الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما ذاق العسكريون رحيق التمييز

محمد حسين يونس

2022 / 10 / 9
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


حديث عن النبي ( صلعم ) أن المصريين هم خير أجناد الأرض .. «إذا فتح الله عليكم مصر بعدي فاتخذوا فيها جندًا كثيفًا؛ فذلك الجند خير أجناد الأرض» و أنا بصراحة مندهش.. إذا كان هذا جزء من العقيدة فلماذا لم يتخذ الوالي عمرو بن العاص راوى الحديث ..والخلفاء الراشدين.. و الأمويين و العباسيين .. منهم جنودا و جيوشا ..
بل إمتد هذا التجهيل و النبذ طول التاريخ قبل العرب .. و بعد العرب ..فمن نهاية حكم الأسرة 26 سنة 525 ق.م و هزيمة الجيوش المصرية أمام (قمبيز ) الفارسي .. حرص جميع المستعمرين ألا يكون لمصر جيش من أبناءها .. سواء أيام البطالسة من 330 ق.م و الرومان من 30 ق.م أو العرب 600 م أو الفاطميين .. و المماليك و العثمانيين .
أول مليشيات مصرية مسلحة .. ظهرت بعد الغزو الفرنسي في القرن التاسع عشر .. ثم إختفت بعد رحيل المستعمر ..ثم مع محمد علي حين حقق إبنه إبراهيم عدة إنتصارات بجيوش مكونه من المصريين كجنود و قليل منهم كضباط .. و إنتهي مجده بمعركة نفارين حيث تم تدمير أسطولة .. و محاصرة جنودة باليونان .. ثم بعد غزو الشام .. و تأمر الدول الأوروبية علية .. و منحه هو و عائلته حكم مصر في مقابل عدم تفعيل قوته العسكرية .
الجيش المصرى منذ معاهدة باريس هذه.. أصبح جيشا ذو شكل .. بدون أى فاعلية أو مضمون .. طول فترة حكم أبناء محمد علي .. ..كان هناك جيش .. ولكنه للشكل الإحتفالي ..حتي سنة 1936 عندما سمح المحتل البريطاني .. يتكوين جيش ذو فاعلية محدودة لمساعدتهم بعد الحرب العالمية الأولي.. علي حماية الحدود .
أغلب قوات الجيش المصرى من حرس الحدود .. كانت نوبية ..و تركب جمال .. و تمسك كرباج .. و تستخدم لإسكات الإنتفاضات في القرى و النجوع ..لقد كان مقرهم في كوبرى القبة .. و كانوا يستعينون بهم .. في تفريق المظاهرات أنا شخصيا نالني منهم لسعة و عمرى 11 سنة .. عندما تحركت ضمن مظاهرة تندد بالملك و الإنجليز في العباسية .
لم نكن نرى ضباطنا إلا علي ظهور الخيل أمام المحمل .. أو في إستعراضات الإحتفالات الملكية .. أو في أكشاك الموسيقي بالحدائق العامة ..لقد كانت لديهم فرق موسيقات نحاسية فائقة المهارة .. و الجمال .. و تأخذ جوائز في المسابقات العالمية .
المرة الأولي التي نعرف فيها أن جيشنا(المكون من ضباط و جنود مصريين ) يمكن أن يحارب كانت عام 1947 بعد 2470 سنة صمت و سكون و تجهيل. لخير أجناد الأرض .
حرب فلسطين الأولي لم تكن في صالح القوات العربية عموما .. و المصرية علي وجه الخصوص .. و عاد الضباط حزاني يقصون .. كيف أن أسلحتهم لم تسعفهم .. و قادتهم لم يكونوا مدربين ... و أن الجيش زج به .. في معركة لم يستعد لها .
