الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على هامش التصريح الأخير لوزير التعليم العالي و البحث العلمي

طارق الورضي

2022 / 10 / 18
التربية والتعليم والبحث العلمي


نما يصرح مسؤول من طراز رفيع، يشغل منصب وزير التعليم العالي بالمغرب، بكل ما يحيل عليه هذا المنصب من دلالات و تمثلات ومفاهيم تكتسي طابع التجرد و الإخلاص و التفرغ لكل ما له ارتباط بالثقافة و المعرفة و البحث العلمي،ولكل ما من شأنه الإرتقاء بالهمم و العلو بالأذهان و العقول إلى مقامات السمو الثقافي و الثراء الفكري و الرفاه العلمي، حينما يصرح السيد عبد اللطيف ميراوي غداة استضافته خلال برنامج بدون لغة خشب على إذاعة ميد راديو أنه مولع بالطرب الشعبي، و ما أسماه " العيطة و الشيخات" إلى حد الترنح يمينا وشمالا تماهيا مع نغمات العيطة و تقاسيمها، و إذا اعتبرنا أنه يحق للسيد الوزير مبدئيا التعبير عن ميوله واختياراته الفنية التي قد نتفق أو نختلف معها، فإنه لا بد أن تستوقفنا عبارة : يجب أن نعلم أجيالنا ثراث الشيخات و أن نحرص على دعمه. فهل استنفذت ناشئتنا من التلاميذ و الطلبة كل فرص التعلم و التثقيف الذاتي، و هل نبغوا في كل ضروب التحصيل العلمي، حتى لم يتبقى لهم غير تعلم فن " الشيخات و العيطة"؟ أسئلة تطرح نفسها على السيد الوزير، في ظل واقع تربوي مأزوم و متكلس، رسمت ملامحه تلك الإخفاقات المتتالية التي منيت بها مشاريع إصلاح التعليم منذ صياغة بنود الميثاق الوطني للتربية و التعليم، مرورا بالمخطط الاستعجالي إلى حدود اليوم، و الحصيلة انتكاسات متتالية في قطاع التعليم توثقها بيانات و إحصاءات مؤشر التنمية العالمي التي تصنف قطاع التعليم بالمغرب ضمن المراتب الدنيا قاريا و عالميا.
وإذا افترضنا جدلا أن الطرب و الموسيقى يشكلان جزءا لا يتجزأ من المنظومة الفكرية و الثقافية للمجتمعات، فإنه من الحري بنا أن نحدد أي نوع من الذوق الموسيقي نريد أن ننشئ أجيالنا على تذوقه و الاحتفاء به، على اعتبار أن الساحة " الفنية " حاليا بالبلاد، تموج بوابل من أصناف الموسيقى و أنواع المغنيين، يختلط فيها الحابل بالنابل، و يمتزج فيها الغث بالثمين، و بالتالي كان من الحري بالسيد الوزير كمسؤول تربوي أن يدعو كل العاملين في قطاع التعليم أن يحرصوا على تنشئة الحس الفني المرهف في نفوس الشباب عن طريق الرقي بأذواقهم الموسيقية سواءا ضمن حصص الأنشطة الموازية أو حصص التربية الفنية باختيار مقاطع موسيقية فنية راقية و أغان هادفة و كلمات منتقاة بعناية، في منأى عن ركام مستنقعات العفن الفني، و النعيق و الزعيق الذي يسمى غناءا، و صخب الضجيج المنظم الذي يسمى موسيقى، و رداءة الكلمات الهجينة.
لا يمكننا مبدئيا أن ننشئ أجيالنا على تذوق الطرب الراجح في كفة الفن الرفيع و الموسيقى التي تسمو بالأرواح و ترتقي بالأذهان و تهذب النفوس، إذا كنا لا نحسن فن التذوق الموسيقي، و إذا كانت أذواقنا منبطحة إلى مستوى استحسان التفاهة و السخافة و الابتذال و الإسفاف و استساغة ما يستسيغه الدهماء و الرعاع و السوقية من الأغاني التي يحتفى بها في الحانات و الكباريهات و مهرجانات العربدة و الميوعة و الشذوذ و المخدرات.
