الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في كتاب -الانتفاضات العربية على ضوء فلسفة التاريخ- لهاشم صالح

صلاح الدين ياسين
باحث

(Salaheddine Yassine)

2022 / 10 / 23
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


كتاب من تأليف الكاتب السوري المقيم بالمغرب هاشم صالح، صدر في العام 2013 عن دار الساقي ببيروت. إنه بمثابة تحليل موضوعي للانتفاضات التي شهدتها بعض البلدان العربية وسميت إعلاميا ب "الربيع العربي"، إذ لم يسقط الكاتب في فخ إضفاء هالة من القدسية والمعصومية على تلك الأحداث. وبالموازاة مع ذلك لم يساير الفريق الذي يتبنى نظرية المؤامرة كتفسير وحيد ومطلق للانتفاضات العربية. فكيف يمكن مقاربة أحداث "الربيع العربي" من زاوية التحليل الفلسفي والموضوعي؟

هل يشكل الربيع العربي حدثا تاريخيا؟
إن الحدث التاريخي هو الذي يشكل قطيعة إبستمولوجية ومعرفية حقيقية قياسا إلى الوضع السابق، فهو يفصل بين لحظتين تاريخيتين منفصلتين: ما قبل الحدث، وما بعده. ومن هذا المنطلق في وسعنا أن نسوق أمثلة عن أحداث تاريخية غيرت وجه البشرية مثل ظهور الإسلام في شبه الجزيرة العربية، ناهيك ببروز حركة الإصلاح الديني، وقيام الثورة الفرنسية ونظيرتها الصناعية في السياق الأوروبي وهلم جرا. فهل يصدق وصف الحدث التاريخي على الانتفاضات التي عرفتها بعض الأقطار العربية وسميت "ربيعا عربيا"؟
إن انتفاضات الربيع العربي لا يصح وصفها بالحدث التاريخي من منظور مؤلف الكتاب، ذلك أنها عجزت عن إحداث القطيعة الإبستمولوجية الضرورية لنهوض الأمة، لكونها كرست هيمنة التيارات السلفية والإخوانية، ولم تفرز ثورة حقيقية في الذهنيات والعقول المتحجرة. وهكذا فنحن لم نراوح بعد العصبيات الطائفية وما يسميه أمين معلوف ب "الهويات القاتلة"، الأمر الذي يعيق الانتقال إلى دولة المواطَنة التي تتيح لجميع المواطنين التمتع بنفس الحقوق والواجبات، بقطع النظر عن انتماءاتهم الدينية أو العرقية أو المذهبية... إلخ.
وتأسيسا على ذلك، تبدو الحاجة ماسة إلى إعادة النظر في التمثلات السائدة عن تراثنا التاريخي والديني، وتنقيحه من العناصر الميتة والمعرقلة لنهضتنا، ومن ثم الاتجاه نحو فهم عقلاني ومستنير لنصوصنا التراثية، بما يكفل المصالحة بين القيم الكونية للحداثة والإسلام كدين ورسالة حضارية سمحة. وعليه فإن التنوير العقلي يسبق التحرير السياسي، وبتعبير أوضح وأدق، فإن الثورة الفكرية تكون سابقة على نظيرتها السياسية وممهدة لها، فلولا كتابات مفكري عصر الأنوار الأوروبي الذين أبدعوا تصورا جديدا للسلطة السياسية، على غرار جان جاك روسو، لما قامت للثورة الفرنسية قائمة.
الربيع العربي من منظور فلسفة التاريخ الهيغلية
إن تقييم الكاتب للانتفاضات العربية لم يكن سلبيا بالكامل، إذ يُحسب لها إطاحتها بأنظمة كليانية لطالما شكلت عاملا مثبطا ومعيقا للتنمية البشرية، كاسرة بذلك حاجز الخوف النفسي. كما قوض الربيع العربي أسطورة نظرية "الاستثناء الإسلامي"، والتي روج لها دعاة صدام الحضارات وطيف كبير من المستشرقين الغربيين، والقائلة بأن الشعوب العربية والإسلامية لا تملك القابلية للدمقرطة بفعل عوامل طبيعية متأصلة في ثقافتها لا سبيل إلى الفكاك منها، مما يفضي إلى اقتناع استعلائي مؤداه أن الحضارة هي نتاج غربي خالص.
على أن أهمية الربيع العربي تبرز بشكل جلي إذا ما استحضرنا فلسفة التاريخ للفيلسوف الألماني هيغل كمعطى في التحليل والتفسير. فبحسب هيغل فإن حركة التاريخ تتجه نحو غاية عقلانية وحتمية، ذلك أن الدولة الأخلاقية التي تضمن الحرية والرخاء لجميع المواطنين بوصفها تجسيدا لانتصار مشروع الحداثة الحقة هي نهاية التاريخ، أيْ أقصى مراحل التطور التاريخي الممكنة. لكن التقدم لا يمكن أن يتحقق دون صراع مع نقيضه، أي دون تجربة ومواجهة الأوضاع الموصومة بالتخلف والجمود. ومن هنا نظر هيغل إلى حقائق الحروب المذهبية والذبح على الهوية التي عرفتها أوروبا القرون الوسطى أو عصر الظلمات كمرحلة ضرورية في السيرورة التاريخية بالرغم من قسوتها وفظاعتها، إذ لولاها لما اضطر الأوروبيون إلى مراجعة تراثهم المسيحي المتزمت قبل أن يتنسموا هواء الحداثة.
وإذا ما أسقطنا فلسفة التاريخ الهيغلية على ما تعيشه منطقتنا العربية من اضطرابات، فإن الانتصارات الانتخابية التي حققتها أحزاب الإسلام السياسي لا تبدو مزعجة بقدر كبير، فطالما بقيت تلك التيارات في المعارضة فإنها ستعيق حركة التاريخ والحداثة بسبب زعمها الاتصاف بالمعصومية، فضلا عن قدراتها التعبوية الهائلة، غير أنه ما يلبث أن ينكشف عجزها وزيف شعاراتها ووعودها حين تشارك في الحكم وتصطدم باعتبارات السياسة الوضعية، وبالتالي تفقد مصداقيتها في نظر أتباعها. ومن هنا نفهم تأكيد الكاتب على أن الربيع العربي يمثل بداية انحسار الظاهرة الأصولية واندحارها، لا انتصارها كما يظن البعض.
إن تحليل صعود نجم تيارات الإسلام السياسي من منظور فلسفة التاريخ عند هيغل ينسحب أيضا على المشكلة الطائفية بالعالم العربي، إذ لطالما اعتقدت بعض الأنظمة العربية بأن إغلاق الباب في وجه النقاش العام ومصادرة التعبير الحر والتعددي بشأن تلك الظاهرة المعقدة كفيل باتقاء شر الفتن الطائفية والمذهبية، غير أن تفجرها في أعقاب انتفاضات "الربيع العربي" أبان عن محدودية المقاربة السابقة، وراهنية الانتقال إلى دولة المواطنة التي تستوعب كافة مكونات المجتمع، على أساس المساواة أمام القانون والنظام الديمقراطي كمرجعية أساسية لتدبير واقع الاختلاف والتمايز.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نور وبانين ستارز.. أسئلة الجمهور المحرجة وأجوبة جريئة وصدمة


.. ما العقبات التي تقف في طريق الطائرات المروحية في ظل الظروف ا




.. شخصيات رفيعة كانت على متن مروحية الرئيس الإيراني


.. كتائب القسام تستهدف دبابتين إسرائيليتين بقذائف -الياسين 105-




.. جوامع إيران تصدح بالدعاء للرئيس الإيراني والوفد المرافق له