الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


منتهى الأطرش، سلامًا على روحك الطاهرة.. صوتك راسخ في ذاكرة السوريين

أدهم مسعود القاق

2022 / 10 / 17
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


منتهى الأطرش، سلامًا على روحك الطاهرة..
صوتك راسخ في ذاكرة السوريين
ودّعت ثورة الربيع العربيّ في سوريا منتهى الأطرش (1938-2022)، التي ولدت في بلدة القريا، السويداء، وهي الابنة الصغرى لقائد الثورة السورية الكبرى عام 1925 سلطان الأطرش، التي انطلقت لمواجهة الاحتلال الفرنسيّ.. نشأت الفقيدة في قريتها وأكملت دراستها الثانوية في مدارس مدينتها.
درست الإعلام في جامعة القاهرة، وتخرّجت فيها 1967، عادت إلى الوطن وعملت في وكالة سانا، ثمّ نُقلت منها تعسّفًا بعد أن جاهرت بموقفها المعارض للأسد ونظامه، الذي أذعن للصهيوينة، وتحالف مع الإمبريالية الأمريكية في حربها على العراق الشقيق، إذ ذكر شهود عيان أنّها خلعت صور الأسد عن جدران مكان عملها ورمتها على الأرض، مزّقتها وداست عليها، وهي تعلن رفضها لنظام البعث الأسدي الذي لم يعرف سوى قهر الشعب وإفقاره وتجهيله، والتآمر لضرب القوى الوطنية في لبنان والمقاومة الفلسطينية، والمشاركة في تدمير العراق – الشعب والوطن والأرض والثروة.
تتالت مواقف منتهى الأطرش المعلنة ضد نظام الحكم الفاسد والطائفيّ، لاسيّما حين كانت الناطقة الرسمية لمجلس إدارة منظمة سواسية السورية لحقوق الإنسان، المكوّن من د. صادق جلال العظم ود. الطيب تيزيني، ود. عاصم العظم، وأ. محمد ملص، وأ. مهند الحسني، ولم يُعرف أنها توانت أو تراخت عن مواقفها ضد نظام الحكم -منذ سلطة الأب الحاقد وحتى حكم الصغير التافه- طوال عمرها، كان صوتها عاليًا ضد الاستبداد والقمع وحكم ولاية الفقيه المقنّع بحزب البعث وجبهة وطنية ولدت ميتة، ذلك الحكم المستمد من ظلام القرون الوسطى وجهلها وقمعها وضلالها.
وقّعت منتهى الأطرش في آذار 2011، على بيان العهد الوطنيّ المتضمّن دعوة لبناء دولة ديمقراطية مدنية، وأوضحت أنها رفضت الانضمام إلى هيئة التنسيق الوطنية، على الرغم من تورطها بحضور مؤتمر حلبون نتيجة تضليل البعض لها، وعبّرت عن شعورها المستاء من معظم الشخصيات التي قابلتها في ذاك المؤتمر؛ نتيجة اختلاف وجهات نظرهم عن تطلعاتها الثائرة المنتصرة لثورة شعب سوريا البطل.
زارت منتهى الأطرش حرستا منذ انطلاقة الثورة ثم تكررت مشاركتها في مهرجانات تأبين الشهداء في دوما والقدم والمليحة ودير العصافير وحمورية وسقبا والقابون وركن الدين وداريا وبرزة والكسوة وقدسيا والتل والزبداني ومضايا ومعضمية الشام والميدان...، وأسهمت بشكل فعّال في مظاهرة الشموع في جرمانا منذ الأسبوع الأول من نيسان/ أبريل؛ تضامنًا مع شهداء دوما الذين سقطوا في 1/4/2011، تلك المظاهرة التي نفّذها شباب الثورة في ساحة الشهداء بجرمانا، ولم يتجرأ أحد من المخابرات والشبيحة أن يقترب من موكبها المحمي من عشرات الشباب والصبايا، كما تواجدت في السويداء في عيد الجلاء 17 نيسان، أبريل/ 2011ـ بعدما زارت بيوت شباب الثورة في شهبا وعريقة والسويداء وغيرها.
لم تغادر منتهى الأطرش دمشق، وبقيت صامدة في شقتها بالمزة، على الرغم من المضايقات، ومنها على ما روته بنفسها، منذ نيسان/ إبريل 2011، قبل عيد الاستقلال بقليل؛ إذ حاصرها رجال المخابرات في عرض الشارع بعدما تسوّقت من متجر قرب سكنها، وبقيت ساعات لا تستطيع الفكاك منهم، اعترضت بصوتها الثائر، ولم يتجرأ أن يردّ عليها أحدٌ بكلمة، حينها ذكرت أنّها لاحظت اتصالات مكثفة فيما بينهم، إلى أن غادروا وتركوها، ومن ثَمَّ أعلنت موقفها صراحة في الـ BBC، بانحيازها للشعب السوري الثائر ضد فساد السلطة وطائفيتها واستبدادها.
التقت مع رياض الترك بوجود ناشطين من دوما وجرمانا، وتعاهد الجميع على المضي في درب إسقاط نظام الحكم الفاسد، وقد أعلنت حينها معارضتها لمظاهر التسلح وتحويل الثورة إلى مسلحة، واعتدّت بسلمية الثوار ووعيهم وبتفوقهم على نظام الموت والطائفية والعسكر، وبعد ذلك بقيت تسأل عن اختفاء صوت الترك وصادق العظم وتيزيني بصفتهم عقلاء ومفكرين مغيّبين، إلى أن غيّبت هي أيضًا عن وسائل الإعلام والهيئات في المسار السياسيّ السوريّ، سيئ الذكر؛ إذ خفت صوتها وسط مسار هزيل وسخيف.. ومن تصريحاتها القليلة لجريدة الشرق الأوسط في تلك الآونة ضمن حوارٍ ركّزت فيه على طائفية النظام وعلى بشار الذي: "يلعب بالنار، وأن اللعب على الطائفية في سوريا يخرج الأمور عن السيطرة"، وفي أيلول 2011 أكدت لقناة فرانس 24 أن النظام يرتكب مجازر، ولا يريد حلولًا سلمية، وأن عصاباته شكلت دولة ضمن دولة" كما صرحت مرارًا عن فخرها واعتزازها بأصوات ناشطات الثورة النسوية، وبكت على الشهيدات منهن.
