الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلمانية | هل تُعادي الدين أم مستغلّي الدين!؟

راكان علي
Adel Ahmed

2022 / 10 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الوعي بضرورة الفصل بين الدين باعتباره شأنا شخصيا وتجربة روحانية خاصة، وبين الشأن العام باعتباره ليس حكرا على دينٍ أو فكرٍ أو توجّهٍ معيّن، هو الذي لا زال معظم الإسلاميين -قديما وحديثا- يجهلونه أو يتجاهلونه..
ومن المفارقات العجيبة أن الدول التي يكرهها الإسلاميون لأنها تقوم على ذلك الوعي المفقود لديهم، هي ذاتها التي يلجأ إليها اليوم كل الإسلاميين حول العالم ليمارسوا هوايتهم المفضلة في محاربة كل علماني -حتى لو كان مسلما- والتحذير منه ومن أي تجربة مشابهة لتلك الدول في عالمينا العربي والإسلامي الغارقين في وحول ومستنقعات الصراعات الدينية والطائفية بل وحتى المذهبية داخل الدين الواحد.

يدعو الإسلاميون -باستمرار- لدولٍ تُطبّق دينهم وشريعتهم الموروثة، فإذا ما طُبّقت وعُمِل بها تجدهم أول الناس هربا من دولهم التي طبّقت دينهم وشريعتهم لتلك الدول التي فصلت بين الدين وشؤون الناس العامة. أمر في غاية الخسّة والدناءة يعيشهُ الإسلاميون حينما يحيون في أمان ونعيم وحرية وكرامة في ظل الدول العلمانية ثم يرفضون أن يعيش غيرهم ذلك النعيم وتلك الكرامة والحرية التي هي ثمرة القيم العلمانية والديموقراطية، بل ويصرّون على دعوتهم للدولة الإسلامية -التي هربوا منها ومن قوانينها- رافعين شعارهم المعروف المشؤوم: "الإسلام هو الحل"، ولا ندري هو حلٌ لماذا بالضبط؟! المهم أنه هو الحل.. وذلك يكفي بالنسبة لهم!

إن أي دينٍ يحاول مُعتنقيه إقحامهُ في شؤون الناس العامة وفرضه كمصدر للتشريع والحكم وإدارة الشؤون العامة ومصالح الناس مآله -لا محالة- أن يكفر الناس به ويلعنوه، بل ويصبح رمزا للتسلّط والطغيان لدى من طُبّق وسُلِّط عليهم. وخذ مثالا واضحا: إيران؛ فبعد عقود من فرض الدين ورموزه الموروثة على الشعب الإيراني، وبعد أن قُتل عشرات الآلف باسم ذلك الإسلام وذلك الموروث وآخرهم مقتل الشابة مهسا أميني على يد شرطة الأخلاق الدينية في طهران، ثار الشعب أخيرا بقيادة النساء اللاتي ضقن ذرعا بذلك الوضع المهين الذي جاء نتيجة استغلال الملالي والسياسيين الانتهازيين للدين عقودا طويلة من الزمن. شاهدنا كيف أحرقن الرمز الأهم لدى كل الإسلاميين حول العالم "رمز الحجاب" وكيف صار إحراقه دلالة ثورةٍ وتمرّدٍ على الوضع القائم، الوضع الذي قام واستمر كل تلك العقود على الدين من خلال فرضه على الناس في الحكم والإدارة والتشريع وكل شؤون حياتهم.

ونفس الأمر موجود فيما يُسمى بـ"السعودية" التي نشأت أساسا ومنذ بداياتها الأولى، بتحالف بين محمد بن سعود رجل السياسة ومحمد بن عبدالوهاب رجل الدين. واستمرت "السعودية" في حلفها الديني-السياسي ذاك إلى هذا اليوم مع اختلافاتٍ في صور ذلك الحلف ورموزه عبر تلك الأزمنة الطويلة. وسوف يجري على السعودية ما جرى على إيران، بل وأشد، سيؤول بها استغلالها للدين كل تلك الأزمان -الماضية والحاضرة- إلى الانهيار التامّ على أيدي الأجيال التي ستعي عاجلا أم آجلا حقيقة الظلم والقهر الذي مارسه آل سعود عقودا طويلة ومريرة من الزمن باسم الدين والشريعة والموروث.
كما تجدر الإشارة هنا إلى حماقة و "حمارة" الإسلاميين الذين يظنون السعودية دولةً علمانيةً! وظنهم ذاك ليس إلا دلالة واضحة على مستوى وعيهم المُشوّه والمُزيّف، فقد ظنوا من خلال ما شاهدوه من حفلات غنائية وتفاهاتٍ ترفيهية، أن المهلكة قد صارت "دولةً علمانيةً" وصاروا يُسمّون كل من يؤيد بن سلمان وحفلاته وتفاهاته تلك بـ"العلماني" في مشهد يُظهر مدى تخلّف وجهل مُعظم -إن لم يكن كل- الإسلاميين بمفهوم العلمانية وقيمها الجوهرية.

