الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
السياحة في الآفاق
ماجد ايوب القيسي
2022 / 10 / 5التربية والتعليم والبحث العلمي
السياحة في الآفاق :
هناك حاجة انسانية للترويح عن النفس،
وتغيير الأماكن والظروف المعتادة ،
والاستمتاع بأماكن أكثر فسحة ونظارة،
وتنمية الإحساس بالجمال،
والاهتمام بسبل الترفيه النفسي والروحي والوجداني،
الذي يعاني الكثير من الاهمال قياسا بتلبية المتطلبات المادية كالمأكل والملبس والمسكن،
والخطأ الفادح هو اهتمام الناس بترتيب الحياة المادية اهتماما كبيرا،
وترك الفوضى في القلوب والعقول والمشاعر والأحاسيس،
فبينما يتمتع البدوي براحة نفسية تجلبها حرية الحركة بلا قيود مرورية ، وامتداد النظر لمسافات بعيدة في الآفاق،
يعاني اهل المدن غالبا من قصر مديات الرؤيا ، لكثرة المباني، وازدحام الشوارع ومكاتب العمل، والأسواق، واكتضاض السكان ، وروتين العمل اليومي ،
وكلها عوامل لتعب الاعصاب والارهاق النفسي والبدني، ومدعاة للسآمة والملل،
وقد تظهر أعراضا أخرى كهشاشة النفس وسقمها امام خشونة الواقع،
والخواء الروحي والوجداني والعاطفي،
وقد يجهل الكثير ان للنفس أمراضا تفتك بصاحبها، كأمراض البدن أو أشد فتكا.
منها الهموم والقلق والكبت وضيق الصدر والتشاؤم وأنواع من السلوكيات الشاذة والطائشة ،
وظهور أفكار الالحاد وانتشار المخدرات وغريب الملابس وقصات الشعر والعلاقات السيئة ،
وكلها مدعاة للبحث عن غذاء أو دواء يريح من يعانيها،
وقبل ذلك التعرف عليها لتعلم سبل الوقاية منها،
ففي النفس والروح حاجة للغذاء ، كحاجة الجسم أو أشد،
وادراك جوع النفس والروح ضروري ، فقد لا يعترف به من يعانيه ،
وقد يهزأ بمن يوجهه نحوه ، كشأن المصابين بالأمراض النفسية عامة.
وعندما تقلب آيات القرآن الكريم تجد الكثير منها تعمل في هذا المجال ،
مجال الوجدان والروح والنفس،
فتتعامل مع القلوب كأوعية، ينعكس ما تخفيه على ظاهر صاحبها كما ينضح الاناء بما فيه،
وتعمل على تغذية النفس والروح بعمليتين هما التخلية والتحلية،
فالتخلية تطهيرها من ادرانها ،
والتحلية غرس الطيب النافع من الأفكار والمعتقدات ، والأمل والتفاؤل والرحمة ، لتصل بالقلب الى حالة الطمأنينة،
(الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)(الرعد : 28)
وجرعة الطمأنينة هذه ينبغي أن تتكرر لتسود وتستمر ليعتادها القلب، ولتترك أثارها الطيبة فيه أثرا بعد أثر.
وفي ذلك جانب من حكمة فرض الصلاة على المؤمنين كتابا موقوتا.
وعليه فهناك خطوات عملية للوصول الى طمأنينة النفس كما يأتي :
- مدافعة الفراغ النفسي والفكري.
- الاهتمام بالصلوات كبرنامج حياتي يومي.
- تدبر معاني الآيات وفهمها وليس مجرد قراءتها .
- قراءة قصص الأنبياء والمرسلين والأمم السابقة.
- فتح ميادين كبيرة أمام العقل للنظر والتفكر والبحث في الآفاق والأنفس،
في الكون من حولنا، بسمائه ونجومه وشمسه وقمره وكواكبه،
وفي ظواهره كالليل والنهار والشروق والغروب ، والبرق والرعد، وفي صحو السماء وغيومها ، وفي الامطار ومواسمها، وفي الجفاف والفيضان، وفي الزروع والثمار،
في البر والبحر، في الصيف والشتاء، في الخريف والربيع، في الحر والبرد،
وفي الرياح الطيبة والأعاصير،
وفي لطافة الانسان وذوقه وجماله وحسن تصرفه، وفي عبوسه وتهوره وضيق صدره وسوء خلقه، في طبيعة خلقه ورفعه وتكريمه، في تكوينه جنينا في بطن أمه، في طفولته وشبابه وهرمه وفي دنياه وآخرته، وفي طبيعة الذكر والأنثى ، وفي الفقر والغنى،
وعدد ما شئت من هذه الجوانب والمواضيع.
فالآفاق الكونية كتاب الله المنظور، والذي يدعوك اليه كتاب الله المسطور (القرآن الكريم) لتدرك روعة الخلق وجماليته ، لترى آيات الإبداع والحسن والبهاء ما يدلُّ على عظَمة خالقه وجماله،
ولتدرك أيضا نظامه المحكم، وتناسُقه المتقن، وروعة بنائه، ودقة صُنعه، قال تعالى
(قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ (101))(يونس: 101)
وهذا النظر بحد ذاته عبادة من أجل العبادات، وسبب للهدوء والراحة النفسية،
ولطالما تغنى الشعراء والمطربون بشمس الأصيل، ومناظر الطبيعة، وحدائقها الغناء، وانهارها العذبة، وسهولها الممتدة، وجبالها الشامخة.