بعد الهدنه .. .. و عدم تطور الأمور لصالح تحديث القوات و أسلحتها .. إنقلب ضباط 1936 .. علي الملك .. ليؤسسوا 1952 لحكم .. تكون فية أسلحة الجيش و تدريبة أولوية لا يقارن بها أى من الأولويات الأخرى
و حمل الشعب جيشة علي كتفه .. بقتطع اللقمة من فمة ليشترى بها رصاصة .. و يستدين ليشترى له طائرة أو دبابةو يسير عاريا ليكسي جندى .. و يقتسم ثروته و أمواله و جهده .. ليصبح له جيشا .. حقيقيا.
بعد إنقلاب العسكر علي الملك فاروق .. لم يعد الجيش ملكا للدولة .. لقد أصبحت الدولة و شعبها .. ملك للجيش نعيش تحت جناحية و في رعايته .... و تصرف شباب الضباط بعد أن حصلوا علي وظائفهم الجديدة .. كما لو كان كل منهم يدير عزبة أبوه شخصيا ..
يتخذ القرارات .. و يبيع .. و يشترى .. و يقسوة علي الشغيلة لكي ينتجوا .. و يمنح بمحسوبية المتسلقين .. والهتيفة و الملزقين معدومي الكفاءة الفرصة علي حساب من تخصصوا.
رايت هذا بعيني .. و سمعته بأذني .. عندما كان يتحدث والدى مع الضباط من ألأصدقاء أو الأقارب و المعارف .. لقد كان لديهم يقين غريب .. أنهم الأفضل و الأحكم و الأكثر قدرة علي إدارة الإنتاج خصوصا مع طرد الأجانب و تجريف أماكن العمل من الكفاءات و بعد إجراء مذابح التطهير مثل تلك التي حدثت بين القضاة و أساتذة الجامعات .. وأصحاب الأراضي ( الإقطاعيين ).. وأصحاب المصانع ( الرأسماليين) .. و كبار الضباط (اكثر من قائم مقام ) ..
من الفترة من يوليو 52 حتي مارس 54 كان الصراع لا يتوقف .. بين الضباط (الثوار ) حتي كادت القوات أن تعود لثكناتها .. و تترك الحكم للمدنيين ..فإستخدم البعض نقابات عمال النقل ليقوم أفرادها بإضرابات و مظاهرات تجمع حولها الشعب .. تنادى بسقوط الديموقراطية و إستمرار العسكر لإستكمال المسيرة .
وهكذا فرض الأباء الأوائل لجمهوريات العسكر علي الدولة و الشعب خطط ونظم فاشيستية نازية الملامح .. أصبحت بعد ذلك رغم إعوجاجها .. تراث العمل في أروقة و مصالح الحكومة وسمة الشارع السياسي .
الأسوأ علي الإطلاق كان التفرقة بين المواطنين علي أساس الدين .. فالضباط الأحرار لم يكن بينهم ضابط واحد مسيحي .. و كان أغلبهم من الذين يميلون لفكر الأخوان المسلمين ..
ولا يقل فظاعة ما طوروا به نظم التعليم لتصبح علي مقاس فكر الحكام فإنتهت بالتدهور تدريجيا حتي وصلنا اليوم لقوة .. التعليم الأزهرى و(السناترالخاصة ) التي تزيح المدارس من الساحة و تسوق (للحفظ بدلا من الفهم) .. و (النمطية بدلا من التنوع )... و (المحافظة كنقيض للإبداع ) .
مصر في ذلك الوقت كانت شديدة الضعف .. محتلة منذ 1882 وكوادرها الإدارية غير مكتملة أما الإقتصادية أو السياسية فقد كانت فردية أقرب للبدائية .. لقد كان بها أحزاب كرتونية ضاعت مع أول هبة .. و ميزانية متواضعة .. و حتي عدد السكان كان لا يزيد عن 18 مليون .. لذلك لم تحدث مقاومة تذكر لتغلغل نفوذ الضباط الملتحفين ببردة الوطنية (و أهو إبن بلدك أحسن من الغريب ).. فعاثوا فسادا في أسس نظام كان يمثل كلمة البداية .. لشعب يرجو بعد التحرر من الإستعمار.. أن يتخلص أيضا من أوزار الضعف و المسكنة التي فرضها المحتل عليهم
إنخفاض خبرة الضباط المنقلبون علي النظام الملكي المستقر من بدايات القرن التاسع عشر .. كانت واضحة للأعين الخبيرة .. لقد كان الضباط يتراوحون .. بين الديموقراطية و الإشتراكية .. و الديكتاتورية .. و إسلاميات الأخوان المسلمين .. و عنتريات صغار الضباط المغامرين ..
