الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفهوم العنف الاجتماعي : دلالاته وأشكال تجليه (الحلقة الثامنة) ما هو الاذلال ؟!

ثامر عباس

2022 / 9 / 28
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


(الحلقة الثامنة) ما الإذلال ؟!
(( تستغل المجتمعات المعاصرة الخزي والإذلال كتقنيات اجتماعية وسياسية ، لممارسة السلطة – أوتا فريفيت ))(1)

غالبا"ما يذكر الكتاب والباحثين - حين يتعلق الأمر بمباحث حقوق الإنسان وما يتصل بها ويرشح عنها من القضايا والمسائل المتعلقة بكرامة البشر وعزة نفوسهم - عبارة مفتاحية مضمونها أن ؛ ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ، للإشارة إلى أهمية الجانب المعنوي والرمزي في حياة الإنسان ، لاسيما في المجتمعات التي تهدر فيها الكرامة وتنتهك فيها الحقوق وتستباح فيها الأرواح . وعلى ذلك فان مفهوم (الإذلال) يستهدف كسر صلابة الإرادات المعارضة ، وتحطيم إباء النفوس المقاومة ، واختراق ممانعات العقول الرافضة ، بحيث يسهل تليين الأولى ، والتمكن من ترويض الثانية ، والنجاح في تنميط الثالثة .
ولعلنا نصادف – في الغالب - في إطار تفاصيل حياتنا اليومية وعلاقاتنا الاجتماعية الكثير من حالات التعرض للخزي والإذلال ، والتي لا يخلو من مظاهرها وعواقبها مجتمع من المجتمعات البشرية ، بيد أن تلك المظاهر تختلف وتلك الأنماط تتباين ما بين مجتمع وآخر وما بين حقبة وأخرى . لا بل إن أشكالها تتنوع ومستوياتها تتدرج ضمن نفس المجتمع الواحد وخلال ذات الحقبة ولكن في سياقات أخرى ، على خلفية ما يتعرض له هذا الأخير من حراك بين طبقاته وتشابك وتنوع في علاقاته . ولذلك (( على الرغم من هذه الاختلافات فان لغتنا اليومية لا تفرق بوضوح بين الخزي والإذلال ، يعود هذا من ناحية إلى الحدود السائلة بينهما ، وازدياد اختلاط أشكالها في العصر الحديث ))(2) .
ولغرض التفريق بين عملية (الإذلال) وبين الممارسات الأخرى المحايثة لها والقريبة منها مثل أساليب (الاهانة) وطرائق (الخزي) التي يتعرض لها الإنسان على سبيل المثال ، فان الباحثة (أوتا) تحثنا على ضرورة التمييز ما بين حجم (الإساءة) المستخدمة ، وبين مستوى (الضرر النفسي) الذي تحدثه في شخصية الطرف (المهان) . ولهذا فهي تطرح سؤلا"ثم تجيب عليه بالقول (( ما هو الشيء الذي يميز الاهانة عن الخزي ، أو الإذلال إذن ؟! . يعبر الخزي عن الاحتقار والاستخفاف ، ويدل الإذلال بشكل قاطع على الاحتقار . يتعرض من تنتهك كرامته ، أو من يتعرض للخزي دائما"إلى انتهاك شرفه ، بل أكثر من ذلك ؛ فالهدف هو تدمير الإحساس بالشرف والكرامة ، الذي يؤدي في النهاية إلى احتقار الذات . من يتعرض للإذلال أو الخزي علنا"أمام جمهور من الناس ، يجد صعوبة في إعادة بناء (قيمته الاعتبارية) مرة أخرى ، كما لن يكون سهلا"عليه أن يطالب مرة أخرى (بحقه في الاحترام) . أما الاهانات ، فإنها بالمقابل أقل وطأة ، لأنها تتبع منطق التحدي الذي يمكن الردّ عليه ))(3) .
ومما يفاقم مشاعر الذل والمهانة لدى الإنسان الذي يعاني وطأتها ، ليس فقط كونه نمط من أنماط العنف الناعم الموجه من قبل الآخر (الجواني أو البراني) صوب الذات ، تعبيرا"عن عدم التكافؤ في حيازة عناصر القوة ومصادر السلطة فحسب ، وإنما بسبب اقترانه بالأحاسيس المتعلقة بالجانب الشخصي / الذاتي ، أكثر مما تشي بالجانب الاجتماعي / الموضوعي . ففي الوقت الذي قد يحسه البعض ويفسره على أنه فعل يستهدف (إذلال) الشخص المعني وكسر هيبته ، ربما لا يراه البعض الآخر سوى شكل مقبول من أشكال السلوك الاجتماعي القائم على التراتبية في الأدوار الوظيفية والتدرج في المكانات الاجتماعية ، كما يحصل – على سبيل المثال لا الحسر – بين الرئيس والمرؤوس ، بين القائد والمقود ، بين الإقطاعي والفلاح ، بين المستعمر (بكسر الميم) والمستعمر (بفتح الميم) .
وإذا كانت بعض جرعات الإذلال المقننة مقبولة اجتماعيا"ومبررة أخلاقيا"- كما يحصل عادة على صعيد الأسرة والمدرسة والثكنة ، لأغراض تربوية وانضباطية – فان عواقب أي شكل أو أي نوع آخر خارج تلك الأطر المؤسسة ستكون كارثية بكل المقاييس . لاسيما حين يكون الإذلال صادر من قبل جماعة غالبة ضد أخرى مغلوبة ، أو كفعل مسلط من قبل حكومة استبدادية / دولة استعمارية ضد مجتمع مغلوب على أمره ، حين ذاك ينبغي توقع إن المجتمع المعني سيكون بمثابة بركان يغلي بالكراهيات والانقسامات والصراعات . حيث (( يصبح الشعور بالعار شديدا"وخطيرا"إذا حدث الخزي وسط سياق اجتماعي ، فالناس تخاطر بكل شيء من أجل تجنب المواقف المخزية ))(4)


الهوامش
1. أوتا فريفيت ؛ سياسة الإذلال : مجالات القوة والعجز ، ترجمة الدكتورة هبة شريف ، ( دمشق ، دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع ، 2021 ) ، ص20 . مضيفة إلى ذلك قولها (( حتى يصبح الإذلال ، أو الخزي متحققا"فعلا"، فلا بدّ من أن يتم في مكان عام ، وبحضور جمهور له دور أساسي وفعّال )) ، نفس المصدر والصفحة .
2. المصدر ذاته ؛ ص29 .
3. المصدر ذاته ؛ ص16 .
4. المصدر ذاته ؛ ص27 . مضيفة إلى ذلك قولها (( لا تعتمد الاهانة في النهاية على (نواقص) أو (عيوب) حقيقية ، ولا تمثل خرقا"للمعايير السائدة ، فهي مجرد ترديد لكلام غير حقيقي (...) ما ينقص الاهانة إذن هو عنصر السلطة و(العجز) ، هذا من ناحية ، كما ينقصها من ناحية أخرى سمة العقاب ، والاثنان : (السلطة والعقاب) خصائص موجودة في الخزي )) ، نفس المصدر والصفحة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات الطلبة في فرنسا ضد حرب غزة: هل تتسع رقعتها؟| المسائ


.. الرصيف البحري الأميركي المؤقت في غزة.. هل يغير من الواقع الإ




.. هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتحكم في مستقبل الفورمولا؟ | #سك


.. خلافات صينية أميركية في ملفات عديدة وشائكة.. واتفاق على استم




.. جهود مكثفة لتجنب معركة رفح والتوصل لاتفاق هدنة وتبادل.. فهل