وقد وعد الله تعالى بان يفتح على الناظر اللبيب المتفكر في كتابه المنظور، من خزائن علمه وآياته وتوفيقه ورحمته، ليتعلم من قوانينه وسننه، ما ينظم به افعاله وسلوكه واوقاته وعلاقاته وحياته كلها. قال تعالى:
(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (سورة فصّلت: الآية: 53)
دعنا ننظر ونتفكر :
ماذا نرى:
نرى السماء الزرقاء الصافية المزينة بالنجوم.
نرى النجوم المتلألئة المتوهجة بتجمعاتها واشكالها البهية.
نرى الشمس وضيائها وحرارتها، والقمر ونوره وأحواله المتتالية.
نرى الغيوم تتقلب وتتحرك وتتقطع.
نرى البرق الخاطف ونسمع الرعد الخارق
نرى الماء النازل من السماء، فيسقي الأرض فينبت ثمرات مختلف ألوانها،
ثمرات من ماء واحد وتربة واحدة مختلفة الأشكال والألوان، والطعم والرائحة...
هذا أحمر ,هذا أصفر وهذا أسود، أخضر....
هذا يأكل طري، وذاك مطبوخ.
(فلينظر الانسان الى طعامه)، انظر الى أنواعه وطعومه ، .تركيبه ، مصدره....
أنظر الى الشجر.. ترى أشكالا وأحجاما وألوانا ، منها الزاحف على الأرض ومنها الباسقات في ارتفاعها ، فتعجب : كيف وصل الماء الى قمم أغصانها .
تفكر بالرياح ...نشعر بهبوبها ، منها الصبا اللطيف والعاصف المخيف.
نرى الجبال منها جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود.
أنظر إلى جمال الأرض، وما فيها من مناظر طبيعية خلَّابة، والى الجبال الشامخات،
وتأمُّل هذا الجمال؛ لتستمتع به، وتبحث في أسراره؛
قال تعالى:
﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنعام: 99]،
وانظر الى الحيوانات التي سخَّرها الله تعالى للإنسان:
﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ﴾ [النحل: 8]،
خلقْت للإفادة من منافعها المادِّية والاستمتاع بجمالها وزينتها،
وإثارة الإحساس بالجمال والاستمتاع به وتذوُّقه غاية قرآنية ، يستخدم فيها البصر، ليُنمِّي هذا الإحساس وليتتبع صفة الجمال في الاشياء والافعال والألوان ،
وليدرك أن مصدر هذا الجمال الباهر هو الله تعالى المتَّصف بصفات الجمال ؛
ليقف على عظيم قدرته وجماله وجلاله، فيؤمن به ويُسبِّحه ويُقدِّسه، ويستغفره ويشكره على آلائه ونعمه، فيزداد ارتباطه بخالقه تعالى،
فينعكس ذلك على حياته وسلوكه، ليضيف عنصر الحسن والجمال على هيئته وملبسه واقواله وأفعاله ،
وهناك مقاصد أخرى للتأمُّل والتدبُّر في هذا الكون لتعلم سننه وقوانينه، فتعلم مدى دقة خلقها، وانتظام حركتها، وتوازن صفاتها وتأثيراتها، فلا فوضى ولا عبث ولا عشوائية،
وارتباط هذه السنن الكونية بالقيم الايمانية، فنزول المطر له قوانينه الفيزيائية المعروفة، وصلاة الاستسقاء هي وسيلة المسلمين في طلب المطر من الله عند انقطاعه،
وهي مسألة يفهمها أهل الايمان باعتبار أن نزول المطر بيد الله، فتتوجه اليه بالصلاة والدعاء والرجاء،
ومثل ذلك ما ورد في الحديث الشريف: (داووا مرضاكم بالصدقة) ، وغيرها.
وهذا الادراك سبيل لارتقاء السلوك الانساني وتناغمه مع الكون، العابد الساجد المسبح لله تعالى:( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ ۖ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ۗ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ۩ ( الحج: 18)
فهل يدرك الساجد لله أن كل أجرام الكون تسجد لله كذلك ؟
وهل يدرك المسبح لله أنه يتناغم مع الكون ، فكل ما فيه يسبح الله؟
(تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ ٱلسَّبْعُ وَٱلْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَىْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِۦ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُۥ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا)(الاسراء :44)
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. نتنياهو يحدد طبيعة رد إسرائيل.. هل تقترب ساعة الانتقام من إي
.. السلطات اللبنانية: مليون ومئتي ألف شخص نزحوا والأزمة تزداد ب
.. المنتخب التونسي يبحث عن فوز أمام منتخب جزر القمر لضمان التأه
.. والدة الطفل يوسف -شعره كيرلي-.. ترثيه بعد مرور عام على مقتله
.. حرب لبنان.. مليون و200 ألف نازح و إخلاء 129 قرية جنوبا