لذلك إلتف حولهم أعداد من الحاقدين علي حزب الوفد .. يصورون لهم أن ((الشرعية الثورية .. تجب الشرعية الدستورية )).. و تسمح لهم بكسر كل القوانين و الأعراف ..و إبتكارأساليب حكم ..تبتعد عن ديموقراطية الأحزاب الفاسدة ..
من هؤلاء المتسلقين .. أساتذه في القانون الدستورى ( في الان أتكلم لخالد محي الدين يذكر الأحداث بوضوح ) .. و يساريين ..وأخوان مسلمين ..علي رأسهم سيد قطب الذى كان المدني الوحيد المسموح له بحضور جلسات مجلس قيادة الثورة .. ثم إنقلبوا عليه و أعدموه .
أول دعوة لمساهمة الشعب في دفع مصاريف تسليح الجيش بعد يوليو 52.. أتذكرها جيدا ..عربة نقل لونها كاكي .. عليها ميكرفون .. و أغنية (( زود جيش أوطانك .. و إتبرع لسلاحة علشاني و علشانك بيضحي بأرواحة)) .. و كانت السيدات يسلمن الحلي الذهبي لضباط بملابسهم الميرى يجلسون في العربة .. و الرجال يرقصون بالعصي أمام الموكب .. و زاد بي الحماس لدرجة أن أعطيتهم الحصالة بكامل . ما فيها
عندما سألت عم محمد المنشاوى و كان واحدا منهم .. عن مصير التبرعات .. ضحك و قال.. راحت لصحاب نصيبها .. إنت عارف المدفع الهاوتزر تمنه كام غويشه و لا حصالة زى بتاعتك .
الشعب المصرى كان يتوق لأن يكون لدية جيشا حديثا .. مكونا من الأبناء و الأخوة .. مثل جيوش الحلفاء الظافرة.. له قيادات ذكية واعية .. يتحرك لصالح الوطن طبقا لخطط و أوامر السياسين .. يحمي و يدافع عن المصريين خصوصا أمام خمسين الف عسكرى إنجليزى يحتلون الضفة الغربية من قناة السويس.
و لكن ضباط يوليو الهواة ( عكس محترفين ) حرموهم من هذا الأمل و هذا الفخر .. بعد أن قرروا أن يصبح جيش مصر شبيه لجيوش المحور .. (المانيا و إيطاليا و اليابان ) .. نازيا فاشيستيا يفرض وصايته علي الشعب بالقوة و العنف و الأساليب البوليسية و الأرهاب ( عبد الناصر كان أول وزير داخلية في حكومات ما بعد الثورة ) .. يعيد تربيتهم و ترويضهم ..و ينفق ثروتهم .. و نقودهم علي مغامراته و سوء تقديرة .. و خبرته المحدودة التي تجعلة يقرأ تخته الرمل بصورة غير واقعية دائما .
العدوان الثلاثي علي بورسعيد .. كشف الحقائق للمدركين ،و كم كنا غير قادرين علي مواجهة.العدوان. وكيف تركوا في سيناء اسلحتهم التي دفع الشعب دم قلبه فيها
..ولكن سرعان ما أطلق عبد الحكيم عامر و رجاله غمامات و سحابات الدخان الكثيفة علي بصر و بصيرة المصريين .. بالحماس الزائف والأغاني الشوفونية الفارغة المحتوى .. و الحواديت الخرافية التي تجعل البعض يتصور (حتي الأن) بعد مرور ستة أو سبعة عقود .. أن المقاومة الشعبية التي قادتها عناصر من الجيش قد إنتصرت في بورسعيد علي إمبراطوريتين و تابعتهما إسرائيل .
