الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفهوم العنف الاجتماعي : دلالاته وأشكال تجليه (الحلقة الرابعة عشرة) ما هو الانتقام ؟!

ثامر عباس

2022 / 10 / 7
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


(الحلقة الرابعة عشرة) ما هو الانتقام ؟!


لا ريب في أن مفهوم (الانتقام) يستدعي إلى ذهن القارئ تلك الحالة أو الظاهرة المتمثلة بوجود شخصين أو فئتين أو جماعتين تفصل بينهما مجموعة من الخلافات السياسية العميقة والاختلافات العقائدية المتجذرة ، بحيث يقعان على طرفي نقيض ؛ لا في الانتماءات العنصرية والولاءات المذهبية والتكتلات القبلية والخيارات الإيديولوجية فحسب ، بل وكذلك في الاستحواذ على مقومات السلطة ، والاحتياز على عناصر القوة ، والاستملاك لمصادر الثروة . بمعنى أنه لكي يصبح (الانتقام) ممكنا"ومبررا"بين طرفي المعادلة ، لابد أن يكون هناك طرف يمتاز بالقوة والاقتدار والتسلط من جانب ، يقابله من جانب ثان طرف يكاد يفتقر أو لا يوازي الطرف الأول بحيازة تلك الامتيازات والتمتع بأفضليتها ، الأمر الذي يضفي على أعمال العنف التي تمارس أبعادا"انتقامية صريحة .
ولكي تكتمل دائرة (الانتقام) وتتفاعل ديناميتها على المستوى السيكولوجي وتنثال معطياتها على الصعيد السوسيولوجي ، فهي بحاجة إلى مزيج من مشاعر التباغض القومي / العنصري ، أو التكاره الديني / الطائفي ، أو الازدراء الإيديولوجي / الحزبي . بين هؤلاء الذين يمثلون الطرف القوي (الجماعات الحاكمة أو المسيطرة) ، وبين أولئك الذين يمثلون الطرف الضعيف (الجماعات المحكومة أو الخاضعة) ، بحيث أن أي احتكاك عابر أو مواجهة عفوية بينهما سرعان ما تتحول إلى كرنفالات دموية فضيعة يستباح خلالها العباد والجماد ، وتنتهك فيها المحرمات والمقدسات .
ومن المفيد الإشارة إلى إن متوالية (الانتقام) يزداد زخمها ويشتد وقعها ويتسع مداها ، بالمقدار الذي يجعل بندول الدولة / السلطة يميل لهذه الجهة أو تلك ، لهذه الجماعة أو تلك ، على خلفية دعمها لمصالح وترويجها لعقائد هذا الطرف على حساب ذاك ، بصرف النظر عما إذا كان موقفها هذا ينسجم مع متطلبات الشرعية الأخلاقية والإنسانية ، أو يتلائم مع مستلزمات وشروط حقوق الإنسان من عدمه . لاسيما وان الدولة في البلدان المتخلفة كانت – وستبقى – إما طرفا"مباشرا"في هذه اللعبة القذرة ، وهو الراجح في معظم الحالات ، بحيث لا تلبث أن تستخدم كل ما في جعبتها من أدوات العنف ووسائل الإكراه ، وإما طرفا"غير مباشر يمارس دور المرشد والموجه من خلف الكواليس ، محاولة الإيحاء بأنها فوق الميول والاتجاهات التي تتبناها الأطراف المتصارعة .
ولعل ما يدفع (الدولة) لاتخاذ مثل هذه المواقف (اللاحيادية) إزاء الأطراف المجيشة بنزعة (الكراهية) والمعبأة بروح (الانتقام) ضد بعضها البعض ، كونها دولة عنينة بنيويا"ووظيفيا"ومستتبعة سياسيا" واقتصاديا"، دائمة الاستشعار بضعف إرادتها وانتهاك سيادتها وتآكل سلطتها ، على خلفية افتقارها لأي مقوم من مقومات الشرعية الوطنية والمشروعية الدستورية – وهذا هو حال الغالبية العظمى من دول العالم الثالث التي نشأت تحت وصاية ورعاية الحكومات الاستعمارية خلال القرن الماضي - الأمر الذي يجعلها بحاجة دائمة ليس فقط إلى اختلاق الأزمات بين المكونات المتعارضة والجماعات المتباغضة ، لحيلولة دون اشتداد ساعدها واستقواء شوكتها بحيث تبقى مشتتة القوى وضعيفة الإمكانات فحسب ، بل وكذلك إيجاد من يعمل لأجلها وبالنيابة عنها حين يشتد وطيس الصراع على مصادر الثروة ومقومات السلطة .
ومثلما هو شأن الأنماط الأخرى لمفهوم (العنف الاجتماعي) ، حيث تتنوع الأنماط وتتدرج مستوياته ، فقد يأخذ (الانتقام) صيغة الفعل (المادي) المباشر (السجون السياسية والمطاردات الأمنية والحملات العسكرية) تارة ، وينتهج صيغة الفعل (المعنوي) اللامباشر (تقييد الحقوق وتجميد الحريات وتعطيل القوانين) تارة أخرى . هذا مع العلم إن الانتقال من صيغة (انتقامية) إلى أخرى تعتمد على ما يبديه الطرف المعارض من قوة في المقاومة وشدة في التحدي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشيف عمر.. طريقة أشهى ا?كلات يوم الجمعة من كبسة ومندي وبريا


.. المغرب.. تطبيق -المعقول- للزواج يثير جدلا واسعا




.. حزب الله ينفي تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي بالقضاء على نصف


.. بودكاست بداية الحكاية: قصة التوقيت الصيفي وحب الحشرات




.. وزارة الدفاع الأميركية تعلن بدء تشييد رصيف بحري قبالة قطاع غ