الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة المرأة الايرانية : الجزء الثالث

اسماعيل شاكر الرفاعي

2022 / 10 / 5
المجتمع المدني


ثورة المرأة الايرانية
الجزء الثالث
9 -
في مثل هذه الأجواء العشوائية الخالية من التخطيط ومن مراكز الدراسات المتخصصة باستشراف المستقبل : يتحول الحجاب وتتحول الكثير من المسائل الدينية والعشائرية الى قضايا سياسية ملتهبة : ينقسم الناس في الرأي حولها ، وهذا ما يحب ساسة البلدان الراكدة ان يحدث ( ركود الحياة يعني انغلاقها على نفسها ، وعدم السماح باستضافة اي ظاهرة اقتصادية واجتماعية وثقافية حديثة ، واستمرار التمسك بالطرق العتيقة في اعادة انتاج حياتهم المتوارثة ) . فبغياب خطط تنويع مصادر الدخل ، وغياب ارادة السعي لتنمية الاقتصاد ، وتقديم الحلول للتحديات الكثيرة التي تواجه الناس : يستغل السياسيون الموضوعات الفولكلورية كالحجاب : استغلالاً بشعاً بان يحولوا طريقة الناس في اللبس من ميدان العادات والتقاليد : الى موقف من الدين والأخلاق ومن الايمان بوحدانية الله وباليوم الآخر ، حتى اصبحت مسألة الكيفية التي يتم بها حجب الجسد الأنثوي او اي جزء منه عن الرؤية : تفوق بما لا يقاس مشاغل الناس وهمومهم حول تحسين شروط معيشتهم . فبفضل الاحزاب الاسلامية وفقهاء الدين اصبح الحجاب : وليس الفساد المالي ونهب ثروات البلاد ، هو عماد الدين : ( رغم ان الحجاب ليس من اصول الدين ولا من فروعه ) وبدأَ السياسيون الإسلاميون بالتوجه للنساء ورشوتهم للإعلان عن تحجبهن ( وظاهرة التحجب وخلع الحجاب : مشهورة في عالم الفن ) ، فبالتحجب كما يقول الفقهاء . ينلن رضا الله عنهن ويدخلن الجنة ...
10-
اثبتت الشعوب الإيرانية بانها لا تختلف في طبيعتها البشرية عن باقي شعوب العالم التي رفضت الاستمرار لألف سنة اخرى مسجونة في أقفاص محاكم التفتيش ، فكان لا بد للشعوب الايرانية من ان تقوم بثورتها لتلتحق بالشعوب التي نالت حريتها ، وتتخلص من جماعات : " الامر بالمعروف والنهي عن المنكر " التي انحصرت ممارستها البربرية في الدول التي لم تبلغ مجتمعاتها سن الرشد بعد ( يبلغ المجتمع سن الرشد حين يتوافق على نبذ طريق العنف والقتال والتآمر والانقلابات العسكرية في الوصول الى السلطة ، ويستعيض عنها بأسلوب التداول السلمي للسلطة عن طريق الانتخابات ) اذ تم قانونياً تحريم وجود هذه الجماعات في الدول التي بلغت سن الرشد واقامت انظمتها النيابية ، ومنعتها من مراقبة حياة الناس الخاصة والتدخل في شؤونهم . واجب جماعات : " الامر بالمعروف والنهي عن المنكر " الاول ظلّ كما هو منذ 14 قرناً في ايران وفي عموم الدول الناطقة بالضاد ومنها العراق ( في العراق اخذت ميليشيات الحشد الشعبي مسؤولية مطاردة ما استجد من ظواهر الحياة ) واجبها الاول : تغييب حضور المرأة من مسرح الحياة اليومية ، ومنع اختلاط الجنسين . والاعلان العلني عن ان الرجل هو المالك الوحيد لهدا العالم ، وهو المسؤول عن ادارة شؤون الحركة فيه . ويرود جماعة :" الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ) البلاد طولاً وعرضاً لتأكيد هذا الحق ، واثبات عائدية هذه الملكية للرجل ، وطرد النساء منها خوف ان يبادرن الى ادعاء أنهن شريكات الرجل في ادارة عالم الحياة . تتصور الانظمة الدينية الشمولية : بان القضاء على حضور النساء في الحياة اليومية ومنعهن من الاختلاط سيقلل الى