عندما نتأمل تلك الفترة من 54 حتي 56 .. نجد أن ضباط جيش الملك المنقلبون علية خلال صراعهم معا قد فعلوا كل ما يمكن كي يحرموا الشعب من أن تكون له دولة ديموقراطية يتداول فيها السلطة بناء علي إرادة ( المصوتين ) في إنتخابات حرة.
ثم زادتهم أكاذيب الإنتصار المزيف عام 56 غلوا ليرفعوا رايات المنتصرين ..كما لو كان بولجانين و أيزنهاور لم يوقفا الغزاة
الدول التي عانت من إستعمار طويل المدى .. و أنهكت روحها وإنتهكت ثروتها .. و جرفت من النابهين .. إذا لم تسعي حثيثا في إتجاه الديموقراطية كما حدث في الهند و جنوب إفريقيا و إسرائيل و دول أوربا المطلة علي البحر الأبيض و جزرها ..فإنها ستسقط حتما بين يدى رجال جيشها محدودى المعرفة يزاولون نفس دور المستعمرفي القهر و النهب و الإستغلال .
الفترة من 56 إلي 67 كانت الزمن الوحيد الذى إستقلت فيه مصر في قرارها بعد إمتلاكها لقناة السويس و رحيل جنود الإحتلال .. و كانت خلال هذا العقد صاحبة الكلمة النهائية في شئونها الداخلية و الخارجية .. و مع ذلك كان أكثر عقود القرن الذى واجهت فية الهزائم و الإحباطات .
في 22 فبراير 1958 اعلنت الوحدة بين مصر و سوريا ..وفي عام 1960 تم توحيد برلماني البلدين في مجلس أمة واحد بالقاهرة وألغيت الوزارات الإقليمية لصالح وزارة موحدة .
وفي 28 سبتمبر 1961 أنهي إنقلاب عسكرى في دمشق الوحدة ...بعد مدة ثلاثة سنوات فقط إستطاع فيها رجال المشير عامر أن يتسببوا في جرح بين شعبي البلدين لم يندمل حتي اليوم..
لقد نقلوا المجتمع المصرى لهناك .. فمثل كابوسا و رعبا لم يتحمله تجار سوق الحميدية ...
ففي مصر كان من الطبيعي أن يتولي الجيش أمورا ملكية ( مدنية ) كمحاربة الإقطاع ( بدون تفويض بالطبع ) و يعتقل و ينكل و يؤذى المعارضين .. و يملأ السجن الحربي و المعتقلات ذات الصبغة العسكرية بالأخوان المسلمين و الشيوعيين جنبا إلي جنب مع تجار المخدرات فيلقي الأخارى خير معاملة .
وكانت المحاكمات العسكرية التي بدأت بإعدام (خميس و البقرى في كفر الدوار ) مستمرة و لها ضحايا يعدو بالعشرات .
و كان صلاح نصر و مخابراته يمثلون هاجسا مخيفا .. خصوصا للممثلات .. و كان من الممكن أن يرسل عبد الحكيم رجاله للعمل بدلا من سائقي الأتوبيسات المضربين .. لقد كان جوا عسكريا بوليسيا خانقا .. نقلته البعثة المصرية لدمشق لتنهار الوحدة .
في نهاية خمسينيات و بداية ستينيات القرن الماضي .. كنا فقراء .. و لكن لا نمد أيدينا طلبا للحسنة أو الهبة أو القروض و إعتمدنا علي إيراداتنا ..
و كان جيش الإستقبالات و الإحتفالات الذى بدأ تكوينه بجدية بعد معاهدة 36 .. لازال يعاني من عدم الخبرة و قلة السلاح .. و سيطرة أرستقراطية عسكرية مستجدة علي قيادته ..
