الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفهوم العنف الاجتماعي : دلالاته وأشكال تجليه (الحلقة التاسعة عشرة) ما هو غسيل الدماغ ؟!

ثامر عباس

2022 / 10 / 17
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


(الحلقة التاسعة عشرة) ما هو غسل الدماغ ؟!


قد يبدو مصطلح (غسل الدماغ) خال من أية دلالة تنطوي على وقوع العنف وحصول العدوان ، نظرا" لكونه يعنى بجهاز عضوي غالبا"ما كان مدار اهتمام العلوم البيولوجية والفسيولوجية أكثر من العلوم السوسيولوجية والسيكولوجية . لاسيما وان فترة صياغته وشيوع استخدامه حديثة لا تتعدى العقد الأول من النصف الثاني للقرن العشرين المنصرم ، من قبل الصحفي الأمريكي (ادوارد هنتر) على اثر تداعيات الحرب الكورية – الأمريكية في الخمسينيات من القرن الماضي . إلاّ انه وان بدا يتسم بالبراءة من تلك الإيحاءات المرتبطة بإيقاع الأذى الجسمي والضرر البدني على الضحايا ، فهو يدخل ضمن خانة أنماط العنف (الرمزي) الذي شاع تداوله في كتابات الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي (بيير بورديو) الذي خصص مؤلفا"بهذا العنوان . ذلك لأن الهدف من اللجوء إلى هذه الممارسة السيكولوجية ، يرتكز على (( كل محاولة للسيطرة على العقل البشري وتوجيهه لغايات مرسومة بعد أن يجرد من ذخيرته ومعلوماته ومبادئه السابقة ))(1) .
ومع إن هذا المصطلح يبدو – من حيث الوظيفة - أقرب إلى مكونات (الحرب النفسية) منه إلى مقومات (الحرب العسكرية) ، من واقع كونه يستهدف التأثير – سلبا"أو إيجابا"- على ثبات القناعات وصلابة الإرادات وقوة المعنويات ، سواء بالنسبة للأفراد أو المجتمع الكلي من جهة ، أو بالنسبة للجماعات العسكرية المتحاربة على الجبهات الأمامية ، أو بالنسبة للجماعات المدنية المعبئة على الجبهات الخلفية من جهة أخرى . بيد أن ذلك لا يمنع من استخدامه في كلا النوعين من الحروب ، أو على كلا الجبهتين نظرا"للمردودات العسكرية والسياسة والنفسية والاقتصادية والاجتماعية التي يمكن جنيها منه ، في حالة توظيفه بالمكان والزمان المناسبين .
ولعل هذه الخاصية (الوظيفية) التي يتمتع بها هذا المصطلح ، منحته هذا القدر الهائل من المرونة والفاعلية حيال استثمار قدراته التأثيرية على سيكولوجية الإنسان مثلما وعيه الجمعي ، بحيث مكنته من الولوج إلى مختلف الميادين والحقول ذات الطبيعة الاجتماعية والإنسانية . أي بمعنى إن دوره لم يعد – كما أريد له في بداية صياغته – مقصورا"على الجوانب العسكرية والحربية المتعلقة بالقرارات الإستراتيجية والعمليات التكتيكية على أرض المعركة فحسب ، وإنما تعدى ذلك إلى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإيديولوجية والنفسية والتربوية ، التي تتعلق بمآل الجبهات الداخلية (المدنية) من حيث القدرة على الثبات والصمود والمطاولة ، ضمن ظروف مشحونة بمشاعر الخوف والرعب والهلع .
والمفارقة إن رصيد هذا المصطلح يزداد ويتضاعف ، كلما أحرز الإنسان مستوا"متطورا"في مضمار صناعة الأسلحة وتقنيات الحروب ، بحيث كلما كان بمقدور هذه الأخيرة إيقاع أكبر قدر ممكن من الدمار الشامل والإبادة الجماعية ، كلما ارتفع شأن المصطلح المذكور وزاد الطلب عليه من قبل الجميع . هذا على الصعيد (العسكري) ، أما على الصعيد (المدني) ، فان الأنظمة السياسية التي تفتقر لمؤشرات الشرعية الوطنية والدستورية ، غالبا"ما تلجأ للاستعانة بمضامين هذا المصطلح والتعويل على تأثيراته ، وذلك أملا"في الحدّ من تآكل قواعدها السلطوية والاجتماعية والإيديولوجية .

الهوامش
1. الدكتور فخري الدبّاغ ؛ غسل الدماغ : دراسة نفسية اجتماعية لظاهرة التمذهب وتحويل الاتجاهات ، ( بيروت ، دار الطليعة ، 1982) ، ط2 ، ص10 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تدخل فرنسا في حرب مباشرة ضد روسيا؟ | الأخبار


.. ماكرون يعلن في مؤتمر صحفي مع زيلينسكي البدء الفوري بتدريب ال




.. عبر كوبا.. بوتين يعيد إلى الواجهة ذكرى أكبر أزمة نووية عرفها


.. بايدن يلتقي زيلينسكي في باريس والإعلان عن دعم عسكري بقيمة 25




.. مؤتمر صحفي للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره الأوكراني ف