الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكتاب في مواجهة الحدود

محمد الفهري
أستاذ باحث

2022 / 10 / 21
التربية والتعليم والبحث العلمي


يعكس واقع نشر الكتاب العربي بعض معالم الأزمة التي تتخبط فيها بلدان العالم العربي على جميع المستويات، فهل مشكل محدودية انتشار الكتاب وعبوره الحدود العربية يعزى إلى قصور الناشر في ترويج الكتاب، أم إلى جودة الكتاب، أم إلى الإعلام الذي لا يقوم بالأدوار المنوطة به في التعريف بالإصدارات الجديدة، أم إلى المؤلف في حد ذاته، أم المشكل يعود إلى القارئ العربي الذي لم يتعوّد على فعل القراءة، أم إلى عوامل أخرى مغايرة ؟

يمكن توصيف الأزمة التي يعاني منها الكتاب العربي من خلال عوامل متعددة ومتداخلة ذات أبعاد اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية.
فمن الأسباب التي تحول دون انتشار الكتاب العربي على نطاق واسع مشكل التوزيع الذي يشهد فوضى عارمة، بحيث إننا نفتقر إلى توزيع عربي محكم ومنتظم، إذ يلاحظ عدم وجود آلية فاعلة للتسويق أو سياسة ناجعة للتوزيع والنشر، فالكتاب يوزع بشكل محدود في الوطن العربي، لأننا لا نتوفر على شبكات نشر وطنية تقوم برعاية الكتاب العربي. كما أن ارتفاع سعر الكتاب، وتكلفة الورق وأجور الشحن في بعض الأقطار يعيق عملية انتشار الكتاب في بعض الأسواق العربية نظرا لهشاشة الوضع الاقتصادي الذي تعيشه بلدانها، وهو الأمر الذي ينعكس على القدرة الشرائية للمواطن العربي الذي لا يستطيع مواكبة ما يجدّ في عالم الكتب في بلده، بله الواردة من الأسواق العربية.
إن نشر الكتاب وتوزيعه على نطاق واسع له ارتباط بالأوضاع الاجتماعية التي يعيشها المواطن، فمعظم البلدان العربية لا زال اقتصادها يعاني من الهشاشة والفقر، مما ينعكس على حياة شرائح عريضة من المواطنين الذين أصبح همّهم اليومي هو تأمين غذاء بطونهم، بينما يعتبرون الكتاب من الأمور التكميلية التي يمكن الاستغناء عنها، وإن كان يعد عند الأمم المتقدمة غذاء للنفوس والعقول، وجزءا من الشخصية، والذاكرة، والتاريخ، والمكان والزمان.
إن شبكة القراءة العمومية في البلاد العربية محدودة جدا، وإذا أجرينا مقارنة بين عدد قراء الكتب في المجتمعات الغربية ومجتمعات العالم العربي فسوف تصدمنا نتائج الإحصائيات، فغياب ثقافة القراءة قد يعود إلى أسباب متعددة ومتداخلة منها ارتفاع نسبة الأمية، وتدهور الوضع المادي للأفراد، وتردي المستوى التعليمي بالبلاد العربية وغياب الاستراتيجيات والسياسات الثقافية الناجحة التي تهدف إلى تفعيل المطالعة وتوزيع الكتاب ونشره. وقد نبه التقرير العربي للتنمية الثقافية إلى خطورة النشر وضعف المقروئية في العالم العربي.
وعليه، لا يمكن أن تتحول القراءة إلى سلوك معتاد يومي إلا من خلال تدبير يأتي نتيجة تخطيط إستراتيجي يضطلع به رجالات السياسة والفكر والثقافة والتربية والإعلام ومؤسسات المجتمع المدني من أجل خلق مواطن له وعي بفعل القراءة وثقافة الكتاب. ويكفي أن نطلع على عدد ما يطبع من نسخ الكتاب الواحد في بعض الدول العربية لنكتشف حقيقة الأمر، فالكمية لا تتجاوز ألف نسخة غير قابلة للتكرار إلا لماما، وقد تمتد عملية تسويقها سنوات عديدة داخل بلد كالمغرب مثلا، بينما لا تقل طباعة كتاب واحد عن مائة ألف نسخة في أوربا أو أميركا، وقد تتجاوز ذلك إلى نصف مليون نسخة أحيانا. وهذا الواقع الذي تعيشه بعض بلدان العالم العربي لا يشجّع الكتّاب على الكتابة، فبالأحرى الزيادة في كمية النشر قصد تصديرها إلى الأقطار الأخرى، وهو الأمر الذي يحدّ من انتشار الكتاب وقراءته. وإذا ألفينا بعض الكتب تنتشر دون غيرها في بلدان العالم العربي، فلكونها حظيت بالنقد من طرف النقاد، أو لقيت حظا من المتابعة من لدن وسائل الإعلام، أو وجدت استحسانا وقبولا من قبل القراء.
كما أن للمعارض التي تقام في أرجاء الوطن العربي دورا إيجابيا في المساهمة في التعريف بالكتاب وتسويقه، وإقامة علاقات مباشرة مع المكتبات، وفتح أفق التواصل بين الناشرين والكتاب، وعقد اتفاقيات مع شركات توزيع الكتب، والعمل على تبادل الخبرات والتجارب. وهذا من شأنه أن يساعد على انتشار الكتاب على أوسع نطاق ووصوله إلى أيدي القارئ العربي.

بعد هذا يصعب الجزم بأن الخلل في انتشار الكتاب يتحمل مسؤوليته الناشر فقط، أو شبكات توزيع الكتاب، أو الكاتب، وإنما تتحمل القسط الأوفر منه الأنظمة العربية التي يلزم أن تولي عناية أوسع بالكتاب صناعة وطباعة وتجارة، وأن تقوم بدعمه، وتشجيع الكُتّاب والمؤلفين على البحث والتأليف، ونشر كتبهم على أوسع نطاق، ومنحهم مكافآت حسب الجهود التي بذلوها في إنتاجاتهم، وبذلك يمكن أن تسهم بمواردها في اتساع ثقافة الكتاب، ووصوله إلى القارئ العربي حيثما وجد.
ورغم رياح العولمة التي هبّت على البلدان العربية غربا وشرقا، فيلاحظ أن بعض الأنظمة لا زالت تعمل للحيلولة دون دخول بعض الكتب إلى أقطارها، وتسعى إلى عزل مجتمعاتها عن الواقع العربي الشاسع. ولا ريب في أن هذا الحصار المضروب على الكتاب والمعرفة يعد مظهرا من مظاهر استبداد الدولة وتسلطها وهو من جملة الأسباب أيضا التي تحول دون انتقال بعض الكتب إلى مجموعة من الأسواق العربية وإلى القارئ العربي. لذا ينبغي فسح المجال لانتقال الكتاب إلى كافة أقطار العالم العربي، ورفع القيود على مختلف الكتب التي يسعى أصحابها إلى خلخلة بعض البنيات في الثقافة والعقل العربيين. ولا أدل على ذلك من الرقابة المشددة التي تضرب على بعض الكتب في العديد من المعارض العربية، فتصادر – للأسف- بعض الأعمال مما يفوّت على القارئ العربي إمكانية التواصل والتفاعل مع كتب وثقافات البلدان الأخرى.
بيد أن التحولات التي شهدها العصر في مجال الميديا وتقنيات النشر الإلكتروني، كان لها الأثر البالغ في تغير اهتمام الناس من الثقافة المكتوبة إلى ثقافة الصورة، بحيث أسهمت إلى حد كبير في تراجع الإقبال على الكتاب الورقي، إذ أصبح القارئ العربي لا يجد عناء في أن يحصل- بطريقة أو بأخرى- على كتاب أو إصدار حديث عبر الشبكة العنكبوتية، ولذلك لم يعد يكلف نفسه عناء البحث عن نسخة ورقية، لا سيما إذا كان المنتوج المراد مما يتعذر العثور عليه في بلده.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تهاجم أردوغان.. أنقرة توقف التبادلات التجارية مع تل


.. ما دلالات استمرار فصائل المقاومة باستهداف محور نتساريم في غز




.. مواجهات بين مقاومين وجيش الاحتلال عقب محاصرة قوات إسرائيلية


.. قوات الأمن الأمريكية تمنع تغطية مؤتمر صحفي لطلاب معتصمين ضد




.. شاهد| قوات الاحتلال تستهدف منزلا بصاروخ في قرية دير الغصون ش