الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرآن محاولة لقراءة مغايرة 113

ضياء الشكرجي

2022 / 10 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


القرآن محاولة لقراءة مغايرة ١١٣
وَما كانَ لِنَفسٍ أَن تَموتَ إِلّا بِإِذنِ الله كِتابًا مُّؤَجَّلًا وَّمَن يُّرِد ثَوابَ الدُّنيا نُؤتِهِ مِنها وَمَن يُّرِد ثَوابَ الآخِرَةِ نُؤتِهِ مِنها وَسَنَجزِي الشّاكِرينَ (١٤٥)
أن يكون موعد موت أي إنسان معلوما عند الله مسبقا، فهذا أمر طبيعي، إذا ما آمنا به بوصفه واجب الوجود أو ضروري الكؤون، فعندها تكون صفاته مطلقة، بما في ذلك علمه. ولكن هل ثبوت أجل كل إنسان فيما أسمته الآية بالكتاب المؤجل، يعني إن الله لم يكن فقط عالما بموعد وكيفية موت كل إنسان، بل إن ذلك يمثل إرادته، وهذا ما تعبر عنه عبارة الكتاب المؤجل، إذا فهمنا الكتاب أن الله كتب ذلك على كل إنسان، أي قضى وقدر وأراد؟ أم هل تعني مفردة الكتاب هو السجل الذي سجل فيه كل شيء، وبلا شك عندها لا يكون للسجل وجود حقيقي، بل هو معنى مجازي يعني ما هو محفوط في علم الله من حوادث، جرت أو ستجري. وهذا الموضوع يجرنا إلى البحث الفلسفي ما إذا كان الإنسان مجبرا، أم مختارا، أم هو أمر بين أمرين. والآية تقسم الناس إلى قسمين بقول «مَن يُّرِد ثَوابَ الدُّنيا نُؤتِهِ مِنها وَمَن يُّرِد ثَوابَ الآخِرَةِ نُؤتِهِ مِنها»، مما جعل أكثر المفسرين وعلماء الكلام المسلمين يرون إن فاعل الخير الذي لا يفعله في سبيل الله، فهو يأخذ جزاءه في الدنيا، إن أراد مالا أو شهرة أو مديحا، فيعطى من أي مما أراده في عمله، ولا حصة له من ثواب الحياة الأخرى. وهذا يدل على سذاجة في فهم العدل الإلهي، ففاعلو الخير لا يجب أن يكونوا على نحوين اثنين لا ثالث لهما، إما أن يريدوا ثواب الدنيا وإما أن يريدوا ثواب الآخرة، بل هناك من يفعل الخير بسبب حبه لفعل الخير، ولما يتحلى به من نزعة إنسانية، ولا يجب بالضرورة أن يفعل ذلك من أجل مال أو شهرة أو مديح، حتى لو فرح بذلك إذا نال شيئا منه، ولكن دون أن يكون ذلك غايته من البداية في فعل الخير، فإن الله حسب لاهوت التنزيه إنما يثيب بإحسانه المحسنين سواء آمنوا به أو لم يكونوا مؤمنين.
وَكَأَيٍّ مِّن نَّبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبّيونَ كَثيرٌ فَما وَهَنوا لِما أَصابَهُم في سَبيلِ اللهِ وَما ضَعُفوا وَمَا استَكانوا وَاللهُ يُحِبُّ الصّابِرينَ (١٤٦)
وتعود هذه الآية بنا إلى (القتال في سبيل الله)، ويجعل موضوع القتال ملازما لكل الأنبياء، ومن معهم من رِبِّيّين أو رِبّيئين، والرِبّيء على وزن فِعّيل هو الرباني شديد العلاقة وشديد الإيمان بربه، ونعلم إن وزن فِعّيل هو أعلى درجات صيغ المبالغة، وأمثال ذلك صِدّيق، شِرّيب، سِكّير، قِرّيء، وإلى غير ذلك. عجيبة صورة الله في القرآن، كم يحب القتال والدماء والموت لعباده، كما إن رب موسى كان يحب رائحة الشواء. نعم إن الذين يناضلون من أجل قضية حق، كنصرة المظلومين، أو مقاومة الظالمين، فعظيم شأن أولئك الذين يوصفون هنا «ما وَهَنوا لِما أَصابَهُم في سَبيلِ اللهِ [أي في سبيل قضية عادلة] وَما ضَعُفوا وَمَا استَكانوا»، وفعلا يستحقون عندها أن ينالوا حب الله وثوابه «وَاللهُ يُحِبُّ الصّابِرينَ»، حتى لو كانوا ملحدين، طالما كان نضالهم وتضحيتهم من أجل قضية عادلة، فليس القتال بسبب العقيدة ما يحبه الله للناس.
