الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوعي بالعقل ، دفاعا عن التنوير ح 19 من سلسلة الوعي المجتمعي ك 2

ياسر جاسم قاسم
(Yaser Jasem Qasem)

2022 / 10 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الوعي بقضايا العقل ورؤاه الحضارية
جاء في كتاب الامتاع والمؤانسة تعريف للعقل على لسان ابي حيان التوحيدي عندما سئل عنه وعن معناه فاجاب : العقل هو قوة الهية ابسط من الطبيعة وهو خليفة الله وهو القابل للفيض الخالص الذي لا شوب فيه ولا قذى كما ان العقل نور في الغاية لم يكن ببعيد واسمه مغن عن نعته" ومن اثار العقل لديه " من كثر الواحد فهو اشد خطأ ممن وحد الكثير لان تكثير الواحد انحطاط الى المركز وتوحيد الكثير استعلاء الى المحيط" كما نرى التوحيدي يخبر عن العقل بقوله "فاما اذا فحص عن اثاره في حضيضه فانه تمييز وتحصيل وتصفح وحكم وتصويب وتخطئة واجازة وايجاب واباحة" وهو في عمله يشترط استواء اللفظ بالمعنى لان احسن الكلام ما رق لفظه ولطف معناه وتاييد السماع اللغوي للقياس العقلي بالطبع وتبادل الفن وطبيعة الالهام .
زد على ذلك ان التوحيدي يذكر انحاء اربعة من العقل : " الاولى تنفيه باطلاق عند من ليس له عقل البتة ، والثانية تقر وجوده ولكن في صورة باهتة اذ يقال فلان في عقله لوثة اما الثالثة : فتذكره باعتدال حينما نقول فلان عاقل ، وبقيت الناحية الرابعة : التي تجعله مصدر التميز والرتبة اذ يقال فلان اعقل من فلان ، وهكذا يختلف نصيب المرء من العقل بالقلة والكثرة والصفاء والانارة والظلمة واللطافة والكثافة والحصافة ، ان طريق العقل هو طريق جلب المنافع ودفع المضار ووسيلة الانسان لتحقيق اغراضه ونيل مطالبه بحيث صار هذا يملك بعقله غير ما يملك الاخر وافترق الطبيب عن المهندس وعن الفقيه وعن النحوي ، وان صنعته هي الهداية والارشاد والفتح والنصح بالنسبة الى الانسان ونقد انتقاص الحسن والتباس الذهن وتخطى الشعور المموه والحكم بما يستحق خاصة وانه الحكم بقبول الشيء وده وتحسينه وتقبيحه" وهكذا نرى التركيز الاساسي عن مفهوم العقل واساليبه من خلال ان العقل يحوي مفاهيم اخرى اختلفت نوعا ما عما وصفه التوحيدي من تمييز وتحصيل وحكم وتصويب واباحة وغيرها من مفاهيم ارتبطت بالعقل لديه .
نرى الامور اختلفت عام 1784م على يد " موسيس مانديلسون" حيث دخلت في نظري مفاهيم جديدة على العقل منها التنوير ، الثقافة ، التعليم ، يقول مانديلسون: " ان كلمات التنوير والثقافة والتعليم من الوافدات حديثا الى لغتنا والاستخدام اللغوي الذي يبدو انه يميل الى التمييز بين هذه الكلمات المترادفة لم ياخذ الوقت الكافي بعد كي يقيم الحدود بينها " (راسل جاكوبي ، في نهاية اليوتوبيا، ت:فاروق عبد القادر ، ماي، 2001، ص50) كذلك يشير بعض الباحثين الى ان كلمتي ثقافة وحضارة قد استخدمتا حتى عهد قريب بمعنى واحد وبالفعل فان (البرت شفتيسر) يقول في كتابه: فلسفة الحضارة :ان الالمان يستعملون عادة كلمة ثقافة والفرنسيون كلمة حضارة، لكن ليس ثمة مبرر لغويا وتاريخيا لوضع تفرقة بين الكلمتين (هانز جورج غادامير، الحقيقة والمنهج، الخطوط الاساسية لتأويلية فلسفية، ت: حسن ناظم) بمعنى نحن بحاجة الى تطوير مدارك المرء ومواهبه من خلال الرؤى التعريفية والعمق المنهجي المتبع من اساليب ثقافية مهمة تصب في مصلحة العقل وتتبنى تطويره والبعض من الكتاب والباحثين يفصل بين الثقافة والعقل ويعتبر ان الثقافة هي منظومة من الانشطة بعيدة كل البعد عن مفاهيم العقل والفلسفة ويعتبر البعض ان الثقافة عندما تتعلق بمفاهيم العقل هذا يعني احتكارها وفهم ضيق لمفاهيمها وعنصرية ظاهرة او خفية فيها، فالمفهوم الانثربولوجي للثقافة يشيع رحوا من الشعبية الليبرالية القائمة على التساوي وبالفعل فحين تعرف الثقافة بانها كل مركب يشمل المعرفة والعقيدة والفن والاخلاق والقانون والعادات فانه يصبح لكل الناس ثقافة .