إن العلمانية لمن لا زال يجهلها: هي مُجرّد وسيلة لتنظيم حياة البشر من خلال فصل الشأن الروحي الأخروي الخاص عن الشؤون الدنيوية العامة، وليست العلمانية كما يقول عنها أعداؤها "عقيدة أو دينا جديدا". العلمانية تأخذ مسافة واحدة من جميع الأديان والطوائف والمذاهب، هي وسيلة لتجنّب الصراع بين كل تلك العقائد، وإحلال السلام بينها وبين معتنقيها عبر فصلها عن إدارة شؤون الناس ومصالحهم.

ومن يعيش في بلاد الغرب سيجد كثيرا من أولئك الذين صدّعوا رؤوسنا بوجوب رفض العلمانية والكفر بدعاتها وزندقتهم، بل وتكفيرهم واستباحة دمائهم وأنفسهم، سيجد أن أولئك الانتهازيين الإسلاميين يُفضّلون الموت في دولة علمانية على الحياة ولو للحظةٍ واحدة في دولة تتبنّى الشريعة الإسلامية.

أُريد أن أقول؛ الدين عبارة عن تجربة روحانية خاصة بين الإنسان وخالقه، وتلك التجربة يستحيل أن تكون ذاتها عند كل البشر؛ فكل إنسان وله تجربته الخاصة وعلاقته الخاصة وتصوّره ورؤيته الخاصة للدين ورب الدين. إذن، الدين باعتباره تجربة روحانية خاصة، ينبغي ألا تخرج عن إطارها الأساسي المتمثّل بالمخلوق وخالقه، فإن خرجت عن ذلك الإطار؛ لم تعد تجربة روحانية ولم يعد لها أي علاقة بالدين لا من قريب ولا من بعيد. تصبح أيدولوجيا أو دعوة سياسية، تُضحي أي شيء آخر غير الدين.

ومن المؤسف أن مُعظم الإسلاميين الذين يعتبرون أنفسهم مسلمين، هم أبعد الناس عن جوهر الدين ومعناه الحقيقي. ولن تجد أحدا في العالم كله قد شوّه الإسلام مثلما فعل دُعاته وحُرّاسه الانتهازيين..

لقد شوّهوا الدين وأفرغوه من محتواه الروحاني الراقي وجعلوه مُجرّد أداةٍ سياسيةٍ يركبونها لتحقيق غاياتهم وطموحاتهم الآنيّة والأنانية، لقد جعلوا أجيالا بأكملها تكره الدين وكل ما يتعلّق بالدين، ثم رموا بمسؤولية ذلك على الغرب "الكافر" والعلمانيين "الزنادقة".

الدين تجربة روحانية في قمة الرقي والسمو والجمال إذا ما بقيت في إطارها الأصيل بطرفيه؛ الإنسان وخالق الإنسان -جل وعلا-. ففي إبقاء الدين في ذلك الإطار الأصيل حفظٌ له ولمكانته وقداسته، وحمايةً له -وذلك الأهم- من شرور المستغلّين الانتهازيين الذين يُسمَّون بـ"الإسلاميين".
الواقع يقول لنا باستمرار: أن العلماني "الزنديق" أكثر حرصا واحتراما للدين من أولئك الإسلاميين المتبجّحين بحماية الدين وحراسته من أيدي المخربين والعابثين، ويا ليتهم يُدركون أنه لم يُشوّه الدين ويدنّس رقيّه وجماله أحد في العالم مثلهم هم..
الدين سيكون بخير وصون عندما نحترم مكانه الطبيعي وإطاره الأصيل المتمثّل بـ (الخالق والمخلوق)، وبذلك نحفظ للدين مكانته وقداسته ونخلّص الناس من هواة تشويهه واستغلاله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بابا الفاتيكان فرانسيس يصل لمدينة البندقية على متن قارب


.. بناه النبي محمد عليه الصلاة والسلام بيديه الشريفتين




.. متظاهر بريطاني: شباب اليهود يدركون أن ما تفعله إسرائيل عمل إ


.. كنيسة السيدة الا?فريقية بالجزاي?ر تحتضن فعاليات اليوم المسيح




.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا