الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخوف من الاختلاف

منى نوال حلمى

2022 / 10 / 18
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


--------------------------------
هل الحياة ، تستحق أن تعاش ؟ .
ليس الجواب سهلا كما قد يبدو للبعض.
يتوقف الأمر على منْ الذي يعيشها.
لا نتصور أن يكون هدف الحياة أن نأكل ونشرب وننتج السلع ونتنزه ونتعامل مع الأجهزة ونتزوج ونتناسل.
هناك هدف أعظم وأسمى . تطمح الحياة أن يبحـث كـل منـا عـن ذاته المتفردة ، وأن يكافح من أجل إطلاق مواهبها وقدراتها الخلاقة.
نعم لكل إنسان ذاته المتفردة التي لا تشبهها ذات أخرى . تماما مثل بصمة الإصبع غير قابلة للتكرار . كل إنسان يولد متفردا . ولكن ليـس كـل إنسان يموت متفردا . ترى ما الذي يحدث لنا بين الولادة والموت ؟ .
ترى ما الذي يمسح أو يقتل فينا فطرة التفرد ؟ .
إنه «الخوف من الاختلاف».
نخاف أن نفكر ونحس ونغضب ونحلم ونتكلم ونتحرك خارج الخطوط والمدارات المألوفة المرضى عنها.
منذ الصغر في الأسرة يزرع الأهل (سلطة الأب أو سلطة الأم أو الاثنين معا) بدايات هذا الخوف .. وتتعـاون كـل ثقافة المجتمع الأكبر ، في تدعيم ما أرسته سلطة الأسرة في خلق إناس متشابهي التفكير والإحساس والأحلام .
إن حماية الذات المتفردة الكامنة فينا والمتحفزة للتحقق ، مرهون بإعلاء قيمة «التمرد» في حياتنا.. التمرد على محاولات التنميط والقولية .
وليس مصادفة أن حرفـا واحـدا يفصل ما بين كلمة (تمرد) وكلمة(تفرد) .
يكمن جوهر التمرد في انحياز الإنسان لإرضـاء الـذات لا إرضاء (الآخر) . هذا ليس معناه التفنن في خلق صراعات دائمة مع الآخر. وليس الهدف هو الصدام في حد ذاته .. ولكن القضية أن يكون الإنسان يقظا . ففي الموقف الذي يتعارض فيه (الآخر) مع إطلاق صوت ذاته الداخلي ، تكون الأولوية بدون تردد للذات.
«التفرد» أمانة أودعتها الحياة في نفوس البشر ، وبالتالي فإن التنازل عن حقنا في «التمرد» ، والحرص الدائم على إرضاء الآخر لا إرضاء الـذات ، هو خيانة للحياة ..
ولكن الحفاظ على أمانة «التفرد» ليس طريقا مفروشـا بـالزهور . إنـه طريق ملغم بالأخطار ، فلا شيء يثير حفيظة النـاس وغضبهم إلا (ذات)مصرة على اختلافها ، واثقة من تفردهـا . ومـن الإصرار والثقة ، تتولدالشجاعة الضرورية للسباحة ضد التيار .
إن الإضطرابات النفسية ، والميول العدوانية تجاه الآخر أو اتجـاه النفس وأفكار وسلوكيات التعصب ، كلها تجد جذورها في عجز الإنسان عن تحقيق ذاته المتفردة ، والاستعاضة عنها بنسخة مشوهة من ملايين البشر.
والشيء الغريب أن البشر يوجهون الكثير من الوقت والجهد والاهتمام لتنمية أشياء خارجة عنهم ، مثل النجاح والفلوس والشهرة وكسب الأصدقاء والعلاقات الاجتماعية ، كل ذلك في إطار من استحسان الآخرين ، ورضاهم ومدحهم . ولكنهم يبخلون بالوقت والجهد والاهتمام ، للاستماع إلى صوتهم الداخلي ، وإنماء الذات المتفردة داخل كل منهم .
إن الانشغال بالعـالم الخارجي وإهمال العـالم الداخلى ، يضع أسس اغتراب الإنسان عن ذاته الحقيقية .. وطالما اغترب الإنسان عن ذاته فإنه يظل دائما غير سعيد ، مهما وصل إلى نجاح مـادي أو مركز مرموق أو شهرة أو فلوس . ومهما أحاط نفسه بالعديد من الصداقات والعلاقات .
لقد اعتبر الفيلسوف (سورين كير كجورد) 5 مايو 1813 - 11 نوفمبر 1855 ، أبو الفلسفة الوجودية وأكثر الفلاسفة تأكيدا على أهمية الذات ، أن الحقيقة هی الذاتية حيث إن العالم الخارجي (الموضوعي) لا يقدم لنا إلا الشك .. تأتى الحقيقة من ذاتية العلاقة وليس موضوعيتها التي يشترك فيـها كـل النـاس .. معنى ذلك أن (الموضوعية) التي يطالب بها الآخرون ويعطـون لـهـا أفضلية عن (الذاتية) ليست إلا غياب تفرد الإنسان.
ولأن الحياة قد أودعت في قلب كل إنسان بصمة متفردة ، فإن كل ذات تحمل داخلها سرا من أسرار الكون ، وربما تحمـل الـكـون كلـه فـي شكل بشری مصغر.
وبالتالي فإن كفاح الإنسان لإعلاء ذاته المتفردة ، هو بالضرورة إعلاء لكلمة الحياة ، وانتصـار لقوانين الكـون الأزلية المرادفة للعدل والخير والحـب والجمال .
إن الحياة تتقدم وتزدهر بفضـل هـؤلاء النساء والرجال ، الذين أرهفـوا السمع إلى صوتهم الداخلي رغما عن صخب التشابه ، ولم يتنازلوا عن تفردهم الذاتي مقابل أى إغراءات خارجية .
-------------------------------------------------------








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أسلحة الناتو أصبحت خردة-.. معرض روسي لـ-غنائم- حرب أوكرانيا


.. تهجير الفلسطينيين.. حلم إسرائيلي لا يتوقف وهاجس فلسطيني وعرب




.. زيارة بلينكن لإسرائيل تفشل في تغيير موقف نتنياهو حيال رفح |


.. مصدر فلسطيني يكشف.. ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق ل




.. الحوثيون يوجهون رسالة للسعودية بشأن -التباطؤ- في مسار التفاو