حد كبير من نسبة الاحتجاجات والمظاهرات والعصيانات المدنية ، واجهاضها قبل وقوعها . ومن اجل ذلك يتميز تنفيذ " جماعات الامر بالمعروف والنهي عن المنكر " لأعمالها بالسرعة : فهم يعاقبون الناس في الشوارع والأسواق من غير محاكمة ، ويعتقلون النساء اللواتي لا يصطحبن " محرماً " من العائلة . بتهمة انتهاك الفضيلة : اي انتهاك وتدنيس حرمة عالم الرجال وملكيتهم . ولذا يقومون بمطاردة المرأة للمحافظة على ممتلكات الرجال وصيانتها من الدَنَس والرذيلة ...
11 -
الحجاب واجب التطبيق على نساء الخواص ، وغير ملزم لنساء العامة ، لسبب تعبر عنه الآية 59 من سورة الاحزاب : " ذلك ادنى ان يعرفن فلا يؤذين " فارتداء الحجاب هنا : من اجل حماية نساء الإشراف ( الخواص ) من التحرش ( الأذى الذي تتعرض له المرأة من قبل الرجال ) ويمكن لك ان تلاحظ ذلك من اعادة النظر في كتب الطبقات والتاريخ والأدب مثل كتاب الأغاني لابي فرج الأصفهاني ، وكتاب العيارين والشطار للدكتور محمد رجب النجار ، ومفاخرة الجواري والغلمان لعبد السلام هارون . ويعطي الريف العراقي اوضح بيان عن ذلك : فليس الحجاب وحده مطلوب من نساء الاقطاع والسراكيل وشيوخ العشائر : بل حجب كامل الجسد عن الرؤية ، وملازمة البيت وعدم مغادرته ، والحجب التام لكل ما يشير الى وجود المرأة كالصوت وفتح الباب للطارقين ...
12 -
لم يعد الحجاب في عالم اليوم من الموضوعات التي يتوقف عليها الحفاظ على الهوية والأصالة . لقد تجاوزت شعوب الحضارة الصناعية النظرة القديمة التي كانت ترى بأن العادات والتقاليد والفلكلور هو ما يحدد : هوية الشعوب وأصالتها ، وربطت هويتها وأصالتها بمقولات اخرى تتعلق بكيفية الاجابة على التحديات التي تواجه مجتمعاتها ، والطرق الكفيلة بتطويرها : تربوياً وتكنولوجياً بالاعتماد على المختبرات ومراكز البحوث . لكن في المجتمعات التي تجتر موروثها مثل مجتمعاتنا الراكدة : ينبش السياسيون في الماضي بحثاً عن الموضوعات الخلافية التي سينقسم الناس في الموقف منها : وهو انقسام لا يضر السلطة بقدر ما يفيدها : اذ ستربح حلفاء من غير ضغط ، تجعلهم يتعصبون الى فكرة : ان الحجاب هو مَن سيقرر مصير الافراد في الآخرة . وفي هذه الرمزية لم تعد الملابس مطلوبة لحماية الفرد من تقلبات الجو وتغيرات حرارة الفصول بل مطلوبة لذاتها كدلالة على التقيّد بوصايا الاله التي سيؤدي التقيد بها الى الفوز بالجنة . العجرفة السياسية الغارقة في تأويلات غامضة : نفخت في مسألة الحجاب ، وحولتها الى مسألة تهدد بقاء نظام ولاية الفقيه . القائم في كل جوانبه الفكرية والمعرفية ، وفي حركة تصنيعه للسلاح النووي والباليستي ، وفي تموين ميليشياته وجيوشه السرية : على الحجب الكتمان . وحتى منطلقاته الفكرية واجهزته الإعلامية فمحجوبة بطبقات صلدة من الغموض والسرية : اذ لا يوجد دليل على ان الامام الذي يكون مرشد النظام الاعلى نائبه : ما زال على قيد الحياة بعد اختفائه ، كما يقول الموروث الشيعي منذ اكثر من 1000 سنة ، وانه يعطي الخامنئي ، وقبله الخميني : ارشادات وتوجيهات مستمرة عن القوانين والتشريعات الواجب تشريعها : ومنها تأسيس ميليشيات مسلحة من الشيعة في العراق ولبنان واليمن وبلاد الشام ، واجبها القتال وليس العبادة ، والدفاع عن برنامج : امتلاك السلاح النووي ...
13 -
