الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأمية في العالم العربي

فهد المضحكي

2022 / 10 / 22
التربية والتعليم والبحث العلمي


أحتفل العالم في الثامن من سبتمبر/‏أيلول الفائت بـ«اليوم العالمي لمحو الأمية» تحت شعار «تحويل فضاءات تعلم القراءة والكتابة»، بهدف إعادة التفكير في الأهمية الأساسية لمساحات تعلم القراءة والكتابة لبناء المرونة وضمان التعليم الجيد والعادل والشامل، اهتمت الدول العربية بمواجهة الأمية بوصفها حرمانا للإنسان من حقوقه الأصلية التي أكدتها المبادئ الواردة في المادتين 26، 27 من حقوق الإعلان لحقوق الإنسان. والتي تحدد حق الفرد في التعليم، وبالمبادئ الواردة بالمادتين 12، 15 من الميثاق الدولي الخاص بحقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.والواقع لا تزال «الأمية» تمثل واحدة من أولى قضايا الأمن القومي العربي، فعلى الرغم من انخفاص معدلاتها بشكل كبير منذ العام 1970 وحتى عام 2000، إلا ان معدلها في البلدان العربية لا يزال مرتفعا، مقارنة بالمتوسط العالمي لها. فمعدلاتها التي قدرت لها في عام 1970 بـ73% انخفضت إلى 38% في عام 2000، بحسب إحصاءات المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «الألكسو». ومع ذلك، أظهرت الإحصاءات الحديثة أن معدل الأمية في الوطن العربي بلغت 21 في المئة، وهو مرتفع عن المتوسط العالمي الذي يبلغ 13.6 في المئة، وإن هذه الأرقام قابلة للارتفاع في ظل الأوضاع التعليمية التي تعانيها بعض الدول العربية بسبب الأزمات والنزاعات المسلحة، والتي نتج عنها عدم التحاق قرابة 13.5 مليون طفل عربي بالتعليم النظامي بين متسربين وغير ملتحقين. كما تشير الإحصاءات إلى أن نسبة الأمية لدى الذكور في الوطن العربي هي في حدود 14.6 في المئة، بينما ترتفع لدى الإناث إلى 25.9 في المئة، وتتراوح نسبة الأميات في عدد الدول المنطقة بين 60 و80 في المئة. عالميا تقدر الأمية بـ773 مليون شخص من الشباب والكبار غير الملمين بمهارات القراءة والكتابة. في حين يرى بعض الأخصائيين ثمة صورة قاتمة ترسمها الإحصاءات العالمية عن الأمية في العالم، إذ تشير إلى أن واحدا من كل خمسة أشخاص على الأرض أمي بالفعل، وأن ثلثي الأميين هم من النساء، كما أن درجة هذا الخطر ترتبط بمفهوم كل مجتمع حول الأمية، فيرى كثير من الناس أن وجود نسبة معينة من الأمية هو أمر مفروغ منه وطبيعي ولا يشكل هاجسا لدول العالم. بينما ترى المنظمات العالمية المهتمة بالتعليم بأن هناك ارتباطا وثيقا بين عدم القدرة على القراءة لدى الفرد وارتفاع نسبة المرض والفقر لدى الأطفال، فالمجتمعات التي بها نسبة أمية كبيرة هي عادة مجتمعات ترتفع فيها مؤشرات الظواهر سالفة الذكر. فالفقر وعبء المرض يرتبطان مباشرة بالأمية، إذ تعرف قارة أفريقيا أكبر معدل من الأمية بلغت نسبته 60%، كما أن معدل التركيز على برامج محو الأمية بلغ 98% في ثلاث مناطق، هي: جنوب وغرب آسيا وأفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى. فبرامج محو الأمية تعتبر عاملا أساسيا وضروريا لتشكيل نواة التعليم الأساسي الذي بدوره يحد من الفقر ويخفض وفيات الأطفال ويحد من انتشار الأمراض، وبالتالي تحقيق المساواة الاجتماعية والتنمية المستدامة.

لا ريب أن مشكلة الأمية في الدول العربي ما زالت تعوق مسارات التنمية المختلفة، كما انها تجعل من مواطني هذه الدول أكبر عرضة للتحول نحو العنف والإرهاب، وكافة المشكلات الاجتماعية الأخرى. وفي تقدير د.عاشور عمري رئيس العقد العربي لمحو الأمية وتعليم الكبار، أنه إذا ما نظرنا إلى وضع الأمية في المنطقة العربية، نجد أن الأوضاع السياسية فرضت تداعيات خطيرة غير مسبوقة على قطاع التعليم بصفة عامة، ومحو الأمية وتعليم الكبار بصفة خاصة. تأتي كورونا ليزداد الأمر سوءا، وعلى الرغم من الجهود المبذولة التي تقوم بها الحكومات العربية بمشاركة المجتمع المدني في مجال محو الأمية وتعليم الكبار، إلا أن أعداد ونسب الأمية ما زالت غير مرضية، كما انها تزداد تفاقما بسبب حالات الطوارئ الناجمة عن الحروب والنزاعات المسلحة في بعض الدول العربية. تبلغ نسبة الأمية في الدول العربية ما يقارب 21%، وقد تزداد مستقبلا، ما يؤثر على نسب التحاق الأطفال بالتعليم النظامي، وزيادة الفجوة بين الجنسين، الأمر الذي يستدعي توحيد الجهود بهدف القضاء على الأمية، وسد منابعها، وإتاحة فرص التعلم مدى الحياة أمام المتحررين من الأمية. وفي كل الأحوال يرتبط هذا بوضع وتفعيل الخطط البديلة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030، لا سيما الهدف الذي ينص على ضمان التعليم الجيد والمنصف والشامل للجميع دون تمييز.

