الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عنتر بن شداد الوهراني الذي هزم جيشا من ألف رجل لوحده !

مصطفى صامت

2022 / 10 / 13
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


لا ريب أن المسؤولين الذين إختاروا إسم عنتر بن شداد لميدان الفروسية بوهران (غرب الجزائر) يجهلون أن بن شداد هذا وكل ابطال الشعر الجاهلي مجرد شخصيات اسطورية تم التراث الحكواتي القصصي مثلها مثل شخصية جحا وعلي بابا ، لا دليل تاريخي وعقلي على وجودها ولا على صحة تفاصيل أحداثها، فقد اختلقها العرب المسلمين في سياق الصراع على السلطة بين القبائل العربية في اواخر العهد الأموي حيث سادت العصبية القبلية. و كانت كل قبيلة تتباها بتاريخها الجاهلي لتثبت احقيتها في قيادة وسيادة المسلمين .

وعميد اللغة العربية طه حسين في كتابه "تاريخ الشعر الجاهلي" أكد فيه أن ما سمي بالشعر الجاهلي مجرد شعر منحول في جله او كله، وأنه ظهر في العهد الاسلامي ونسب للجاهلية، ودليله على ذلك هو أن ذلك الشعر كتب بعربية تطورت بعد الاسلام ولم تكن تعبر عن عربية القبائل العربية (عدنان وقحطان) المختلفة في اللسان، والتي ينحدر منها الشعراء الذين نسبت إليهم تلك المعلقات ، كما أن شعرهم لا تظهر فيه اي عبادة للأوثان التي سادت حقبة الجاهلية .

و لأن التاريخ اليوم أصبح علم قائم بذاته، له أصوله وقواعده ويخضع للفحص والتمحيص كما تخضع بقية العلوم التطبيقية والنظرية. وليس مجرد روايات شفوية يغلب عليها الجانب الأسطوري كما كان سابقا ، فإن حكاية المعلقات السبع التي درسناها في مدارسنا والتي قيل لنا أنها كانت تعلق على جدران الكعبة وأنها كانت تكتب بماء الذهب بما فيها قصص أبطالها، ومنهم عنتر العبسي، الذي هزم جيشا من ألف رجل لوحده، وفك عنه قيدا من الحديد ... ! لا يمكن للمنهح التاريخي هضمها دون أن يتسائل فيه الباحث عن السبب الذي جعل العرب يتخلفون عن كتابة القرآن بماء الذهب كما فعلوه مع المعلقات في الجاهلية وهم الذين غزوا عوالم الدنيا في سبيل نشر القرآن الذي كتبوه بمداد الصمغ على عظام أكتاف الإبل و على سعف النخيل لأنهم لم يعرفوا الكتابة على الورق وجلد المعز حينها؟
فكم عظم إحتاج إليه العرب لكتابة معلقات عنتر بن شداد فقط، و التي قيل إنها احتوت على 79 بيت ؟ الأمر كان سيحتاج إلى تغطية كل الكعبة بالأكتاف البعير فلما لم نسمع أنها كانت بيضاء من لون العظام ولا كان قد عرف عنها أنها كعبة العظام ؟

ثم بأي عربية كتبت ونحن لم نسمع عن وقوع إختلاف في قراءاتها في حين أن الصحابة قد إختلفوا فيما بينهم على الحرف الذي نزلت به آية وكان نبي الإسلام بينهم حتى أنه تدخل لفك الخلاف بالقول لهم أن كِلتَي القراءتين صحيحتان؟