احتجاجات نساء ايران موجهة بالأساس ضد التشريعات والقوانين التي سحبت منها حقها في ان تنتمي لعالم البشر ، وحكمت عليها بان لا تعيش على الارض بل تحتها ، وان تلازم كالأشباح الدهاليز والزوايا المظلمة ، تحت تهديد من قوانين الشريعة التي أمرت المرأة بطاعة الرجل طاعة عمياء ، فهي قوانين وصاية وهيمنة ، كتبها الرجل الشرق أوسطي منذ فكر في بناء اولى الامبراطوريات ، وامتشق سلاحه وركب عربته وطلب من امرأته ان تنتظره ، وان اضطرت الى الخروج فعليها التحجب . لكن الرجل ، لكي يزداد هيمنة وكبرياء ، ادعى بانها قوانين السماء وليست من اختراعه : وعلى النساء الرضا بما اناطته بها من واجبات . لقد اناطت هذه القوانين بالرجل مهمة بناء الدول والإمبراطوريات وكتابة قوانين ادارة الشأن العام ، واناطت بالمرأة الهبوط الى العالم السفلي ، وملازمة بيتها ، وتهيئة اسباب الراحة للرجل حين يعود من غزواتته وحروبه ، لانها هي المسؤولة عن معاناته بعد ان تسببت بإخراجه من الجنة ...
14-
احتجاجات المرأة الايرانية ومظاهراتها التي لقت الإسناد من جميع المدن الايرانية على اختلاف قومياتها ، هي احتجاجات ضد القوانين التي أَرّخت لانتصار الرجل على المرأة ، بعد ان كانت المرأة في الازمنة الاولى تمنع الرجل من استغلال قوته ووحشيته ، وترفض قيامه بغزو الآخرين والاستيلاء على أراضيهم الزراعية ومصادرة ممتلكاتهم وسبي نسائهم . لكن الرجل رفض الاستماع الى احتجاجات المرأة ، ونظم نفسه عسكرياً وهزمها ، وشَرْعَنَ هذه الهزيمة التاريخية على شكل شرائع ، قال انها هبطت من السماء ارسلتها الآلهة الى أور - نمو ، مؤسس سلالة أور الثالثة السومرية (2113ق . م ) وأرسلها الاله مردوخ الى الملك البابلي حمورابي في شريعته الشهيرة ( 1792 ق. م ) ثم تناقلتها الديانة اليهودية على انها هابطة عليها من ربهم الاعلى : " يهوه " ، ونقلتها الديانات اللاحقة على انها شريعة الله التي ارسلها الى أنبيائه ورسله . لم تكذب المرأة هذه العلاقة الخاصة بين الارض والسماء . واستسلمت لتقسيم العمل بينها وبين الرجل الذي اصبح فيه : جالب احتياجات المنزل ، فمالت الى السكوت الذي استمر لمئات السنين : الى ان أخرجتها حركة التنوير من صمتها . لقد تجاوزت شعوب الحضارة الصناعية : اسئلة الحضارة الزراعية ، ومنها سؤال الحجاب ، فقوانين دول الحضارة الصناعية قد وضعت المعيار الذي لا بمكن كسره او تحديه : معيار قانون المساواة بين الجنسين ، واصبحت المرأة شريكاً للرجل في ادارة الشأن العام : هاجرةً برضا الرجل وبمساعدته : عالمها القديم . ان الثورة الايرانية التي تتصدرها النساء الإيرانيات : ستقوم بأنسنة شروط العيش في الحياة ، باعادة الاعتبار الى المرأة كشرط ضروري لهذه الانسنة ، واعادة الاعتراف بها كفاعل اجتماعي واقتصادي وعلمي وأدبي وفني ومساهم أساسي في حملات استكشاف الفضاء ...
15-
منذ اللحظات الاولى التي بدأت فيها المرأة الايرانية تحتج على شروط حياتها القاسية ، وتطالب بان تعيش على الارض شريكة للرجل في عالم الحركة والضوء ، انهمر عليها رصاص آلهة الشريعة : الفقهاء ، وسلطة دولة " الولي الفقيه " أو " نائب الامام " . لكن الرجل الإيراني سيسلك : مثل كل ثوار العالم : الذين قاموا بالثورة على شرائع آلهة الحضارات الزراعية ، والذين بنوا انظمتهم النيابية بنوعيها : البرلمانية والرئاسية على مفهوم المواطنة وقوانين حقوق الانسان : سيلتحق بهم الرجل الإيراني حتماً بكتابة دستور المساواة ببن الذكر والأنثى . وقد لاحت بوادر هذا الدستور في المظاهرات الاخيرة ، فكتب الرجل مع المرأة : شعارات الثورة التحررية الايرانية : " لا حرية لأوطانٍ لم تنل شعوبها الحرية " ، ولا " حرية لرجل من غير امرأة حرة " . ثورة تحرير المرأة الايرانية هي ثورة من اجل تحرير الرجل الإيراني . لان المرأة الايرانية لا تريد القيام بانقلاب وتصبح هي السيدة ، ويصبح الرجل عبداً لها : وتضع ذلك في شريعة خاصة ، ثم تدعي بان السماء ارسلتها وأوحت بها . لم تثر المرأة الايرانية لانها تطمح ان تحل محل الرجل في ادارة الشأن العام بل ثارت لانها ارادت ان تحرر نفسها ومعها الرجل من العبودية . واذا ما تحقق لها ذلك فان المرأة الايرانية تكون قد حفّزَت جميع شعوب الشرق الاوسط على الثورة بمعناها الجديد : الذي يربط حرية الشعوب بحرية الأوطان ، وحرية الوطن من بحرية شعبه . وثورتها هذه هي من اصعب الثورات في التاريخ : فهي تنطلق لاول مرة في ايران وفي الشرق الاوسط لتحرير الوطن والأنثى في آن واحد .
16 -
يتحمل النظام الأبوي القائم في ايران مسؤولية سقوطه : ان سقط . لان اجهزته الأمنية تطاولت كثيراً على كرامة الناس في ايران ، ولم يعد سحر الوعد بالنجاة في الآخرة يغري الناس على الاستمرار بطاعة نظام يهين كرامتهم بومياً وكل ساعة . لقد امعن النظام كثيراً قي احتقار العقل البشري وامتهانه حين تصوره سادراً معه في حمل فلسفة النظام والدفاع عنها الى ما لا نهاية . فمن خرافات النظام التي خسر بسببها المرأة : انه طالبها بان تعيش خارج عصرها ، وجعل ذلك احد بنود دستوره الاساسية . هل يعقل ان يقتل النظام ( الذي يريد تحرير العالم ، كل العالم بشرقه وبغربه : من ماديته وضلاله وكفره ) فتاة عشرينية لان الهواء حرك حجابها فنفرت خصلة من شعرها ؟ لا تريد المرأة الايرانية ان تطرد نفسها من زمن القرن الواحد والعشرين ، هي تحب ان تعيش منجزات هذا القرن الرائعة في الفنون والآداب والعلوم ، وتحب ان تغامر مع المغامرات الذاهبات لريادة الفضاء الخارجي ، ولا تريد العودة الى الوراء ، الى زمن الجواري ، وان تكون متاع الرجل " الزنگين " الذي بحق له على طريقة الخلفاء ان يبني داراً خاصة بحربمه .
لم يطلب النظام ذلك من نفسه . رغم انه ينتمي في مرجعياته النظرية الى أوقات عتيقة جداً تبعد عن أيامنا 1400 سنة ، وكان حريّ به ان يطلب هو من نفسِهِ العيش خارج عصره .
فلماذا لا يجرب هو هذا النمط من العيش ؟
ليذهب النظام الإيراني هو أولاً للعيش في العصور القديمة : قبل ان يطلب ذلك من المرأة . لو فعلها النظام وذهب للعيش خارج عصره : اذن لاسهم بحل المعاناة الكبرى التي تواجهها الشعوب الايرانية من الحصار الدولي المفروض عليها من الخارج . ولكفّ عن الاستمرار بالإنفاق على ميليشيات اربعة بلدان عربية ، وانفاق عسكري هائل على تصنيع السلاح النووي والباليستي وحرمان الشعوب الايرانية من الاستمتاع بواردات اراضيها من النفط والغاز . بتم ذلك طبعاً باسم حرية الأوطان ، اما الشعوب فمصيرهم القتل والسجون والإهانات ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة


.. تفاعلكم الحلقة كاملة | عنف واعتقالات في مظاهرات طلابية في أم




.. كل يوم - خالد أبو بكر يعلق على إشادة مقررة الأمم المتحدة بت


.. حاكم ولاية تكساس يبدل رأيه في حرية التعبير في الجامعات: المت




.. الأخبار في دقيقتين | مجلس الحرب الإسرائيلي يناقش غزو رفح ومف