الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشكالية مجهولية المالك بين النص والأجتهاد. ح3

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2022 / 10 / 5
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


ليس من الغريب اليوم أن نسمع بكلمة تتردد بين عموم الناس وخاصة في العراق كدولة ونظام سياسي أجتماعي ديني مختلط لا حدود فيه بين ما هو سياسي وما هو خلاف ذلك، فالتداخل بين صفات منظومة الحاكم في العراق ليس غريبا ولا جاء نتيجة تراكم تجريبي ولا هو نظرية جديدة في الحكم، تركيبة النظام الحالي جاء نتيجة التخادم بين أطراف القوة المتنفذة في المجتمع، فهي تجمع بين قوة السلطة السياسية وما تتمتع به شرعية النظام من كون العراق دولة ذات سيادة، وبين العامل الديني تلك القوة الضخمة الهائلة القادرة دوما على تحريك الروابط والعلاقات التشاركية داخل النظام السياسي، بما تملك من سطوة على العقل السياسي والاجتماعي والشعبي العام، وأخيرا الركن الثالث والذي يتحرك ذيليا حسب ما يتاح له من حرية، يظنها جزء من حدود الفوضى التي تبيح له الحق في التمرد على قوانين الدولة، في محاولة أستقواء ضدها ليظهر تميزا في محاولة وجود موقع قدم له في السلطة.
هذه الكلمة وإن كانت تاريخيا أو على الأقل فقهيا موجوده في العقل الديني الأجتهادي ولا سيما في الفقه الشيعي التداولي، لكنها كانت دوما محصورة في طبيعة الصراع الذي يدور خفيا وعلنيا في أحيان لبن رجال الدين والسلطة، فقد أورد الكاتب العراقي رشيد الخيون في مقال له بعنوان أموال الدولة.. وفق «مجهول المالك»! منشورا في موقع العربية لمحة بسيطة تبين لنا حقيقة هذا الصراع، وكيف كان يتم توظيفه دينيا في محاولة التسيد على صنع فكر ديني منحوت وفقا لرأي المنظومة الدينية، أساس هذه الفكرة والمحور الذي تدور حوله من مخرجات التفكير الشيعي القائم على فكرة الإمامة الظاهرة والإمامة النيابية التي أنفرد الشيعة فيها وحدهم بجعلها واحدة من أصول الفقه لديهم، يقول الكاتب (على أن الدَّولة في عصر الغيبة كلّ ما تملكه يُعد مغتصباً يمكن التَّصرف به بلا حرج، فالدَّولة خارج تلك الولايَّة لا تملك شيئاً، وما يؤخذ منها بلا حقٍّ لا يُعد فساداً، إلى جانب إذا اختلط الحرام بالحلال يُحلل بدفع الخمس لنائب الإمام).
إذا العامل الأساسي الذي يجعل من أموال الدولة في عصر الإمامة بالنيابة أو الوكالة محترما وله عنوان أجتماعي أو سياسي شرعي هو الغاية من جعله بهذه الصفة حتى يتم تمويل المؤسسة الدينية التي تعتمد بشكل أساسي على فكرة حق الإمام، فحق الإمام الفكرة تدور على أن الإمام الظاهر في ظهوره أو نائبه أو وكيله في زمن الغيب هو المخول شرعا بقبض الخمس بعنوانيه (لله وللرسول)، وبالتالي فالدولة التي تعتبر أكبر مالك في المجتمع الإسلامي تمثل أكبر دافع للخمس حسب النظرية الشيعية، فلا بد من الأستحواذ على هذا المال "الخمس" بطريقة لا تجعل من أمر أنتقاد النظرية متاحا، بل أعطت للكل حق أستغلاله لأنه مغصوب أو مغتصب، وبذلك فقد هدت الفكرة الأجتهادية هذه أسس النظام السياسي للدولة الذي يعتمد على قدرته المالية في إدارة الدولة، إذا كان العنوان المعلن شيئا والنتيجة المطلوبة إضعاف سلطة الدولة مقابل تقوية سلطة المؤسسة الدينية الشيعية هي الهدف والغاية من نظرية كون مال الدولة مغصوب.
