الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضرورة أن ننتقل من نقد يُكرِّر نفسه و مُوغل في السَّلبية إلى نقد يُنير طريق المستقبل

أحمد إدريس

2022 / 10 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


« لِنَنْطلق نحو مستقبل يَسعُ الجميع و يَسعَدُ فيه الجميع. » (فهمي هويدي، "تزييف الوعي"، 2005)

الأُمة معدِنُها أصيل نبيل و سوف تعود من جديد، و لكنْ بعد أن تُصحِّح الخلل الذي فيها و تستعيدَ ثقتها بنفسها، أُمةً تهدي و تقود إلى الخير و الحق، و تُسهم بجدارة في صناعة المستقبل و ترشيد مسيرة الحضارة الإنسانية… بالتأكيد نستطيع إعادة البوصلة إلى اتِّجاهها الصحيح بِهدف ترتيب أوضاعنا الحالِيَّة التي نعترف كلُّنا أنها سيئة، شريطة أن نبدأ دون تأخير بوقفة مع النفس فردياً و جماعياً و نكونَ فيها صادقين تماماً و في مُنتهى الصراحة. و أن نعترف بأنه لا غِنى لنا عن تجديد أساسي لفكرنا الديني الموروث. الأُمة التي لا تُراجع دَوْرِياً ذاتَها و الفكرَ الذي يَصدُر منه سلوكُها هي مُعرَّضة للتَّقهقُر المُستمِر إلى أن تُغادر مُعترك التاريخ، المحكوم بِالصِّراع و بالشَّد و الجذب، أو بما يُسمَّى بسُنَّة التدافُع في القرآن، الأمة التي لا تستفيد شيئاً من تجاربها مآلُها و مصيرها المحتوم هو أن تكون على الدَّوام مُجرَّد ألعوبة بأيدي صُنَّاع التاريخ : هي فعلاً أُمة تحكم على نفسها بالموت و لا مكان لها بَيْن الأُمم الجادة.

« الفِتن و البلايا مُنبِّهات و موقظات، تحمل الأُمم الحَيَّة على العودة إلى نفسها و القيام بمُراجعة مواريثها العلمية، و مواقفها العملية، و مسيرتها الحضارية بجدٍ و مِصداقيَّة. » (صالح بن عبد الله بن حميد)

في هذا الظرف الخطير الحرج و معضلاتٌ و قضايا بلا حصر تُعيق انطلاقنا نحو التحرُّر و التقدُّم و التحضُّر و تُثقل كاهلَ أمتنا، المطلوب منا جميعاً و بالأخص النُّخب قدر كاف بل عال من الشعور بالواجب و الإحساس بالمسؤولية و بالإنتماء إلى هذه الأمة. يتَعيَّن علينا تجاوُز الفكر المجرَّد و الأماني العريضة و تحويلُ ذلك كله إلى حالة فعَّالة و ديناميكية و حركة بِناء قَوِية. ذلك لإننا في كافة مجالات الحياة بحاجة قُصوى إلى انطلاقة جديدة قد نؤسِّس بها انطلاقة جديدة للحضارة الإنسانية نحو عالَم مُتزِن يهنأ فيه الجميع. لكنْ قبل ذلك لا بُد من رصد شامل للعيوب و النقائص، فنحن بحاجة لتمحيص دقيق لمفاهيمنا السائدة و قِيَمنا الرائجة التي تُمارس في الغالب دوراً مُضلِّلاً للكثيرين و تُسهم إلى حد كبير في تزييف وعي عموم الأمة، و النقدُ البنَّاء هو الخطوة الأولى على الطريق الصحيح : هو المصباح الذي ينير لنا الطريق. فنَقلُ أمتنا من وضعها الراهن إلى حالتها المَرجُوَّة يستحيل أن يتم من غير عملية نقد، نقوم به على أحسن وجه أي وَفْق قواعده و أصوله السليمة الصحيحة، هذه العملية تمنحنا رؤية واضحة واعية لحقيقة الأحوال و الأوضاع في كل الميادين…

« الذين يُمارسون النقد يَلقَوْن الكثير من المشكلات ؛ مِما دفع جُل الناس إلى إيثار الصمت، و تجاوَزَه بعضُهم إلى تزيين الخطأ و تلميعه، مِما جعل المشكلات تتراكم، و تُفرِّخ، و تصبح أشبهَ بأَوْبئة مستوطِنة. » (عبد الكريم بكار، "تجديد الوعي"، 2000)

إحدى البديهيات عند كل مَن لديه مُسكة عقل و حِس سليم أنَّ النقد وسيلة و ليس غاية كما صار يبدو مِن خلال مُمارسات بعض النُّقاد. فمُعظم ما يوجد الآن في هذا الصَّدد، هو فقط تَكرار يفتقد الرؤية الإيجابية. النقد الذي أعنيه و أنادي به، القرآن سمَّاه التواصي بالحق. نحن اليوم بعيدون عن التواصي بالحق الذي عاقبةُ تركِه و هجره هي الخُسران المُبين كما يؤكد القرآن. لا أمل على الإطلاق في مستقبل أفضل لأمتنا الضائعة الهائمة ما دُمنا مُواظبين و مُصممين على رفض التواصي الأخوي الهادِئ بالحق. لا بُد إذاً أن يصير التواصي بالحق عُنوانَ أمة لا تزال ترى نفسها بِجِد خير أمة على مستوى المعمورة بأكملها و إلى الأبد. النهوض بالحق عسير بلا شك لكِنَّ التواصي بالحق ضرورة. فالمستقبَل ينتظرنا. و العالَم يُنادينا. و التاريخ ينادينا : فلقد طال أكثر من اللازم غِيابُنا شِبه التام عن الفعل التاريخي، و أُمتنا هذه بقيت دهراً طويلاً على هامش الحضارة و التاريخ…

« من إسلامك : أن تكون دائماً على بصيرة فلا تخبط خَبْطَ عشواء ؛ و أن تجدِّد نفسك و تُقوِّم مسارك باستمرار ؛ و أن تُخلص النية و القصد، و تطلُب الحق و الصواب في كل فكر أو قول أو عمل. » (عصام العطار)

الأُمة اليوم هي في حالة تعيسة جداً و مُقرِفة للغاية أيضاً، وضعُها غير سار و هذا أقل ما يُمكن قوْلُه بهذا المضمار. و لكِنْ لا يجوز و ما يَصِحُّ و لا ينبغي لنا أبداً أن نستسلم لليأس و الإحباط و القنوط، علينا أن لا نغرق في بحار التشاؤم و أن ننظر للمستقبل بعيون الأمل رغم كل شيء : يقيناً الخير باق و مَوجود بِوَفرة في أمتي و بَيْن ظَهْرَانَيْهَا أفراد كُثر هم حقاً للعالَم رحمة، و أنا مُتفائل لِمُستقبَلِها و ما في قلبي أدنى ريب بأن فجرَ يقظتها و استِنارتها و استِعادةِ وعيها قادم، بل إنَّه على الرَّغم مِن تراكُم مآسيها و كُروبها و الأخطار المُحدِقة بأقطارها كافة يلوح في الأفق، لكِنْ ما لنا محيد عن إجراء بعض المُراجعات حتى لا نصير على أنفسِنا و كل العالَم نِقمة. و حتى تتمكن أمَّتُنا مِن استعادة هُوِيَّتِها و احتلال المكان اللاَّئق بها بَيْن الأنام، و لِترجع كما كانت فيما مضى حالة حضارية يُشار إليها في كل العالَم بِالبَنَانِ. سننتصر في معركة الحضارة و نُحبط جميعَ المؤامرات التي تُحاك ضِدنا داخلياً أو خارجياً، يوم يكون أبناء الأمة و بالخصوص نُخبُها على قدر عال من الوعي و الإحساس بالمسؤولية… في ثورة الوعي فقط خلاصُ الأرواح و الأجساد و الأوطان معاً و هذا الأمر مؤكَّد عندي. تحقيقُها على مُستوى الأفراد و المُؤسسات و مجموع الأمة ليس بالأمر الهيِّن، و لكنْ بدونها يقيناً سيظل نهوضُنا و إقلاعنا الحضاري مجرَّد حلم بعيد المنال.

« إن الوضعَ خطير، لكِنَّه لا يدعونا إلى اليأس مِن إصلاح ما نحن فيه. » (مالك بن نبي، "شروط النهضة"، 1949)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال




.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر


.. تعليق ساخر من باسم يوسف على تظاهرات الطلاب الغاضبة في الولاي




.. إسرائيل تقرر إدخال 70 ألف عامل فلسطيني عبر مرحلتين بعد عيد ا