وكما أشرنا أنفا، تعتبر مشكلة الأمية من أهم العقبات التى تواجه التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وهي أهم مظهر من مظاهر التخلف الإنساني. وتشكل الزيادة السكانية المستمرة عاملا مهما من عوامل تفاقم المشكلة في غياب اتخاذ إلاجراءات الحاسمة لمحو الأمية في الوطن العربي. من دون شك لا تتماثل الأسباب في كل الدول النامية خاصة تلك المصدرة للبترول، وبين تللك الفقيرة، إذ تختلف الأسباب باختلاف المعطيات الاقتصادي والاجتماعية، كما تختلف النتائج باختلافها ايضا. وبالرغم من الجهود التي بذلتها الدول النامية لمحو الأمية والقضاء عليها، إلا أن الأفراد صغارًا وكبارًا ما زالوا لا يتمتعون بمزايا التعليم ويعيشون فضلا عن ذلك في حالة فقر مدقع، هذا ومع بداية القرن الحادي والعشرين لا يمكن للمجتمع الدولي أن يقبل باستمرار وضع لا يحترم فيه أحد الحقوق الأولية للإنسان، وهو ما يشكل انتهاكا للقيم الاجتماعية والإنسانية. ثمة دراسة رصينة اعدها المركز التربوي للبحوث والانماء في لبنان حول الأمية: أسباب وحلول، تطرقت إلى ان قصور السياسات وعشوائية التخطيط، إضافة إلى عدم جدية تشريعات إلزامية التعليم في الدول العربية، كل ذلك ساعد على خلق منابع الأمية، منها ارتفاع معدلات الهدر المالي وقلة الابنية المدرسية وضعف التجهيزات ما أدى إلى سقوط مقولة: مقعد لكل طفل في عمر الدراسة، وارتفاع ظاهرة الرسوب والتسرب في المرحلة الابتدائي نتيجة ضعف التعليم. في حين أن الأوضاع الاقتصادية في كل دولة تؤثر على الأطفال من حيث مستوى التعليم والرعاية الصحية والخدمات التي يتلقاها هؤلاء. والتفاوت الحاد في مستوى الدخل بين الدول العربية يلعب دورا كبيرا في تفاوت الحركة التعليمية. والأمر الآخر، عدم الاستقرار السياسي لكثير من الدول العربية. ولا يختلف اثنان أن بعض العادات والتقاليد الموروثة تحرم الإناث من التعليم لعدم توافر الوعي الكافي عند الشعوب خاصة لدى الآباء غير المتعلمين. لذا نرى أن ثلاثة أرباع النساء الريفيات اميات.

ولذلك، فإن الوطن العربي بحاجة ماسة إلى الاهتمام المرأة لتنفيذ محاور «استراتيجية المرأة» التي تبنتها القمة العربية سنة 2003، بشأن تعزيز مكانتها وتغيير صورتها النمطية وتعزيز مساهمتها في مسيرة التنمية بصورها كافة، بعد ان ثبت انها تمثل أهم الفئات في المجتمع، بل يجب دمجها في المجالات كافة لأنها إذا ما بقيت على ما هي عليه فإنها تشكل أكبر رافد من روافد الأمية. التعليم هو تنمية للثروة البشرية، فكما تفتقر بعض الأماكن إلى الموارد الطبيعية، كذلك تفتقر الدول التي تعاني من الأمية إلى الثروة البشرية التنموية، فالثورة المعرفية هدف كوني، والتطور يسير بسرعة مطردة، حتى أن أكثر الدول غنى ترتكز على تنمية الثروة البشرية لضمان المزيد من التطور والتحديث، فالتعليم يدخل في نطاق التنمية الاقتصادية على كل الأصعدة الأكاديمية والمهنية، وبالتالي يؤدي إلى التحرك الاجتماعي وإعادة توزيع الدخل والثروات وزيادة نسبة العاملين في المجتمع وزيادة الإنتاج. ولا بد من الأعتراف بالعلاقة الجدلية بين التعليم والتنمية. ان النظرة إلى الإنسان كثروة يجب الحفاظ عليها وتنميتها، وهي أولى الخطوات نحو اهداف التنمية الشاملة المتكاملة للوطن العربي، وإذا ما أحكمنا الربط بين تسرب هذه الفئة من الطاقات البشرية وبين وقوع أقسام واسعة من هذه الطاقات في ظلام الأمية، وإذا ما قدرنا حاجة التنمية العربية إلى هذه القدرات الغائبة كلها، لأدركنا بوضوح أهمية تضافر الجهود من أجل تنمية القدرات البشرية والحفاظ عليها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الروسي يستهدف قطارا في -دونيتسك- ينقل أسلحة غربية


.. جامعة نورث إيسترن في بوسطن الأمريكية تغلق أبوابها ونائب رئيس




.. قبالة مقر البرلمان.. الشرطة الألمانية تفض بالقوة مخيما للمتض


.. مسؤولة إسرائيلية تصف أغلب شهداء غزة بالإرهابيين




.. قادة الجناح السياسي في حماس يميلون للتسويات لضمان بقائهم في