الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موسم الهجرة نحو الجنوب

علي فضيل العربي

2022 / 10 / 13
المجتمع المدني


كان الأمر مجرّد نقاش مع صديق لي ، و نحن نتابع – عبر الشاشات الرقميّة و مواقع التواصل و الاتّصال - تطوّرات الحرب الروسيّة على أوكرانيا ، و تفاقم أزمة الطاقة في أوربا . و ما ستؤول إليه أوضاع المواطن الأوربي في فصل الشتاء . و بدا لنا ، أنّ هذه الحرب المجنونة ( المعفونة ) قد جاوزت الخطوط الحمراء ، و انتهكت المواثيق الأخلاقيّة و الأعراف الإنسانيّة ، و بدا لنا أنّها ماضيّة في حصد الأرواح البريئة ، و غير البريئة ، و تخريب العمران ، و ترويع الأطفال ، و حرمانهم من ممارسة ألعابهم المفضّلة في الحدائق العامة و الساحات و المنتزهات ، و أنّها لن تتوقّف في القريب العاجل ، و لن تمحى آثارها الكارثيّة سريعا .
- يا للهول ، قال صديقي المحبط من جنون هذا العصر الرقمي ، كأنّ الحرب ، تحوّلت إلى هواية أناس رعن و مجانين .
- أجل ، يا صديقي ، إنّه الجنون بعينه ، و الرعونة بقضّها و قضيضها .
كذلك قلت ، و أنا أحاول استحضار الكلمات المناسبة للتعبير عن عجبي قلقي و غضبي و حيرتي ممّا يحدث في قارة النهضة و العلم و التنوير .
ثم أردفت ، بعدما رمقت صديقي غارقا في نوبة صمت ، و قلت في دخيلتي :

ماذا لو فكّر المواطن الأوروبي في الهجرة نحو الجنوب ، بدلا من هجرة المواطن الجنوبي نحو أوروبا ، سرّا و علنا ؟ و نشاهد قوارب الهجرة السريّة نحو الشمال الإفريقي . لن تكون تلك الهجرة ( المحتملة ) بحثا عن العمل او الخبز ، أو فرارا من الاستبداد و البطالة ، فبلدانكم الغنيّة و اتّحادكم الموقّر، في غنى عن ذلك كلّه ، بل ستكون هجرتكم نحونا هجرة شتويّة ، بحثا عن الدفء ، و فرارا من جحافل البرد و الصقيع .
نحن أبناء الجنوب ، لن نرفض من يلجأ إلينا بسبب ضيم الإنسان لأخيه الإنسان ، أو قسوة الطبيعة . لن نردّ من استجار بنا . سنستقبلهم بصدور رحبة ، لاجئين ، لا غزاة كالأمس ، إلى أن يجمع الشتاء لوازمه و برحل .
أهلا بإخواننا الأوربيين الفارين من لسعات الشتاء القادم ، أهلا بهم ، ليقضوا عندنا فصل الشتاء ، سيّاحا آمنين ، مطمئنين ، مكرمين . فليدخلوا قارتنا أنّى شاءوا ، ومن أيّ مدخل شاءوا . ( ادخلوها آمنين ) . شتاؤنا دافئ ، قليل الصقيع ، رحيم ليلا و نهارا . بلداننا واسعة ، و قارتنا السمراء أوسع .
أهلا بكم في كنف شمسنا المشرقة ، الدافئة ، في ربوع صحرائنا الشاسعة . فليذهب الغاز القادم من الشرق . تبّا له . و تبّا للحرب المندلعة .
لنتّفق على أنّ كوكبنا واحد في السرّاء و الضرّاء . نحن شركاء في الماء و الهواء و الغذاء و الغاز . لن نقبل أن تموتوا تحت جحيم الصقيع ، و لن يرتاح لنا بال ، حتى نقتسم الدفء . نحن – في الجنوب – نحبكم ، يا أهل الشمال حبّا إنسانيّا طاهرا ، خاليا من الأطماع و المصالح .

إخواني الأوربيين ، لا تنسوا ، أنّنا في إفريقيا ، أي في الجنوب - الذي مازال يئنّ من لسعات غزوكم القديم و طمعكم الجديد ، و من سوط الجوع و المرض و الجهل و النهب و الاستبداد ، و ضربات الإرهاب المادي و المعنوي – مازلنا على الفطرة . نغفر الذنب لمن أساء إلينا قولا و فعلا . نصفح عن أولئك الذين ساقوا آباءنا و أجدادنا مقيّدي الأيدي ، و مغلولي الأرجل ، و حشروهم في بواخر و سفن ، و اجتازا بهم البحار و المحيطات ، و رموهم عبيدا في مزارع القطن ، و مناجم الفحم ..
نحن أكثر الشعوب تسامحا مع من كانوا – و ربّما مازالوا – أعداء لنا في السرّ و العلن .
لن نترككم عرضة لقسوة الشتاء الصقيعي . سنمنحكم قسطا من الدفء . لا يهم ، إن بردنا ، فنحن ، قد تعوّدنا على فصول القرّ و الحرّ ، صغارا و كبارا . نحن السمر ، أبناء الشمس ، و خلاّن البرد . ولدنا و نشأنا و هرمنا في بيئة العسر و الفاقة .
لا تنسوا أنّكم ، كنتم فيما مضى غزاة لنا . كنتم الأسياد ، و كنّا الخدم و العبيد ، أنتم المسؤولون عمّا نحن فيه من تخلّف و جوع و مرض و أميّة و أزمات ، لا تكاد تنتهي . ورغم كثرة سوآتكم ، و تاريخكم الأسود نحونا ، فلن نترككم تواجهون موجات البرد القارس بمفردكم .
و فجأة أيقظني صديقي من عالم الأحلام و الأماني ، و هو يردّد :
- ما بالك صامتا ، يا صديقي ، و كأنّ ابتلعت لسانك ، أو فرّ منك ؟
- كنت أفكّر في أمر جلل .
- و ما هو؟
- أزمة الطاقة في أوربا . سيقتل برد الشتاء المقبل و صقيعه إخواننا الأوربيين .
- هل عندك حلّ أو حلول لها ؟
- أجل ّ ، ماذا لو فكّر الأوربيّون في هجرة جنوبيّة نحونا ، هذا الشتاء ؟
- فكرة ممتازة ، يا صديقي ، أهلا و سهلا بهم . سنمنحهم الدفء ، و الودّ و الأمن و الطمأنينة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأونروا تحذر من استمرار توقف دخول المساعدات من معبر رفح


.. تونس...منظمة مناهضة التعذيب تحذر من تدهور الوضع الصحي داخل ا




.. الأونروا مصممة على البقاء..والوضع أصبح كارثي بعد غلق معبر رف


.. كلمة أخيرة - الأونروا: رفح أصبحت مخيمات.. والفلسطينيين نزحوا




.. العضوية الكاملة.. آمال فلسطين معقودة على جمعية الأمم المتحدة