لان أي نشاط يمكن ان يشكل ثقافة وهكذا ادى المفهوم الانثربولوجي الى اعتبار الثقافة مقولة يمكن ان تسري على اية امة او جماعة ورفض اية نظرة تراتبية للثقافة ( راسل جاكوبي، مصدر سابق،ص52) ان ما ذكره جاكوبي صحيح من ناحية انزال الثقافة من عرشها الملكي الى عروش الناس وجعلها مفهوما انثربولوجيا متداولا هو مفهوم اساسي ولكنه منقوص فنحن بحاجة الى مفهوم الثقافة كي يرتبط بالعقل لان بعض انواع الثقافات هو خارج اطار العقل والمعرفة وهي ليست ثقافات بقدر ما هي ممارسات خارج اطار العقل اذن استطيع القول ان هنالك ثقافات عقليةة واخرى ممارسات ليست لها علاقة بالمفهوم الثقافي فنحن لسنا مجبرين على ان نطلق تسمية الثقافة على ممارسات لا تحمل من الرؤى الثقافية شيئا بل نكتفي باطلاق لفظ ممارسة عليها. والثقافة تشمل ممارسات لها علاقة بالعقل والمعرفة والممارسات الاخرى التي لا تنتج سوى جهل وظلامة فهي تبقى في سياقها انها ممارسة وليست ثقافة ، فالتعدد الثقافي في مجتمع معين يعني تعدد الممارسات ليس اكثر وبالامكان ان نقول تعدد الثقافات العقلية والممارسات غير العقلية ،فالثقافات العقلية هي ممارسات عقلية تنتج رؤى تقدم المجتمع، اما ممارسات البعض فهي ليست ثقافات لانها تكرس مناهج التخلف داخل المجتمعات وتمنعها من التفكير بمعنى اخر اننا في حالة جمود كبير تعاني منه ثقافتنا بشتى تصوراتها المعرفية على مستوى الفن والاخلاق والفلسفة والعلم وحتى الفقه والشريعة فكل هذه الامور والتي حاول البعض يسبغ عليها صفات ثقافية ويفصلها عن المعاني العقلية مصابة بالتجمد والضعف والخمول ومن حاول فصلها فهو مخطا حتما لانها معاني عقلية بحاجة الى تجدد معرفي ، من هنا ان الفن والاخلاق بالاضافة الى كونهما ثقافات فهما يصوران مرحلة من مراحل تطور العقل المجتمعي كذلك فان اصابتهما بالجمود والضعف يحتم اصابة المفهوم العقلي ككل بالجمود والضعف وهذا ما تخشاه المجتمعات المتطورة والمتقدمة وبذكر الشريعة فانها اصيبت بالجمود والتخلف للاسف الشديد فبعد ان كانت مثارا للجدل كما حصل لدى المعتزلة وقد ناقشت رؤاهم في كتابي مفهوم العقل في البصرة ، نرى اليوم ما يسمى بالمجتهدين قد حولوا الفقه والشريعة الى ايقونات تتسمى باسمائهم وهذه اشكالية تصيب الفقه بالشلل التام فوق شلله من هنا نرى اشاعة مفاهيم تكرس الجمود ومنها (التقليد) أي: ايقاف العقل عن التامل والتدبر .
فما معنى ان تتبع انسانا يخطئ كما تخطئ كي تعرف ان حياتك تمشي بالشكل الصحيح وهو ما دعاهم أي : المجتهدين ان يطلقوا مثلا شعبيا يوقف العقل تماما (ذبهه بركبة عالم واطلع منها سالم) فاي معنى سخيف هذا ، وكذلك نرى ختما من مراجع الدين يختمون به ما يسمى برسالاتهم العملية (ان العمل بهذه الرسالة مبرئ للذمة ) فاذا قسنا هذه العبارة على ما يؤمنون به من نصوص دينية نجدها مخالفة للنصوص ، لان المبرئ للذمة هو الاله فقط بدلالة الاية (ومايزكي الانفس الال الله) فمن هو المرجع كي يبرئ ويزكي الانفس امام الاله للناس ، هذه مناقشة من ناحية النص الديني نفسه ، اما من ناحية العقل فهي أي هذه العبارة بمثابة صك غفران يستخدمه المرجع كي يبشر به متبعيه بان افكاره الفقهية الواردة في كتابه هي الاقرب الى النص وان متبعها بالنتيجة سيدخل الجنة حتما وعليه ان يدفع الاموال اليه، كي يبرئ ذمته تماما، فهي أي الرسالة مبرئة للذمة من الناحية الدينية والسياسية والاقتصادية والترفيهية حتى ، أي ملذات الحياة وما شابه وطعامه وغيرها من الامور التي هي امور شخصية ، جاء هؤلاء وبدعم من النصوص كي يقيدوا البشر بها ، يقول ابو الفرج ابن الجوزي عن التقليد" في التقليد ابطال منفعة العقل لانه انما خلق للتامل والتدبر وقبيح بمن اعطي شمعة يستضيء بها ان يطفئها ويمشي في الظلمة" لذلك نرى الجمود والتخلف الفكري لان الناس تنتظر امرا من المرجع ليس الا .
ملحوظتان:
1- الثقافة هي منظور عقلي حتما سواء كانت منطلقة من انثربولوجيا او من علوم علمية وفلسفية فكلها عقلية اساسا اما من يحاول ان يصور الممارسات المجتمعية ايا كانت بانها ممارسات ثقافية من باب التعددية الثقافية فهو مخطا حتما لان الممارسات تنقسم الى قسمين اما عقلية فهي ثقافية بالنتيجة لانها تقدم وعي مجتمعي او ممارسات محترمة لا تحوي على ثقافات بل تحوي على تخلف مجتمعي تحترم ليس الا من باب كونها ممارسات مختصة بفئة مجتمعية محددة.
2- مفهوم العقل في التراث وحسب ما ورد لدى ابي حيان يصور المعنى العقلي لتلك الحقبة والمفهوم العقلي لديه يشمل التمحيص والتدقيق وحاليا التنوير والثقافة والمعرفة وغيرها من مفاهيم تكون كلها ضمن المفهوم العقلي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا


.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم




.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا


.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است




.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب