الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشكالية مجهولية المالك بين النص والأجتهاد. ح15 الخلاصة البحثية

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2022 / 10 / 20
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الخلاصة البحثية
من ما وجدنا في الموضوع محل البحث ولو لم نتطرق للكثير من الجوانب التي توضح الحقائق بشكل عام، وركزنا في جهدنا على ملامسة الذي يهم أكثر ومباشر بمادة البحث، خاصة وأن السماح للبحث الجانبي والأصلي والمتعلق والمصاديق والنظريات سوف تجرنا الى ما لا يتفق مع الذائقة القرائية في بحث خاص ومخصوص على جزئية تفصيلية من نظرية عامة، عليه فلمن يريد مواصلة البحث والتحري فإننا فتحنا أبواب واسعة لمن يريد الدخول وأكتشاف عالم رهيب، يختلط فيه التأويل والتفسير والتدليس والتنظير، كما تختلط فيه السياسة والرياسة والمصالح والصراع الطبقي والاجتماعي في وحدة مجمعة فوضوية سميت الفكر الديني.
لم تسلم كل الافكار البشرية والفلسفات والرؤى وحتى أبسط حدث في النقل والأنتقال والتداول من عاهة الفكر، وهي العاهة التي تشوه الحقيقية وتصرفها احيانا حتى عن هدفها السامي، وليس بالضرورة أن يكون التصرف والتحريف متعمدا وذي نية سيئة بقدر ما يكون أصلا هو من طبيعة العقل البشري، فقط التزوير وقلب الحقائق قضية اخرى لها خط وتوجه مختلف وإن ألتقى بالنتيجة مع مخرجات العاهات الفكرية، الفرق بين حالة التزوير والتدليس والتحريف أنها تمضي وفقا لنظرية لها اعمدتها وخططها وهدفها، أما العاهة الفكرية فهي تلقائية وطبيعية سببها اولا عدم أحترام المنطق العقلي أو فضولية ما تهوى الأنفس وما تنحاز له من قياسات أو قواعد طبيعية تتعلق بحقيقة الإنسان أصلا كونه الأكثر جدلا.
يبدأ الخلاف والأحتلاف دوما لسببين:
الأول _ حينما تتكون فكرة ربما مختلفة أو لها مسار اخر مختلف في لحظات الأولى أو المراحل التأسيسية لعموم الفكرة الأم، لأسباب عدة منها عدم الثقة ومنها الخوف ومن الخجل ومنها عدم القدرة على التحدث بها مع مؤسس الفكرة الأساسية، لكنها تبقى حبيسة العقل وتنتظر أن تجد المناسبة أو الوقت لتظهر للعلن، حينما تظهر لاحقا ستكون محل أستقطاب بين الرموز عادة خاصة إذا لم يكن هناك من يستطيع أن يفهم ظروفها ويعالجها ضمن منطق الفكرة الأساسية، ستتحول هذه الرؤية أو هذه الفكرة الخاصة مع الزمن وتظافر أسباب أخرى إلى تيار داخل منظومة الفكر الوليد، وربما تتمحور حول نفسها لتشكل نواة لفكرة أكبر عندها نتوقع الانشقاق أو ولادة مضاد نوعي أخر له مسار وربما منهج مختلف.
الثاني _ قضية التمحور والتنازع على القرب والولاء لقائد الفكرة أو مؤسسها، بعيدا عن المثاليات التي تسوقها الروايات التاريخية مثلا عن الجيل الأول من المؤمنين الذين عاصروا ولادة الإسلام مثلا، سنجد مع وجود النبي بينهم ومع انهم في أمتحان المواجهة والصدام مع مجتمع رافض لهم جميعا ومتعمد إقصائهم، لكنهم مختلفين ومتدرجين في الأستجابة والتفاعل، وهذا طبيعي في حياة البشر في الولاء والطاعة وحتى الإحساس بالأنتماء، هذا الأختلاف منشأه ليس عقليا ولا فكريا عقيديا ولكنه ذا أصول نفسية تتعلق بكونهم يمارسون بشريتهم مع عدم نكران تأثير القيم الدينية عليهم، فهذه القيم في تأثيراتها لم تكن متساوية وفعالة في نفس الدرجة، لذا نجد التفاوت في الإحساس بينهم، بين طاعة عمياء وطاعة طبيعية وطاعة مشككة وحتى طاعة منافقة، هذا الأختلاف الطبيعي ينتج ايضا اوضاعا طبيعية لاحقة أن الجميع سينقسم ويتشظى لمجرد غياب الرمز المؤسس الذي كان محلا حصريا للولاء والانتماء.
من هنا نستطيع أن نؤكد في دراستنا لحالات الأختلاف والفرقة في الأفكار والنظريات الكلية بما فيها الأديان والرسالات على النقاط التالية:.
1. إن كل فكرة مهما أمتلكت من قوة وثبات وشمولية وإحاطة عمومية بقوانين الفكر لا بد أن تكون معرضة للتشظي في مرحلة لاحقة، هذه الحقيقة لم ينجو منها فكر ولا فلسفة ولا دين في كل التاريخ البشري، بل هي من حقائق أن الإنسان أكثر شيء جدلا.
2. الأختلاف التالي وإن كان في بعض الأحيان يتخذ طابع تدميري لكنه في الأصل أمر طبيعي في أسس ولادة ونمو الفكر، أي أن الأختلاف ليس غريبا عن قوانين الفكر والمعرفة، بل هو ملازم ومتلازم مع كينونة الفكر، فالفكر الذي لا ينتج خلافا فيه اما انه ميت من الأساس لا يستطيع توليد أفكار ثرية ومقابلة للنقد والتطوير والنمو، أو أنه فكر مطلق ونهائي ومستقر غير قابل أن يتحرك في العقل البشري، وهذا من المحال المنطقي لأن الفكر لعبة العقل ومحركه الأول.
3. الخلاف دوما ينتج في فلك طبقة النخبة الفكرية أو النخب القيادية بصورة شبه تامة، والسبب أن النخب لديها فكرة أوسع وحرية أكبر في تناول الأمور العامة، أما القاعدة المؤمنة فتنشغل دوما بمتابعة حركة النخب وتساير القوة والتأثير، وليست صانعة للأفكار طالما أنها ذيلية وليست ذات طبيعة قيادية أو حتى وسطية.
4. الفهم الخاطئ لظاهر الأجتهاد والنقد الطبيعي العلمي والعملي وأتخاذ منه موقف عدائي، هو السبب بأنحرافات الفكر والتفرق على الأسس العامة والقواعد الكلية، فكل فكر لا يمنح الحرية الطبيعية للعقل أن يؤمن بمنطقية سيولد حالتين أما عبودية للفكرة أو تمرد عليها، وكلاهما يسببان الميل نحو التفرد أو التوقع والانعزال والجمود على الفكرة الوليدة، فالعبد الفكري أسير الخوف من الخروج عليها، والمتمرد عليها أسير فهم متطرف للحرية.
5. عندما تنقسم الفكرة إلى معسكرين متناقضين لا يعني أن العملية انتهت عند هذا الحد، فقبول الإنقسام الأول سيؤسس إلى عرف ومنهج التشظي كلما فشل المكون الفكري من الأتفاق على قضية، ربما تكون جزئية تتضخم عندما تتحول إلى نزاع، فالملل والنحل والمذاهب والطوائف كلها وليدة خلاف بسيط أبتدأ على قضية فرعية، لم ينجح طرفيها في الحوار المنطقي للوصول فيها لمشترك عقلي جامع، أنفرد كل حزب لما لديه ظانا أنه وحده من يملك الحق، لذا لا يمكن أن يرى الوجه الاخر من فكرته التي ربما تكون هي الباطل، لأنه لا يرى إلا ما يريد فقط ولأنه يملك عين واحدة.
6. القياس المعياري الذي يجب ان يحكم ويتحكم بنواتج تطور الفكرة الأساسية هو أن لا تكون المسافة المعرفية أو المنطقي بين المقدمات والخلاصات تأخذ مسارا عكسيا عن مسارات التطور الطبيعي للأشياء، أي لا تأخذ مسارا نكوصيا ولا مسارا جانبيا إلى اليمين أو الشمال، بل لا بد أن تنسجم المسارات مع الهدف الغائي الذي من أجله تم الأنتماء للفكرة، فمثلا كل الأديان تهدف بالنهاية إلى ربط الإنسان بفكرة الفضيلة التي تجعل من حياته أكثر حيوية وإيجابية بغض النظر عن التفاصيل، فأي تطور غير طبيعي يبعد الإنسان عن هذه الفكرة لا يمكن أن يكون لا تطورا ولا نضجا بل تخريب متعمد في النهاية.
من كل ذلك فما بنيت عليه الأفكار الدينية من تطور أجتهادي وخاصة أننا نتحدث عن الإسلام كدين، ما لم ترتبط بهدف الإسلام الرئيسي الذي لخصه النص التالي تعتبر تكوصا عن الإيمان به مهما كان قائل أو متبني الفكرة أو راعيها، النص المعني يقول (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، فالنص أجمل أهداف الإسلام بثلاثة هم أساس كل خير وإيجابية في الوجود، العدل والإحسان ورعاية ذوي القربى، ونهى عن ثلاثة أشياء هم أساس كل شر الفحشاء في القول والمنكر في العمل والبغي بالسلوك العام، هذا الحد هو المتطلب الأساسي لأي فكرة تنبع من تطورنا في فهم الإسلام، فمن يغادر العدل لا يمكنه بناء مجتمع فاضل متكامل لأن العدل أساس الأجتماع السليم، ومن يغادر الإحسان بمعنى البحث عما هو أحسن أو التصرف والأعتقاد بما هو أحسن تخلى عن دوره في أستعمار الأرض والوجود لقيام الحلم البشري الإيجابي، ورعاية ذوب القربي يجعل من الجماعات البشرية مشدودة لبعضها ومنتمية لبعضها، وفي المحصلة أنها مجتمعات متماسكة لتماسك الروابط البينية فيما بينها، هذا الإسلام وكل ما ينتمي لهذه المفاهيم مصاديق وأفكار ورؤى من الإسلام حتما، أما خلافها لا يمكن أن تكون منه بأي شكل وبأي حال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيرا على الأقدام.. جيش الاحتلال يجبر آلاف الفلسطينيين على ال


.. زعيم حزب فرنسا الأبية لوك ميلونشون: الرئيس لديه السلطة والوا




.. يورو 2024.. المنتخب الإنكليزي يجري حصة تدريبية من نوع خاص


.. مكتب نتنياهو: المقترح الذي وافق عليه رئيس الوزراء حظي بدعم ا




.. شروط جديدة لنتنياهو قبل المفاوضات حول الصفقة مع حماس