و كان قد بدأ منذ سنين معدودة علي أصابع كف واحد إستلام معدات سوفيتية و معها عقيدة حرب شرقية .. و لم يكن الضباط و الجنود قد تدربوا بعد عليها ، كانوا يحفظون التكتيك و لا يفهمون كيفية توظيفة أثناء القتال ... لقد كان لدينا جيشا و لكنه ينقصة الكثير ليصبح صالحا للحرب (كايس) بدون (بروسس )أو (هارد وير)..فإلتفت للداخل يزاحم المدنيين في أنشطتهم ( خصوصا وزارة الخارجية و الإعلام ) .. و يضع رجاله في مراكز إتخاذ القرار ..و يقوم بالدور غير النظيف في عمليات الإعتقال و السجن و التعذيب و إهدار حقوق الإنسان .
ضباط يوليو جاءوا كإنعكاس للوضع الثقافي و الإجتماعي في خمسينيات القرن الماضي و ممثلين لكل شرائح الشعب ..
منهم من كان مثقفا قارئا مثل ثروت عكاشة .. و خالد محي الدين .. وجمال عبد الناصر ثم تلاهم كمال حسن علي .. و أمين هويدى ..
و منهم من كان شابا مغرورا بالسلطة .. و النفوذ غير متزنا محدود الإمكانيات مثل كمال الدين حسين و صلاح سالم و جمال سالم .. و منهم من أغراة سهولة الحصول علي المكاسب .. و يسرله الشيطان طرق الفساد فسار فيه للنهاية .. و هؤلاء كان عددهم كاف ليدمر كل خطط التنمية التي عاصرت تلك الفترة و الأفكار السامية الخاصة بتنمية المجتمع...
لذلك لم يكن غريبا أن يتعثروا عندما تحولوا لسياسين و حكام .
لم يمر عام علي الإنفصال مع سوريا حتي قام المشير السلال بثورة في اليمن 26 سبتمبر 62.. و كان علي مصر مداواة جرح فشل اول وحدة عربية بنجدة دولة عربية أخرى لترسل أعدادا متزايدة من الجنود غير المدربين علي قتال عصابات تحتمي بالجبال ..
و تزايد التورط حتي وصلت القوات حول عام 65 إلي 70000 جندى بعتادهم و أسلحتهم سوفيتية الصنع ..ينفق عليهم المصرى الكادح في الحقول و المصانع ... مقتطعا من لقمة عيشة و أمله في التنمية و الخروج من مخاضة ما بعد نهاية الإستعمار .
خلال الفترة من 62 إلي 70 تمكن رجال القبائل هناك الذين لا يشبعون من الجنيهات الذهب التي ترشيهم بها القوات من تكبيدها خسائر فادحة ..
و زادت حمولة نفقات القوات المسلحة علي كاهل ميزانية المصريين .. معدات ، سيارات ، قطع غيار ، ذخائر ، بدلات سفر .. وقود .. إعاشة بما في ذلك سجائر مجانية..ملابس .. مع تخريب الإقتصاد بفتح ابواب الجمارك علي مصراعيها للقادمين ببضائع الحديدة و صنعاء ..
و تفتحت شهية أفراد بالقوات المسلحة للثراء و الحياة الرخية و ساعدتهم الدولة بتقديم مميزات في السكن و الحصول علي تليفون .. و إيجاد وظائف للأقارب و مدارس للأبناء .. لقد ذاق المشاركون رحيق التمييز فلا زالت حلاوته في فمهم حتي 67
جيش ما بعد (1936 ) الذى أكمل بالكاد ربع قرن منذ تكوينه ..منها (20 ) سنة يتحكم فيه الإنجليز ..عندما ذهب ليخوض أول معاركة خارج حدوده
.. لم يكن الأمر في صالحه .. فهو قد إفتقد إلي عقيدة قتالية تم التدريب عليها و تجربتها و إعتياد العمل بها .. و لم يكن قد إكتسب بعد تلاحم و تعاون بين أفرع القوات المختلفة أثناء إدارة المعركة ( بمعني تنظيم التعاون أو معركة الأسلحة المشتركة ) .. ولا كفاءة في إستخدام المعدات الشرقية المستجده علية .
