الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا انقرض انسان النياندرتال

فرزند عمر
طبيب قلبية ـ ناقد أدبي ـ باحث في قضايا السلام

(Farzand Omar)

2022 / 10 / 23
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


إعطاء جائزة نوبل للطب هذه السنة للبرفسور سفانتي السويدي الأصل، الألماني الانتاج، فتحت مرة أخرى اشكالية انسان النياندرتال وأسباب انقراضه.
الدراسات تؤكد ما يلي:
- انسان النياندرتال موطنه الأساس هو أوربا
- جسدياً هو أقوى من الانسان الهموسبيان (الانسان الحالي) على الأقل ب 40% وهو كان صياداً ماهراً مقارنة مع الهيموسبيان آن ذاك قبيل انقراض انسان النياندرتال.
- دماغ انسان النياندرتال كان أكبر من دماغ الانسان الحالي بنسبة 10%
- انسان النياندرتال على ما يبدو كان ضعيفاً في تطوير مهارات فنية تخيلية، فهو لم يطور أي مهارة تدل على حسه الفني التخيلي، حتى أنه مشكوك في أنه طور مهارات اللغة والكتابة
- انسان النياندرتال انقرض وهذا مؤكد، لم يبقى منه إلا جيناته، التي اندمجت في جينات الانسان الحالي، بنسب تصل إلى 5% لدى الأوربيين، فيما تصل إلى أقل من 0.5% لدى الشعوب الأخرى
انقراض انسان النياندرتال وتركه للساحة للإنسان الحالي أثار ويثير أسئلة مهمة لم تحل إلى هذه اللحظة، فحسب تكوينه الشكلي والفيزيولوجي، وحسب ما نملكه من فهم لمسيرة التطور التنافسية التي تقول البقاء للأصلح، يحتم أن يحتل انسان النياندرتال قدرة تنافسية أعلى من الانسان الحالي، هو أقوى جسدياً، كذلك يملك دماغاً أكبر، حتى أن بنيته الجسدية مناسبة جداً لتحمل درجات البرد الشديدة، لكننا نتفاجئ أن تم انقراضه في العصر الجليدي تاركاً المجال للإنسان الحالي الضعيف جسدياً وعقلياً.
ضمن علم فيزيولوجيا الانسان وتطوره الأخير وخاصة علم الأعصاب والدماغ حدثت تطورات كبيرة في السنوات الماضية التي جعلتنا قادرين على فهم الطبيعة البشرية أكثر ومنها
- الانسان لديه مركزين للذكاء، الذكاء الرياضي المنطقي الحسابي، والذكاء العاطفي، الرياضي المنطقي الموجود في قشر المخ بينما العاطفي الموجود في جذع الدماغ أو الدماغ المتوسط، قشر الدماغ الذي يحتل الجزء الأكبر من حجم الدماغ.
- فيما قبل عشر سنوات كانت الفكرة السائدة في الأوساط العلمية أن قشر الدماغ هو المسؤول عن الحركة والتصرف لدى الانسان، بمعنى أن التفكير سابق على الحركة، فالانسان يفكر مثلاً في أن يشرب كأس ماء، ثم يقوم لينفذ هذا العمل.
- الدراسات الحديثة كشفت زيف المعلومة السابقة، خاصة دراسات الدماغ بتقنية المرنان المغناطيسي الفيزيولوجي، أثبت أنه يبدأ كل شيء في جذع الدماغ حيث مركز الذكاء العاطفي، وقشر الدماغ ليس الا مفسر ومركز تجميع للذاكرة، أي أن قشر الدماغ هو بمثابة الهارد ديسك بالنسبة للكومبيوتر لا أكثر ولا أقل.

الأبحاث التي تمت في العشر السنوات الأخيرة كانت لها موقع الصدمة في الأوساط العلمية، فهي أعادت السؤال المعضلة في أن كون الانسان حراً حقيقة، أم مسيراً قدرياً، فجذع الدماغ المسؤول عن نظام التشغيل اللارادي تبين أنه البداية لكل حركة يقوم بها الانسان، و بذلك لم يعد هناك معنى للتصنيف بأن هذه العضلة أو العضو يتحرك ارادياً كالعضلات المخططة مثلاً، وذاك العضو الذي يتم التحكم به لا ارادياً كالقلب و التنفس كمثال، الفرق بين كليهما هو أنه فيما اصطلح عليه ارادي، يقوم جذع الدماغ بعد تنفيذه المهمة بارسال تقرير لقشر الدماغ كي يتم وضعه في الأرشيف للاستفادة منه فيما بعد كقاعدة للمعلومات، بينما فيما اصطلح عليه لا ارادي لا يقوم جذع الدماغ بتقديم تقرير لقشر الدماغ.
جذع الدماغ الذي فيه مركز الذكاء العاطفي يبدو أنه هو المسؤول مسؤولية مباشرة عن حياة الانسان، وهو ذاتي التحكم بشكل كبير وغير مسطر عليه كما كان متخيلاً من قشر الدماغ بشكل مباشر، فقشر الدماغ يشكل مركزاً لتجميع ذاكرة الانسان في مواجهته الشخصية مع العالم الخارجي، ويعمل كقاعدة بيانات يمكن للدماغ المتوسط الاستفادة منه فيما بعد لاجراء بعض التعديلات الطفيفة في السلوك بشكل غير مباشر.

بالعودة هنا إلى أوربا موطن انسان النياندرتال و انقراضه، أوربا الآن الغارقة في الأرقام و الرياضيات و الحسابات و المعادلات، التي تتطلب وجود قشر دماغ يتحمل ذاك المجهود، قشر الدماغ الذي يحتل الجزء الأكبر من حجم الدماغ، كما كان دماغ انسان النياندرتال أكبر حجماً من الانسان الحالي ب 10%، أقول ربما كان مرد ذلك أن القشر الدماغي لدى انسان النياندرتال الذي ما زالت 5% من جيناته موجودة لدى الأوربي لديه حجم قشر دماغ أكبر بكثير على حساب جذع الدماغ المسؤول المباشر عن حركة و تصرف الانسان، جذع الدماغ الذي فيه مركز الذكاء العاطفي.
جذع الدماغ الذي يتولى المسؤولية بشكل منفرد دون الرجوع إلى قاعدة بياناته في قشر الدماغ في حالات الخطر، فجذع الدماغ على ما يبدو هو الموكل اليه مهمة الحفاظ على النوع، بينما قشر الدماغ هو فقط لتفسير ما يجري، و
هو ما يعرف بالوعي البشري.
معايشتي للاوربيين خلال العشر السنوات الماضية، يمكنني تلخيصها بأن لديهم تطور مهم على مستوى العقل الرياضي المنطقي، لكنهم يعانون بشكل لا يدعو للشك في ذكائهم العاطفي، فهم منظمون، ويستطيعون حل المشاكل بطريقة مبهرة على شرط أن تكون مرتبة مسبقاً، أن لا يتخللها الفوضى وأن تأتي بشكل متوقع مرصود مسبقاً، مشكلة الأوربي تبدأ في حال حدث طارئ ما، في الحالات الطارئة والاسعافية يصابون بالشلل بكل ما تعنيه الكلمة.
برأي الشخصي و معايشتي للأوربيين عبر هذه السنوات العشر، أستطيع أن أجزم بشيء يقرب من الحقيقة أن أساس سوء الفهم بيننا نحن القادمين من الشرق و بين الأوربيين ربما يكمن في هذه النقطة تحديداً، فالشرقي لديه ذكاء عاطفي أكبر بكثير مما يملكه الفرد الأوربي، و نحن نتعامل مع الخارج و نفهمه من خلال ذكائنا العاطفي بشكل أكبر مما يستطيع فعله الأوربي، فالشرقي يستطيع الحكم على الخارج و تقييمه على أنه يمثل خطر و بالتالي واجب الابتعاد عنه، أو أنه يمثل خيراً وبالتالي واجب الاقتراب منه، بينما الأوربي يقارب الأشياء بعقل منطقي في البداية ثم يولد تجاهها حالة مشاعرية التي تحتم بوجوب الاقتراب ان كان خيراً أو وجوب الابتعاد ان كان شراً.
وهنا ربما أسرد لكم مثالاً يوضح ذلك من خلال العلاقة بين الذكر والأنثى، العلاقة في أوربا بين الذكر والأنثى تبدأ بالتجريب من خلال معاشرة جنسية جسدية، تتطور فيما بعد إلى علاقة عاطفية يمكن أن تؤدي إلى شراكة من نوع ما يدوم لفترة زمنية ما، فالجنس لا يعني المحبة والعاطفة في باطنها لدى الأوربي، انها مجرد مفتاح للوصول إلى ذلك، بينما العكس من ذلك لدى الشرقي، الجنس يأتي تتويجاً لحكايات كثيرة مليئة بالمشاعر والعاطفة.

كخلاصة لكل ما سبق، أنا شخصياً أعتقد أن الانسان لديه مركزين للذكاء ان جاز التعبير، مركز عاطفي ومركز رياضياتي منطقي حسابي، كلا المركزين مهمين، ولا يمكن التخلي عن أحدهما، لكن الذكاء العاطفي موجود في جذع الدماغ حيث المركز اللاارادي الذي أوكل إليه مهمة حفاظ النوع ولذلك يصبح هذا المركز الآمر الناهي دون الرجوع إلى أي مركز آخر في حالات الخطر الشديد والحالات الاسعافية.
الأوربيين الذين ما زال لديهم 5% من جينات انسان النياندرتال، ربما يكونون المرآة الوحيدة لنا الآن التي ستخبرنا لماذا انقرض انسان النياندرتال رغم تفوقه الجسدي والدماغي حجماً التي تعطيه قدرة تنافسية أكبر للنجاة، هذه القدرة التي فيما يبدو لم تكف للنجاة والا لما انقرض انسان النياندرتال، القصور الفظيع الذي كان لدى انسان النياندرتال على ما يبدو هو الذكاء العاطفي الذي هو أساس التخيل، يبدو أن قشر الدماغ لديه كان متطوراً على حساب جذع الدماغ ولذلك حجم الدماغ كان أكبر من الانسان الحالي.
وهنا ربما يتم تفسير لماذا أولى اللغات تطورت في الشرق كذلك أولى أثار الكتابة، تلك الخاصية التي لم يستطع انسان النياندرتال تطويرها، كذلك لماذا ظهرت الديانات السماوية وكذلك الديانات اللاسماوية في الشرق، الدين الذي يمكن تعريفه في أحد وجوهه على أنه مقاربة الخارج عبر التخيل ووضع الحلول لأسئلة الوجود عبر المخيلة التي تحتاج إلى ذكاء عاطفي متطور إلى درجة ما.
نقص القدرات العاطفية تؤدي فيما تؤديه على ما يبدو إلى العزلة والفردية على حساب المجموع، لأن الاستناد إلى المنطق والحسابات يحتاج إلى زمن أكبر، وهي أصعب كآلية للتفاعل مع الخارج، وهذا ما نشاهده في أوربا، فالحذر من الآخر هو سيد الموقف، هو مدان حتى يثبت العكس، وهي أساس تنامي العنصرية في الغرب على الأقل في رأي الشخصي، بينما الشرق هناك سهولة في إطلاق أحكام القيمة في مواجهته للخارج، هي أحكام ليست دقيقة بشكل كاف لكنها ضرورية لاستمرار النوع خاصة في الحالات الاسعافية المفاجئة الظهور، كما تبينه لنا تجربة انسان النياندرتال الذي ما زال 5% من مورثاته موجودة لدى الأوربي و الذي انقرض نتيجة حالة طارئة حصلت نتيجة التغيير المناخي.
هذه الخمسة بالمئة التي أدت إلى كل هذا التباين الموجود حالياً بين الأوربي و الشرقي في ألية مقاربة العالم الخارجي، بالتأكيد قبل 40 ألف عام كانت الفروقات في الذكاء العاطفي أكبر بما لا يمكن تصوره حالياً، هذا الذكاء الضروري جداً للحفاظ على النوع و خاصة ضمن الأوضاع المصيرية الاسعافية، فالفرد الذي لم لا يمتلك قدراً كافي من الذكاء العاطفي يمكن أن يؤدي إلى هلاكه، ربما هذا بالضبط ما حصل مع انسان النياندرتال خاصة تحت ظل العصر الجليدي الذي كان انقلاباً دراماتيكياً اسعافي لم يستطع انسان النياندرتال التعامل معه رغم تكوينه الجسدي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زاخاروفا: على أوكرانيا أن تتعهد بأن تظل دولة محايدة


.. إيهاب جبارين: التصعيد الإسرائيلي على جبهة الضفة الغربية قد ي




.. ناشط كويتي يوثق خطر حياة الغزييين أمام تراكم القمامة والصرف


.. طلاب في جامعة بيرنستون في أمريكا يبدأون إضرابا عن الطعام تضا




.. إسرائيل تهدم منزلاً محاصراً في بلدة دير الغصون