الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدولة بين جدل الدين و السياسة: الدولة الصفوية نموذجا

الريكات عبد الغفور

2022 / 10 / 25
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


جاءت فترة العصر الوسيط و ما بعدها بالجديد على مستوى تأسيس الدول أو الأساس الذي تبنى عليه، و هو ما استفاض المؤرخ ابن خلدون بحيث يعتبر أن الدول خاصة في أقصى غرب القارة الآسيوية و شمال إفريقيا تقوم على الأساس القبلي و الوازع الديني.
و الدولة الصفوية بحكم ظروف نشأتها لن تخرج عن هذا الإطار العام، و لن تنفصل عن باقي الدول التي تأسست خلال القرن 16 م.
فما هي إذن الظروف الزمكانية لنشأة الدولة الصفوية؟ و كيف نجحت في التحول أو الانتقال من الطريقة إلى الدولة؟و ما التغييرات التي أحدثتها في إيران؟
ينبغي الإشارة أولا لأهمية الموقع الجغرافي الذي نشأت به الدولة الصفوية، فغرب لآسيا و حتى وسطها كان مجالا خصبا و مخترقا بتحولات عديدة على مستوى السيطرة و الزعامة و القيادة. لذلك فالدولة الصفوية كانت أمام هذه التحديات إلى جانب وجود قوة إقليمية ثابتة متاخمة لإيران و هي الدولة العثمانية.و إضافة إلى الظرفية التاريخية و التي اتسمت عالميا بتحولات عديدة و خاصة النهضة الأوروبية.
إن هذه المعطيات تفيد كل راغب في التعرف على السياق التاريخي العام لظهور الدولة الصفوية، و أيضا اكتشاف الأساس المادي الذي بنيت عليه الدولة خلال تلك المرحلة.
و هو أمر طبيعي خلال تلك المرحلة التاريخية بالذات، فالجميع كان يرى في الدين الإسلامي مدخلا أو مجالا خصبا يمكن استثماره في إثبات التفوق أو التحكم في السلطة السياسية. و لذلك فالدولة الصفوية هي جزء من هذه الفلسفة التنظيمية. بحيث يرجع المؤرخون أصل الصفويين إلى أحد فروع بلاد فارس و الذين انتقلوا للاستقرار في أذربيجان و تحدثوا اللغة الاذرية كما تبنوا الصوفية كمرشد للعمل .
و من أجل اكتساب الشرعية فقد ادعى الصفويون بأنهم ينتسبون مباشرة إلى الإمام علي بن أبي طالب (إمام الشيعة الأول)، بحيث يبدأ تاريخهم بقيام صفي الدين أردبيلي بتأسيس حركة دينية صوفية تدعى الزاهدية، و هي التي تحولت فيما بعد إلى اسم الصفوية.
و استمرت الطريقة الصوفية التي نهجها الصفويون في الانتشار بآسيا الغربية و اعتبرت طريقتهم الدينية الأكثر مرونة بل أنهم نجحوا فيما بعد بأن ينشروا مذهبهم الشيعي الاثنا عشري و جعل الإسلام الشيعي الدين الرسمي في جميع أنحاء إيران.
بعد صفي الدين تولى ( صدر الدين موسى ) قيادة الحركة التي تحولت الى حركة دينية انتشرت في كل من آسيا الصغرى وسوريا, ومنه انتقلت قيادة الحركة الى ابنه ( خواجه علي ) الذي سلمها بدوره الى ولده ابراهيم . عندما تولى الشيخ جنيد، ابن إبراهيم تسلم القياده عام م1447 فإن تاريخ الحركة قد تغير لآن الشيخ جنيد لا يكتفي بالسلطة الروحية وسعى إلى امتلاك القوة المادية . في ذلك الوقت،
وحين قتل الشيخ جنيد خلفه ابنه ( حيدر الصفوي )على القياده وتزوج من ابنة اوزون حسن التي ستلد اسماعيل الصفوي الأول . بعد وفاة اوزون حسن شعر إبنه يعقوب بتعاظم قوة الصفويين فقام بقتل حيدر الصفوي عام 1488 . بوصولنا الى هذا الوقت كانت الغالبيه العظمى من الصفويين هم من البدو الترك تطلق عليهم تسمية ( قزلباش ) بسبب القبعات الحمراء التي كانوا يرتدونها ، وكانوا مقاتلين اشداء يتبعون حيدر على انهم الجيش الصفوي باحثين عن القوة السياسية ، وبعد مقتل حيدر إلتفوا حول ابنه ( علي ميرزا الصفوي ) لكن يعقوب تمكن من استدراجه وقتله كما قتل والده ، حين كان علي ميرزا يحتضر أوصى بقيادة الحركة الى أخيه اسماعيل.