وَما كانَ قَولَهُم إِلّا أَن قالوا رَبَّنَا اغفِر لَنا ذُنوبَنا وَإِسرافَنا في أَمرِنا وَثَبِّت أَقدامَنا وَانصُرنا عَلَى القَومِ الكافِرينَ (١٤٧)
ولسان حال هؤلاء الرِبّيّون المقاتلون مع الأنبياء أن يدعوا بهذا الدعاء، وكم كان الدعاء سيكون جميلا لو جعل «رَبَّنَا اغفِر لَنا ذُنوبَنا وَإِسرافَنا في أَمرِنا وَثَبِّت أَقدامَنا وَانصُرنا عَلَى القَومِ الظّالِمينَ» بدلا من «الكافِرينَ».
فَآتاهُمُ اللهُ ثَوابَ الدُّنيا وَحُسنَ ثَوابِ الآخِرَةِ وَاللهُ يُحِبُّ المُحسِنينَ (١٤٨)
نعم بكل تأكيد إن الله يحب المحسنين، لكن بدون أن يشرط إحسانهم بالإيمان به أو باعتناق دين دون غيره، كما يذهب إليه الإسلام وأغلب الأديان لاسيما الإبراهيمية.
يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا إِن تُطيعُوا الَّذينَ كَفَروا يَرُدّوكُم عَلى أَعقابِكُم فَتَنقَلِبوا خاسِرينَ (١٤٩) بَلِ اللهُ مَولاكُم وَهُوَ خَيرُ النّاصِرينَ (١٥٠)
«الَّذينَ كَفَروا» في القرآن لا تعني كما ثبت من خلال تفسير القرآن بالقرآن، أو التفسير الموضوعي، كما يسميه البعض، إلا غير المسلمين. وإذا سلمنا بوجود متعصبين وعدوانيين من غير المسلمين زمن ظهور الدعوة الإسلامية في شبه الجزيرة العربية، فلا يمكن أن يخلو الأمر من أن يكون منهم العقلاء والمسالمين، بل حتى المؤمنين بالله من غير المؤمنين بدين ما، أو حتى من المسيحيين واليهود أو حتى الوثنيين، ولعل من هؤلاء من بقي على علاقة ود مع بعض الذين اقتنعوا بالدين الجديد واقتنعوه، وبالتالي من الطبيعي أن تجري بين من بقيت بينهم صداقات رغم الاختلاف بالعقيدة حوارات، تطرح فيها الأسئلة حول الدين الجديد ومؤسسه، لأنه كدين جديد لا بد أن يكون حديث الساعة في وقته أينما حصل لقاء وجرى تبادل أطراف الحديث، ولا يبعد إن بعض المسلمين بدأوا يتأثرون بحجج غير المسلمين، ومن هنا جاءت هذه الآية لتحذر المسلمين من أن ينقادوا لهؤلاء ويتأثروا بهم ويقتنعوا بحججهم، مما يختزن خطر الارتداد عن الإسلام، لأن الارتداد إذا بدأ كحالات مفردة، وجرى التغاضي عنه، يمكن أن يتحول ذلك إلى ظاهرة، تتسع يوما بعد يوم، فتهدد الدين الجديد وتطلعات مؤسسه وأتباعه من الذين ترسخ إيمانهم أو من أولئك الذين رأوا فيه وسيلة تكوين أمة عربية جديدة متماسكة بحكم التفافها على دين ورسول وكتاب وشريعة، وكانوا يتطلعون إلى تسيُّد هذه الأمة على الأمم الأخرى، والذي تضيع فرصته، إذا ما تفرقوا عن الدين الجديد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي




.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال


.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر




.. تعليق ساخر من باسم يوسف على تظاهرات الطلاب الغاضبة في الولاي