لا جرم أن السيد الوزير أراد أن يحذو حذو الأديب حسن نجمي المعروف باهتمامه غير المسبق بفنون العيطة و نغماتها و رقصاتها و تاريخها و الداعي كذلك إلى تلقين " هذا الفن " للأجيال القادمة تحصينا للمكتسبات الثقافية الفنية و الحضارية للبلاد، و تعريفا بهذا الفن للأجانب، ولا شك أن هذا التصريح و ما على منواله، سيلقى ترحيبا عند المحتفين بفن " العيطة" و الهائمين بنغمات " الشيخات" و المترنحين على أوتار الكمان...ولكن ألم يكن من الأولى أن يذكر السيد الوزير أجيالنا القادمة بأهمية الاحتفاء بالابداعات الفكرية والأدبية و العلمية و بمركزية الأدب الخلاق، و العلم الرصين و الثقافة المبدعة في حياتنا، خصوصا أننا في ظل واقع يتنكر صانعوه لكل القامات الفكرية و الفنية و الأدبية التي أثرث تاريخ هذا البلد، و التي لايكاد يسمع لها ذكر على قنواتنا و لا على منصات التواصل الاجتماعي التي تحولت إلى مستنقع آسن يستجمع كل كوارث ورزايا و حثالات الجنس البشري، و في ظل استئساد التفاهة و السخافة و الإسفاف على حساب المحتوى الفكري و الفني و الأدبي و الأخلاقي الرفيع. كيف نفكر أن نزج بأجيالنا في خضم عالم افتراضي تحكمه الفوضى الخلاقة، و عدد المشاهدات و منطق الربح السريع على حساب الفكرة الهادفة و المحتوى الراقي. يكفي أن تحصي عدد المشاهدات التي تحصل عليها الفيديوهات الرديئة و التافهة و المنحطة قالبا و مضمونا، مقارنة بفيديوهات تنشر الوعي و الثقافة و الذوق الفني الراقي، حتى تستشف حجم الكارثة الأخلاقية و الفكرية التي وصلتها البلاد، و حتى تتيقن أن الجهل لا زال يضرب أطنابه بقوة بين ظهرانينا، و حتى تستنتج أن الحل لهذه الفوضى العارمة هو دعم قطاع التعليم، لأن التعليم هو الرهان الذي يمكن أن يرفع الناشئة و الأجيال من منحدرات التفاهة و السخافة و الابتذال و الإسفاف إلى مراقي الأدب الخلاق و الثقافة الرصينة و الذوق الفني المرهف، و لن يمر ذلك إلا عبر تمكين التلاميذ و الطلبة من توطين حس النقد الفكري و الفني في أنفسهم حتى يتسنى لهم أن يميزوا ما بين الغث و الثمين مما يعرض عليهم في ساحة تضج بفوضى عارمة صنعتها تكنولوجيا التواصل الاجتماعي، في ظل ثنائية نطلق عليها تعبير " الوارد و المتلقي" . فالوارد قد يكون محتوى فكريا أو علميا أو أدبيا أو فنيا و قد تختلف و تتعدد مصادره، و المتلقي يظل شخصا واحدا هو هذا التلميذ، و هذا الطالب و هذ المواطن الذي نطمع في أن يكون مثلا يحتذى به في أسمى العبر و قدوة تنسج الأجيال على منوالها، و منارا لمستقبل نفتخر به كمواطنين و كرجال تعليم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تعرف على تفاصيل كمين جباليا الذي أعلنت القسام فيه عن قتل وأس


.. قراءة عسكرية.. منظمة إسرائيلية تكشف عن أن عدد جرحى الاحتلال




.. المتحدث العسكري باسم أنصار الله: العمليات حققت أهدافها وكانت


.. ماذا تعرف عن طائرة -هرميس 900- التي أعلن حزب الله إسقاطها




.. استهداف قوات الاحتلال بعبوة ناسفة محلية الصنع في مخيم بلاطة