم وتناغم بين الفعل الحكومي والفعل المليشياوي، وفي شهادة لرائد طبيب في الجيش العراقي لصحيفة ذا تايمز البريطانية قال ان ضحايا تلك الليلة كانوا بين 80 الى 85 شهيدا واكثر من 140 جريحا وثلاثة معتقلين تم اصطحابهم من قبل المسلحين الى جهة مجهولة.
ورغم السنوات ورغم دعوات المنظمات الدولية وبعض الأحزاب المشاركة بالسلطة بالكشف عن الجهات التي تقف وراء هجوم السنك وساحة الخلاني الا ان شيئا من هذا لم يحدث وما زال القتلة يسرحون في شوارع بغداد والمدن الغاضبة مهددين من تسول له نفسه الاحتجاج على النهج الهمجي في إدارة الدولة بمصير يشبه مصير شهداء تلك الليلة وليالٍ أخرى سالت فيها دماء بريئة.
ورغم شجب الأمم المتحدة لممارسات المليشيات ضد المحتجين، وما رافق ذلك من قتل للأبرياء، لم يحرك رئيس الوزراء وقتها عادل عبد المهدي ساكنا.
لقد نشر السفير الكندي على صفحته في توتير قائلا" لا يجوز ابدا في أي بلد ذي سيادة ان تسمح الدولة بتواجد مجموعات مسلحة تمثل اجندات خاصة".
وأصدرت وزارة الخارجية الامريكية بيانا تدين فيه قتل المتظاهرين وتدعو السلطات في بغداد لمحاسبة القتلة، ووصف سفير الاتحاد الأوربي في العراق مارتن هوث احداث الخلاني وجسر السنك بجرائم قتل. هذا بالإضافة الى شجب دول عظمى أخرى مثل فرنسا وبريطانيا لما حدث، ولكن حتى هذه اللحظة لم تستطع سلطة الدولة ان تقول كلمتها التي يجب ان تقال، فالبلاد عمليا تحت احتلالات شتى، وكل القوى الخارجية المتنافسة على إدارة الملف العراقي لها مصالحها ومريدوها ومدافعون عن منهجها، والويل والثبور لمن ينطق بكلمة بلادي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون


.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة




.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟


.. اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط




.. ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ا