التقت مرارًا مع منظمات المجتمع المدني منها: اللجان المدنية لحماية المواطنين من اعتداء جيش النظام وشبيحته، وجمعية العمل المدني الديمقراطي في سوريا بصحنايا وجرمانا، وشجّعت تنظيم ائتلاف أحرار سوريا في الداخل، الذي ضمّ مجموعة ناشطين وثوار شاركوا في الحراك السلميّ للثورة، كما رفضت أن تكون ضمن ائتلاف أحرار سوريا الذي أعلن عن تأسيسه في الخارج، كما التقت بناشطين من تنسيقيات ريف دمشق ومدينة دمشق وحاولت التنسيق مع لجان التنسيق المحلية، والكثير من الكيانات الثورية التي تشكّلت في السنة الأولى للثورة وقدّمت النصح للجميع، ودافعت عن آرائها السديدة بضرورة خروج المسار السياسي عن رماديته وفتور همم ممثليه.. وكانت متحمسة للاقتداء بالثوار الحقيقيين الذين أشعلوا ميادين الثورة وساحاتها في المدن والقرى وأحياء المحافظات.
كانت منتهى الأطرش تقدّم المساعدات العينية، وقدّمت مبالغ زهيدة -بل كل ما تملك- للثوار، وكانت تزيد من كمية المبالغ في أول كل شهر حين تقبض راتبها... منتهى الأطرش رفضت أي تعامل مع المال السياسيّ، وعدّت الثورة، شبابها ونساءها، شهداءها ومعتقليها ومهجّريها أسمى من ساسة فاسدين سعوا وراء التربّح وجمع الثروة على حساب دماء الشهداء، كما أدانت كلّ سوريّ راهن على تدخّل الولايات المتحدة العسكريّ، وشتمت من توهّم الاستعانة بالكيان الصهيونيّ؛ مستهينًا بدماء الشهداء ومسقطًا بطولاتهم من توهيماته المرضية.
فتحت باب شقتها في المزة للثوار والثائرات، كانت تستقبلهم وتلومهم على تأخرهم عليها بالقدوم، وكم من ناشطة وناشط أقاموا عندها تواريًا من ملاحقة المخابرات لهم! لم تتأفف لحظة واحدة من وصول ضيوفها الذين لاقوا الود والاحترام منها.. إضافة إلى أن شقتها ظلت محطة انطلاقها مع ضيوفها نحو ميادين الثورة ومهرجانات العزاء بالشهداء في أرجاء دمشق ومدنها وقراها.
في عام 2015، انتصرت لقوات الكرامة، وحمّلت نظام الأسد الطائفيّ مسؤولية اغتيال قائدها الشيخ وحيد البلعوس، وبقيت أمينة لتوجهات ثورة الربيع العربيّ في سورياـ. أمينة للحرية والكرامة والحق والمساواة.
إلى أن توفيت في شقتها بحي المزة الدمشقيّ، ونقل جثمانها الطاهر إلى القريا جنوب السويداء ودفنت فيها وسط حشود المعزين الذين أشادوا بمواقفها الحرة والكريمة، لاسيّما النساء والشباب.
نعتها كثير من المنظمات السورية المعارضة لنظام الحكم الفاسد في سوريا، وأعداد مهولة من الناشطين والثوار السوريين على صفحات ومواقع التواصل الاجتماعيّ، كما أرسل وليد جنبلاط رئيس الحزب التقدميّ في لبنان، برقية تعزية، ذاكرًا أن الراحلة "حملت قضية الشعب السوري، وانحازت إلى الحق بوجه الظلم.. نفتقدها في زمن نحتاج فيه على الحقيقة الذي نثق أنه سيبقى عصيًا على كل طغيان في جبل العرب، كما في سوريا كلها"
سلامًا على روح منتهى الأطرش، سلامًا عليها قديسة وسط زمن خؤون، سلامًا يحلّ عليها من أرواح شهداء الثورة السورية الذين طالما افتخرت بانتمائها لهم، سلامًا تنثره أشجار غوطة دمشق الغنّاء وكروم جبل العرب وورود دمشق وأزاهيرها، سلامًا يتجمّع غمامًا مباركًا في سماء سوريا، يعدنا بالبر والحب ومستقبل أفضل، تحلّ فيه الحرية والكرامة والمساواة والأخوة، حين يُكنس نظام الموت والفساد والطائفية والجهل عن ربوع سوريا وأهلها من دون رجعة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليس معاداة للسامية أن نحاسبك على أفعالك.. السيناتور الأميركي


.. أون سيت - تغطية خاصة لمهرجان أسوان الدولي في دورته الثامنة |




.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): أصوات القصف لا تفارق آذان أطفال غ


.. تعمير - مع رانيا الشامي | الجمعة 26 إبريل 2024 | الحلقة الكا




.. ما المطلوب لانتزاع قانون أسرة ديموقراطي في المغرب؟