الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسلمون بحالة المصنع

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2022 / 10 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من دون شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، نحن مسلمون. أين لنا أن نشهد ولم تحتوينا أرحام أمهاتنا بعد؟ وحين نولد، نولد مسلمون. قبل أن ننطق أي شيء، نقيد بخانة الديانة في شهادة الميلاد مسلمون، لأن أحد أبوينا أو كلاهما مسلمون. هكذا نحن بالوراثة وبحالة المصنع مسلمون. لا نطق بالشهادة ولا اختيار، بل أمر واقع وقدر محتوم مثل محل ميلادك ولون بشرتك ونوعك وطول قامتك وأبويك وأقاربك ومثل هذه الأمور التي لا اختيار فيها لأحد. وإذا ما بلغنا حد النضج والرشد والقدرة على تغيير محل الإقامة وتجميل لون البشرة وتغيير النوع وتقويم القامة وهجر الأبوين والأقارب والأحباب، سنبقى لا نزال عاجزين عن الاقتراب من خانة الدين. في عالمنا الإسلامي كل خانات تعريف الهوية قابلة للتعديل والتحديث إلا هذه الخانة بالذات ممنوع. نحن مسلمون من قبل أن نولد ومن بعد أن نولد وطول عمرنا وحتى بعد موتنا. بلا اختيار وبلا شهادة - وحدها حالة المصنع تكفي!

من دون إقامة الصلاة وإيتاء الذكاة وصوم رمضان وحج البيت، نحن نبقى أيضاً مسلمون. كثيرون منا لا يصلون، وإذا صلوا لا يواظبون؛ كثيرون منا لا يعرفون حتى كيف تؤتى الذكاة ونصابها وتوقيتاتها، وإذا عرفوا حتماً يقصرون؛ وكثيرون منا لا يصومون، وإذا صاموا أكلوا في صيامهم أضعاف ما يأكلون ويشربون وهم مفطرون. وقليلون منها يحجون، وإذا حجوا رجعوا بنفس مساوئهم ومحاسنهم التي سافروا عليها لا مطهرين من الذنوب كما يدعون. لا الصلاة ولا الذكاة ولا الصوم ولا الحج تصنع مسلماً، ولا تخرجه من الإسلام كذلك. هكذا، في العالم الإسلامي، المسلم مسلماً حتى من دون أن ينطق بالشهادة، ومن دون أن يصلي أو يذكي أو يصوم أو يحج. عكس ما يقول الفقهاء، الإسلام في الحقيقة لا يقوم ولا يُبنى فوق أي من هذه الأركان الخمسة أو كلها. مثل تلك الأركان المزعومة، ذلك الإسلام الذي يتخيلون ويفتون باسمه هو خلق ميتافيزيقي هلامي عديم القوام وغير متماسك منطقياً لا يمكنهم تأصيل ماهيته وإنفاذها على أرض الواقع. ربما تكون هذه الهلامية الميتافيزيقية غير القابلة للحياة مقصودة بذاتها لضمان بقاء فهمهم هم للإسلام حصراً ولبقائهم وازدهارهم هم أنفسهم كحراس وسدنة له.

يقولون إن الإسلام ’عقيدة‘. لكن الاعتقاد من جنس الفكر، محله الذهن والدماغ. عالم الذهن والدماغ مبني على الظن والتخمين والافتراض، لا حقائق مؤكدة ولا مسلمات يقينية كتلك المحيطة بنا في عالمنا الفيزيقي المادي. معطيات ومخرجات الذهن والدماغ ليست فيزياء، بل مجرد أفكار وخيالات وافتراضات ترجيحية مرهونة في صحتها وخطئها بمدى تطابقها مع المعطيات والمخرجات الفيزيقية المادية. مهما كان الذي يدور في ذهنك أو ينطق به لسانك لن أصدقك وأنت تقول ’هذا كلب‘ بينما أنت في الواقع ممسك بهرة. فإذا كان الإسلام، كما يدعون، ’عقيدة‘، فهو بالتبعية مرهون في صوابه وخطأه بواقعه الفيزيقي المادي المحيط. في قول آخر، بدل أن يكون الإسلام هو المرجعية الحاكمة للواقع، كما يدعون، سيصبح العكس.

يقولون إن الإسلام ’إيمان‘. الإيمان محله القلب وأساسه الحب والتصديق الأعمى من دون الحاجة إلى منطق أو تعليل أو تفسير أو تبرير. يكفيك فقط أن تؤمن. لا أحد يسأل لماذا يحب نفسه أو ولده أو وطنه أو حتى دينه، أو لماذا اختار قلبه هذه المرأة بالذات. الحب والإيمان من جنس العاطفة، التي عكس الاعتقاد تصبح أكثر جموحاً وتحرراً وذات قدرة تدميرية جبارة حين تفلت من القيود. إذا كان هذا المؤمن عمياناً ذاته قادر على أن ينسف نفسه انفجاراً، والتضحية بولده وهجر وطنه والزواج من أخرى فوق امرأته، فماذا يمنعه عن دينه؟! في الحقيقة، الإيمان ليس بمستودع آمن لأي شيء حتى يؤتمن على الإسلام، لأن مادته عاطفة قابلة للانفجار في أي وكل لحظة. لو كان الإسلام، كما يدعون، إيمان فطري مغروس في القلب لما كان موضوعاً لحديثنا الآن.

يقولون إن الإسلام ’دين‘. وما الجديد؟ لقد عرفت البشرية ولا تزال ما لا يحصى من الأديان. إذا كان الإسلام دين أيضاً، إذن هو مجرد دين آخر ضمن ما لا يحصى قبله، وآلاف الأديان المعاصرة له الآن. الأديان تولد وتموت، وتتغير وتتطور، على شاكلة البشر أنفسهم وكل تشكيلاتهم وتنظيماتهم ومخلوقاتهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وسائر الكائنات والهيئات. هل الإسلام هو أيضاً كذلك، له نشأة معلومة وعمر، يتغير ويتطور مثلنا ومثل مخلوقاتنا والمخلوقات الطبيعية؟! سيضيفون أنه الدين ’الحق‘، بمعنى أنه الدين الصائب الوحيد وسط كل الأديان الأخرى قديماً وحديثاً رغم كثرتها. الدين الوحيد الصواب لأنه من عند الله، بلسان الله، وكل الأديان الأخرى بدع بشرية محرفة وخاطئة ما أنزل الله بها من سلطان. في قول آخر، هم يحتكرون لأنفسهم فقط الله والحقيقة الإلهية. وما الجديد أيضاً؟! كل الأديان قديماً وحديثاً فعلت وتفعل ذلك.

الإسلام، في عالمنا الإسلامي، ليس شهادة ولا ذكاة ولا صلاة ولا صوم ولا حج ولا عقيدة ولا إيمان ولا مجرد دين. ربما هو يحوي في باطنه كل ذلك أو بعضاً منه، لكنه بالتأكيد أكبر وأوسع من هذا بكثير في حقيقة الواقع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية


.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟




.. محاضر في الشؤؤون المسيحية: لا أحد يملك حصرية الفكرة


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي




.. التحالف الوطني يشارك الأقباط احتفالاتهم بعيد القيامة في كنائ