فإذا أضافنا لذلك أن أجزاء كثيرة من اليمن مكتوب عنها في خرائط الأمم المتحدة (غير صالحة لمعيشة البشر) لخطورة البيئة وكان علي القوات أن تعيش فيها تعاني من المناخ و التضاريس و إنتشار الأوبئة و الحشرات .. مع مواجهة عدو متمرس بفنون حرب العصابات و متمترس بالجبال ..
بالإضافة إلي عوامل وهن ذاتية حيث تصور البعض أنه في رحلة سياحية للتسوق وإنشغل عن تطوير أساليب القتال بمراكمة المكاسب و شراء البضائع ..
لفهمنا لماذا لم يسمح الموقف بتحقيق نصر سهل مبكر..كما تصور السادات عندما قدم تقريره لعبد الناصر بعد زيارته لليمن ولماذا عانت القوات من تفكك و تحلل ..وفقد القدرة والكفاءة اثرت علي جدية الأداء ..سواء في مستوى القيادة أو مستوى الجنود .. ظهر جليا في تعثر الجميع أثناء حرب الأيام الستة عام67
وضاعت أحلامك يا مصر في مستنقع اليمن .. ضحايا بالالاف و مرضي بأمراض منقرضة ( بعضها تناسلية ) ..و إستهلاك سلاح (غلبنا ) حتي حصلنا علية ..جرى تخريب أجزاء ليست قليلة منه .. و نفقات بدون عائد .. و نزيف مساعدات للقبائل لا يتوقف .. و كل هذا بسبب عدم قراءة الجنرالات محدودى الثقافة و العلم لتختة الرمل بصورة مناسبة.
في 5 يونيو 1967 إلتقي الجيشان المصرى و الإسرائيلي لثالث مرة .. و قامت حرب سريعة فقدت فيها مصر أغلب أسلحتها و طيرانها العسكرى ..و سيناء بالكامل .. و ربض العدو علي الضفة الشرقية لقناة السويس .. يسبح جنودة في مياهها دون قلق من البنادق الساكنة علي الضفة الغربية
الذى حدث في الحرب دونته في رواية بعنوان ((خطوات علي الأرض المحبوسة ..)) أودعت فيها كل حزني و اسفي و ما عاينت بنفسي و سمعت من الأخرين الذين كانت لهم ظروف مشابهه
حضرت هذه الحرب كضابط شاب( نقيب مهندس ) ضمن 100.000جندى في سبع فرق عسكرية ..منها أربع فرق مدرعة بها (950 دبابة و 1100 ناقلة جنود مدرعة و 1000 قطعة مدفعية ).
بمعني كانت قوات برية قادرة علي القتال .. و تحقيق إنتصارا .. رغم التفوق الجوى الإسرائيلي ..لو كانت متماسكة ، مدربة ، لها قيادة عاقلة بتفهم في الحرب و تقرأ تختة الرمل جيدا ..
إستشهد 15.000 ضابط و جندى أغلبهم غدرا. ..و أسر .5000 و عاد منسحبا افراد باقي القوات .. بدون سلاحهم.. و منها لواء دبابات ستالين ( المرعبة ) وجدوه بعد الحرب مخندقا .. و مغطي و مموه و لم يطلق طلقة واحدة... لتفقد مصر للمرة الثانية أغلب سلاح جيشها .. الذى إقتطع الشعب من قوته لسنين كي يدفع ثمنه
القوات الإسرائيلية علي الجبهه المصرية كانت ستة الوية مدرعة في ثلاث فرق معها حوالي 700 دبابة و لواء مشاة ميكانيكي و ثلاث الوية مظلات بمجموع 70.000 جندى أى أقل من القوات المصرية عددا و عتادا .