و رغم كل المحاولات لإقبار الحركة الصفوية كحركة دينية إلا أنها استطاعت الصمود و الاستمرار. و قد كان لذلك تأثير على سيرورة تحولها من حركة دينية إلى حركة سياسية. وذلك من أجل حسم عملية الاستيلاء على السلطة في إيران من قبل العائلة الصفوية ومن ثم تفعيل التعبئة المذهبية ضد العثمانيين في زمن الصراعات التوسعية ذات الطابع الديني.
و الأكيد أن هذا النجاح في الاستمرار بالنسبة للحركة الصفوية ما كان ليتحقق لولا الظرفية السياسية التي كانت تميز إيران، و خاصة بعد انهيار الإمبراطورية التيمورية (1370-1506) وكانت فارس منقسمة سياسيا، مما أدى إلى ظهور عدد من الحركات الدينية. خلق زوال السلطة السياسية لتيمورلنك جوا ساعد الحركات الدينية على النشاط وخاصة الشيعية منها، حيث يمكن أن تأتي الآن إلى الصدارة وكسب الشهرة. من بين هؤلاء كان الشاه إسماعيل وبصحبته الجيش الصفوي ( القزلباش ) حيث أسس الدولة الصفوية في عام 1501 ونجح أن يوحد تحت حكمه أراضي شاسعه تأسست كدويلات أيام سقوط الإمبراطورية التيمورية.
اسماعيل شاه الأول وبسبب جدته اليونانية فقد كان يتكلم اليونانية منذ طفولته , أما أصله فهو خليط من الأذري والكردية واليونانية , متحمساً لتشيعه حيث أعلنه الدين الرسمي للدولة , شجاعاً , ولديه اعتقاد راسخ بأنه من أصل رباني.
و اعلان التشيع دين رسمي للدولة أدى الى إعلان عدد من الأوامر والقرارات لحث الناس على التشيع ، من ناحية اخرى حث الكثير من الفرق الدينية للإعلان عن نفسها وتبيان مواقفها من بين هؤلاء الإمام محمد بن اسماعيل وعلى الرغم من كون فرقته فرقة سنية، إلا أنه قرر أن يتشيع بعد صعود الصفويين الى الحكم.
الأكيد أن إيران عانت سابقا من التفكك السياسي فكانت الفرصة سانحة لكل الحركات الدينية من أجل محاولة بسط سيطرتها لكن التأطير الديني الصارم كان له انعكاس قوي على الصفويين بشكل عام و على شاه اسماعيل بشكل خاص، و الذي نجح في تأسيس الدولة الايرانية بعد خوض صراع عسكري مع المنافسين و تجميع الناس حوله بحيث رأوا في شخص الشاه إسماعيل المنقذ من الشتات و الفوضى التي عمت في البلاد .
و بفضل الشاه إسماعيل أصبحت الدولة الصفوية بإيران أحد الأقطاب السياسية القوية و المتاخمة للامبراطورية العثمانية.
و رغم أن الدولة الصفوية امتدت زمنيا لما يناهز 230 سنة، لكنها نجحت في توحيد الشعب الايراني ليس فقط سياسيا بل دينيا أيضا، بحيث اجتمع الايرانيون على مذهب ديني واحد و تجاوزوا حالة الشتات التي عاشوها فيما قبل.
ناهيك على كون الحركة الصفوية تعتبر نموذجا يمكن استثماره في فهم طبيعة الدول الدينية و أسس نشأتها، فهي لم تكن الأولى في هذا المجال و الاكيد لن تكون الاخيرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القضية الفلسطينية ليست منسية.. حركات طلابية في أمريكا وفرنسا


.. غزة: إسرائيل توافق على عبور شاحنات المساعدات من معبر إيريز




.. الشرطة الأمريكية تقتحم حرم جامعة كاليفورنيا لفض اعتصام مؤيد


.. الشرطة تقتحم.. وطلبة جامعة كاليفورنيا يرفضون فض الاعتصام الد




.. الملابس الذكية.. ماهي؟ وكيف تنقذ حياتنا؟| #الصباح