وأكثر من هذا كله، من كتب تلك المعلقات و ماهي الكتابة التي كتبت بها ونحن نعلم من خلال مؤرخي العرب أن عدد الرجال العارفين بالكتابة والقراءة حينها كان يُعد على الاصابع، ولأن معرفة الكتابة حينها كانت بمثابة علماء نوبل اليوم، فقد وصلتنا أسماء المتمكنين من الكتاب في فجر الاسلام، حيث جاء في كتاب صبح الأعشى في صناعة الإنشا لأبو العباس القلقشندي، ط 1922، ج 3، ص 15: "وذكر أهل الأخبار أن قوماً من أهل يثرب من الأوس والخزرج، كانوا يكتبون ويقرؤون عند ظهور الإسلام، ذكروا فيهم: سعد بن زرارة، والمنذر بن عمرو، وأُبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وكان يكتب بالكتابات العربية والعبرية والسريانية، ورافع بن مالك، وأسيد بن حُضير، ومعن بن عدي البلوي، وأبو عبس بن كثير، وأوس بن خولى، وبشير بن سعيد، وسعد بن عبادة، والربيع بن زياد العبسي، وعبد الرحمن بن جبر، وعبدالله بن أُبي، وسعد بن الربيع؛ وقد أرجعوا أصل علم هؤلاء إلى قوم من يهود يثرب، مارسوا تعليم الصبيان القراءة والكتابة، دعوهم (بني ماسكة)" .

فاذا كان العرب قد حفظوا أسماء هاته النخبة فهذا لأهمية الحدث، أما ما يهمنا أكثر في هذه الجزئية فهو أنهم من مدينة يثرب التي تعتبر حاضرة مقارنة بمكة (أم القرى) وكان عندهم 15 رجلا وأنهم تعلمموا الكتابة عن اليهود الذين لم نسمع بهم بمكة عكس يثرب ،
فاذا كان عدد المتمكنين من الكتابة والقراءة بثرب التي كانت من الحواضر هو 15 رجل فقط فكم كان عدد العارفين بالكتابة والقراءة في قبيلة قريش ؟ وما العرض من تعليق هذه المعلقات بماء الذهب لشعب لا يقرأ؟

وبالعودة الى سؤال نوع الكتابة التي دونت بها المعلقات فمن المعلوم تاريخيا أنه لم يعثر حتى الآن عن اي مخطوطة بالكتابة بالعربية في جزيرة العرب قبل الاسلام ، بل عثروا على نقوش صخرية بها مقاطع صغيرة لكتابات أطلقوا عليها الكتابات العربية لعثورهم عليها في ارض العرب ، أما الكتابة العربية الحالية فقد تطورت بعد الاسلام بالاستعانة على الكتابة السريانية والآرامية وقد اخذت وقتا طويلا لتتطور الى ما هي عليه اليوم، فحتى القرآن الذي كان اول كتاب يكتب بالعربية، كتب في الأول بدون النقاط وعلامات التنوين وحروف العلة vowels ، حيث ادخل اليها أبو الأسود الدؤلي المتوفي عام 69 هجرية الهمزة. و النقاط كانت من اختراع ناصر بن عاصم الليثي المتوفي عام 100 هجرية. والنحو وعلامات التنوين (الفتحة والضمة والكسرة) أدخلها الخليل بن أحمد الفراهيدي المتوفي عام 170 هجرية.

لا حرج اذا أن تأخذ المرافق العمومية أسماء أجنبية اذا كانت قد خدمت تاريخ تلك الدولة او الانسانية، غير أن تكون لك دولة تاريخها كلها أسماء لفرسان وأبطال خالدون ولا تجد الا عنتر العبسي رمزا فذاك إهانة وآية من آيات الاستلاب الهوياتي التي صنعت لنا شعب بأكمله يفكر بتفكير دولة أجنبية ويحارب في الشخصيات التاريخية المحلية بحجة أنها من تاريخ ما قبل الاسلام او لحجج واهية ثم يأتي لك بشخصيات اسطورية من جاهلية العرب لا علاقة لها بأرضنا وتاريخنا ليفتخر بها !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قطر تلوح بإغلاق مكاتب حماس في الدوحة.. وتراجع دورها في وساطة


.. الاحتجاجات في الجامعات الأميركية على حرب غزة.. التظاهرات تنت




.. مسيرة في تل أبيب تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو وعقد صفقة تبادل


.. السيناتور ساندرز: حان الوقت لإعادة التفكير في قرار دعم أمريك




.. النزوح السوري في لبنان.. تشكيك بهدف المساعدات الأوروبية| #ال