ولكنها كانت تتميز بأن من يقودها ضباط محترفين مدربين.. عرفوا كيف يوظفون إمكانياتهم . وإنتصروا بسهولة في الفترة من 5-9 يونيو .
و إحتاس عامر و زمرته بجيشه غير المدرب الذى ألقي به في سيناء .. منهكا بعد خمس سنوات مواجهة مع العصابات اليمنية .. ومن التنقلات غير المدروسة للقوات في الصحراء بأوامر عشوائية من قادة أتقنوا أى شيء عدا فنون القتال ..
لتنفجر البالون .. و نكتشف ..أن سيد درويش ضحك علينا عندما غني (( أحسن جيوش فى الأمم جيوشنا وقت الشدايد تعال شوفنا... ساعة مانلمح جيش الأعادي نهجم ولا اى شئ يحوشنا.))
مللت من الحديث عن 67 .. الهزيمة و الأسر .. لقد قلت خلال نصف القرن الماضي الكثير .. ومع ذلك لازلت أكررالحديث كلما وجدت أذان صاغية تستوعب أن الجنود الذين تم حشدهم في سيناء غدرت بهم قيادتهم (غير المدربة ) بسوء تقديرها للموقف و هروبها ...
و أنه لو لم يدمروا طيران عبد الحكيم عامر علي الأرض كنا سنلقي هزيمة مشابهه لأننا خاطرنا بجيش حديث العهد بالأمور العسكرية غير مدرب .. يقوده مجموعة من الفتوات المشغولين بقهر الشعب ومراكمة الأموال و مطاردة الحسان ..محدودى الخبرة و القدرات المهنية .. ليلاقي أخر يعرف قادته طبيعة الارض و المعركة .. و يوظف قدرات الخداع و المناورة لصالح تدمير الروح المعنوية للعدو و منعه من إستخدام قواته
و يبقي أن الضباط العظام أمثال الجمسي و كمال حسن علي ..عندما تكلموا عن الهزيمة لاموا إنشغال القوات المسلحة بأمورغير عسكرية ..سياسية و مدنية .. مما أثر علي كفاءة إستعدادها القتالي .. فلاقت الهزيمة .. و ها نحن نكرر أسباب الهزيمة .. دون أن نتعلم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقال يعتبر وثيقة سياسية
صلاح الدين محسن ( 2022 / 10 / 9 - 14:05 )
فالكاتب ضابط جيش . وليس أي ضابط , بل مثقف مستنير وأديب
لكن عبد الناصر , لا أري وضعه كقاريء ومثقف مع ثروت عكاشة وخالد محيي الدين
كمال حسن علي - تم ابعاده كرئيس للوزراء عقب مقال للدكتور رفعت السعيد - بعنوان : السيد كلام ( كلام ) حسن علي/ كان متحدثاً
كل الشرور والآثام التي حدثت لمصر ولشعبها منذ 23 يوليو 1952 . وحتي هذه الساعة . سببها جمال عبد الناصر ( كان كاريزما عارمة وشريرة ).. انه وراء أغلب الانقلابات العسكرية التي حدثت بالدول المعوربة وبافريقيا
نزق القدافي وتهافته الصبياني علي ما يسمي - وحدة عربية - أخذه من عبد الناصر .. الذي دار هنا وهناك يبحث عمن يعمل معه وحدة أو حتي اتحاد . عمل اتحاد مع اليمن , وخطط لقلب نظام الحكم بقيادة عبد الله السلال .. وصادق ادريس السنوسي جداً وخطط لقلب نظام الحكم الذي قاده القذافي , وصادق ملك المغرب محمد الخامس وعمل اتحاد مع المغرب .. ولكن لم يحالفه الحظ في قلب النظام , وكان وراء انقلاب جعفر النميري بالسودان . وأصابعه كانت وراء انقلابات في سوريا والعراق .. وفي افريقيا .. ملاً مصر والعديد من الدول , وأفسدها بالعسكرة والدكترة