تطرق الكاتب رشيد الخيون إلى فضية مهمة أخرى وإن كانت بصورة غير مباشرة ولكنه أستعرضها كما هي بلا رتوش، يقول الكاتب (النَّاس تتبع الفقهاء وفق التَّقليد الدِّيني، فإذا كان المسؤولون يُقلدون الفقهاء في المعاملات الماليَّة، تصبح مسألة المال «مجهول المالك» ذريعةً للفساد بالأموال العامة)، هذا الفصل من الكلام ليس تجنيا من الكاتب ولا هي بدعة أراد منها الطعن بالمؤسسة الدينية بقدر ما شخص حالة الفساد والإفساد العلني المنتشر اليوم في نظام حكم الإسلام السياسي في العراق الطاغي بصبغته الشيعية، هذا الموقف الفكري الديني الأجتهادي إذا هو المسئول الأول عن ظاهرة الفساد ونهب المال العام والتصرف به لأنه مغصوب، أولا من قبل الدولة والتي يديرها رجال المرجعية ومقلديها في واحدة من أبشع أنواع التناقض بين النظرية والتطبيق، فإن كانت الدولة غاصبة يعني أن من يديرها أصلا من مقلدي المرجعية الدينية هم الغاصبين، وهم السراق ومالهم حرام وسحت لا يجوز عليه التخميس والتزكية وحتى لو فعلوا، وبالتالي فالمرجعية ورجالها ومقلديها مجموعة من السراق واللصوص في دولة هم يديروها باسم الإمام في زمن غيبته.
لقد حطم الشيعة بعد ألف وأربعمائة سنه من حلم دولتهم الكريمة مثلما يصفونها بأيدهم تجربة نادرا ما تتكرر، وبذلك يتحملون وزرين أمام الله والشعب، وزر الخراب والتحريف والتلاعب بالحقائق التشريعية عندما جعلوا من المال العام مال مجهول المالك ليبيحوا عوامل الفساد داخل المجتمع ويسقطوا قوتهم الأساسية بهذا التخريج الفقهي الأجتهادي، وثانيا تحميل أفراد المجتمع وزر المال الحرام وأثم السرقة بعنوان تحليلي لا يصمد أمام الوقائع التشريعية الحقيقية، هذا ليس فقط على مستوى الأفراد بل أيضا على مستوى نخب المرجعيات أو من يدعون نيابة الإمام، وهنا لا بد أن نذكر طريفة أوردها الكاتب رشيد الخيون تبين المنهج التبريري النفعي الذي تمارسه تلك النخب عندما توضع أمام حقائق لا يمكن نكرانها ولا التجاوز عليها، فقد أورد في نفس المقال حكاية تفضح حقيقة المال مجهول المالك (يُذكر أن الشَّيخ جعفر كاشف الغطاء(تـ:1812)، كانت له سطوة على شاهات إيران، لكن مِن ناحية الفقه يعتبر أموال الدولة مجهولة المالك، فلما أقام له حاكم أصفهان وليمةً، قال له «إن هذا الطَّعام الذي تتناوله هو فعلاً مِن الحرام» مِن الجمارك والضّرائب! فأجابه الشّيخ «مجهول المالك عليَّ حلال وعليك حرام»).
في هذه المقدمة التوضيحية أردنا من خلالها أن نبين حقيقة واحدة لا يمكن الفرار منها أو محاولة تناسيها لوجود قضايا أهم وأخطر في روزنامة السلطة السياسية في العراف، الحقيقة تقول أن أي خطأ في بداية أي مشروع ما لم يتم الألتفات إليه وتعديله وتصحيحه سيكون عامل هدم وتخريب كلما مضت التجربة بدون ملاحظة هذا الخرق حتى لو كان بسيطا، وبالرغم من بعض الفتاوى الخجولة والترقيعية التي يصدرها بعض المراجع حول حرمة المال العام من باب سد الذرائع، لا يمكنها معالجة إرث تاريخي بني على فكرة مزيفة ومخلة بالنظام الاجتماعي للجماعة الشرية، السبب في فشل هذه الفتاوى الخجولة أن مطلقها يقر في داخل عقله وعقيدته خلافها ومستمر على الإيمان بنظرية مجهولية المالك ويدرسها ويعتمدها جزء من منظومة العقيدة الشيعية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مخاوف من استخدامه كـ-سلاح حرب-.. أول كلب آلي في العالم ينفث


.. تراجع شعبية حماس لدى سكان غزة والضفة الغربية.. صحيفة فايننشا




.. نشاط دبلوماسي مصري مكثف في ظل تراجع الدور القطري في الوساطة


.. كيف يمكن توصيف واقع جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة؟




.. زيلنسكي يشكر أمير دولة قطر على الوساطة الناجحة بين روسيا وأو