تحياتي- مع الشكر


2 - تاريخ اسود
على سالم ( 2022 / 10 / 9 - 20:37 )
دائما وابدا نجد انفسنا نتذكر الاحداث السودا الكارثيه التى قصمت ظهر مصر واصبحت الدوله كيان مهترئ ضعيف بدون حول ولاقوه ولاكرامه , هؤلاء المجرمين الطغاه المحتالين الانجاس اللصوص (الضباط الاحرار ؟ ؟ ) كانوا فى الواقع شربه علقم مره وكارثه مروعه تحدث لمصر فى انقلاب يوليو الاغبر المشؤوم , مهم جدا ان نشخص الحاله بمصداقيه وشفافيه , هؤلاء الامعات السفله اتوا الينا من قاع المجتمع المصرى المنحط الدنئ ؟ الوجه العام لهم بشع ومقرف , كانوا نوعيات شريره انتهازيه تجيد الساديه والبطش والاجرام والعربده والانتهاك , كانوا يتميزوا بكميه حقد وكراهيه ومراره مروعه لاابناء شعبهم التعيس بهم نظرا لانهم كانوا مرضى نفسيين وعقليين وحقودين , هدفهم حقيقه كان هو السرقه والابتزاز والعربده فى المكان الاول ؟ نظام شلليه فاسد وقمئ ويدعو الى الحسره والاسف والبكاء ؟ كيف حدث هذا ؟ والى الان والشعب فى الدرك الاسفل لايعى ولايفهم ولايمييز , تجد نوعيات الشعب الفقيره فهما يطبلوا ويغنوا اغنيه تسلم الايادى للصوص المجرمين ؟ ؟ , المشكله فى مصر انها فقدت البوصله ولاتعرف الى اين هى ذاهبه


3 - الأستاذ صلاح الدين محسن
محمد حسين يونس ( 2022 / 10 / 10 - 04:34 )
أشكر مرور حضرتك .. و إضافتك ..عندما عاد الضباط من هزيمة 48 لم يدر بخلدهم أن الذى أعد الجيش و دربه لم يعدة للقتال ..بل للإحتفالات .. و حراسة الحدود ..و لم يتصوروا أن سبب الهزيمة هو عدم كفاءة القيادة و الضباط ..بل خدعوا أنفسهم بأنه الملك و نظام الحكم متعدد الأحزاب الذى يقوده الوفد .. لذلك كان همهم القضاء علي الطبقة الحاكمة بكاملها ( الملك ،الأحزاب، ملاك الأرض الزراعية و رجال الأعمال ) .. ما هو البديل بدأ كخليط بين فكر الأخوان المسلمين و حزب مصر الفتاة ( أحمد حسين ) .. و كلاهما فاشيستي ..يرى أن الديكتاتورية هي أفضل الوسائل للحكم .. ثم بالقومية العربية .. و نظام رأسمالية الدولة الستاليني .. هذه كانت الأفكار السائدة في ذلك الزمن ..و التي أغرت العديد من دول العالم الثالث المستقلة حديثا ( إفريقيا و أمريكا اللاتينية ) .. من أن تتبعها .. حتي هزم النظام في 67 فبدأ التراجع ..و السقوط في خية البنك الدولي الذى راى أن العسكر خير وسيلة جاهزة لنهب الشعوب و تدجبنها ..


4 - الأستاذ علي سالم
محمد حسين يونس ( 2022 / 10 / 10 - 04:43 )
أشكر مرور سيادتك و زفرة الحزن علي الفرصة التي ضاعت علي بلدنا بسبب حكم العسكر .. نعم (( المشكلة في مصر أنها فقدت البوصلة و لا تعرف إلي أين هي ذاهبة )) .. و البوصلة هي التعليم و الثقافة .. و كلاهما في أسوأ حال منذ أن فرض الضباط ضيق أفقهم و تسطحهم علي و سائل الإعلام و المدارس .. تحياتي