الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العقل العربي...العقلانية الغربية

بسام خلف

2022 / 10 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


العقل العربي..... العقلانية الغربية
لاحظ الفيلسوف التونسي فتحي المسكيني في احدى محاضراته، أنه من التعسف أن نقارن أو نقابل بين الإسلام والحداثة. كلما حاولنا دراسة ظاهرة أو قيمة أو مفهوم ما جاءت به الحداثة، كالحرية، الفردانية, الديمقراطية الخ....نعود الى تراثنا و نبحث فيه على مفردات, مفاهيم و أفكار توافق أو تفارق ما جاءت به الحداثة. فننقسم الى فريقين. حداثيون ومستشرقون ينفون تواجد هذه القيم حتى و ان كان ذلك بمسميات أخرى. بينما يذهب الإسلاميون بشقيهم التقليدي و السياسي الى أن هذه القيم قد جاء بها الإسلام، يكفي ان نحفر في تراثنا حتى تتضح حداثته قبل الحداثة. و هكذا نزعم أن ابن خلدون عقلاني و أبو ذر يساري و المعتزلة تنويريين..... نقاش يستهوينا. كتبت فيه مجلدات تتنصر لهذا الرأي و أخرى تنتصر لعكسه ( الجابري و طرابيشي مثالا). يعترض فتحي المسكيني منهجيا عن هذا الطرح. لا يستقيم أن نقارن بين اسلام مجرد ليس له توقيع تاريخي و مقارنته بشكل فج مع العصر الحديث تحت توقيع الغرب, تضع الإسلام في مواجهة الغرب أو الحداثة و تاريخهما و كأنهما ظاهرتان متزامنتا. و من هنا, اتبع فتحي المسكيني في مناقشته لمفهوم الفرد و الفردانية أن قدم مسيرة هذه القيمة تاريخيا في المجال الغربي. قدم التعريف اللغوي لنكتشف التقابل بين جذوره اليونانية و اللاتينية. ثم استعمالاته الأولية التي كانت بالأساس بيولوجية لتتحول الى أخلاقية مع كانط. واصل المسكيني في قراءة هذا المفهوم عبر التاريخ الغربي وصولا الى أطروحات ما بعد الحداثة. ثم انتقل الى تاريخنا, و بحث على ما يشابه مقولة الفرد عندنا. و ناقش شخصية الصعلوك و حدودها. و غير ذلك من التراث الصوفي و الشيعي الى غير ذلك. في نهاية الأمر لم يقدم جوابا لهذا السؤال. و كان استنتاجه أننا في حالة هشاشة فكرية, لأننا لم نخلق نظام الخطاب كما قال فوكو.
لست أدري هل اطلع الأستاذ المسكيني على كتب المفاهيم لعبد الله العروي, أطرح هذا السؤال لأنني لاحظت توافقا كبيرا بين المقاربتين.
منذ عقود كتب العروي في الأيدولوجية العربية في التاريخ عامة في تاريخ الأفكار في المفاهيم. عارضه العديد انتصارا للتراث فدافعوا على ابن رشد و ابن خلدون و غيرهم. كان يتألم لأنه كان من أكثر المتطلعين على عبقرية هؤلاء. لكنه يقول ببساطة أن التاريخ تجاوزهم كما تجاوز طب ابن سينا. و حتى الذين تأثروا بأفكاره و انحازوا لها. انكبوا في شرح و شرح الشروح لأفكاره و أطروحاته. مع أن العروي نفسه كان ينقد بشدة الشروح و يدعوا الى الدخول في مغامرة الابداع اعتمادا على أفكاره. وقد قال و هو في حالة احباط. أفكاري معروفة, طرحتها للجميع. و للكل الحرية في طريقة التعامل معها.
كل من قرأ العروي بعيدا عن الأفكار المسبقة و بعيدا عن الانحياز الأيديولوجي لهذا الجانب أو ذاك سيلاحظ أن كل فكره يحوم حول ثلاثة مرتكزات. أولا مسار التاريخ و تراكم التجارب. ثانيا القطيعة مع الماضي كحل للواقع. ثالثا العقلانية و هي تجاوز منطق الفكر الى منطق الفعل.
من هذا المنطلق و حتى لا أكون شارحا للعروي و في نفس الوقت مستفيدا من منهجية المسكيني. أطرح في ما يلي مناقشة إشكالية العقل و العقلانية.
المسلمات التي أنطلق منها و لا لأحد أن يشكك فيها. الغرب المسيحي بعد مخاض طال لقرون أنجز تقدما على كل الأصعدة جعل منه اليوم بكل المقاييس الحضارة المهيمنة على الكون كما كانت روما و بغداد في وقت من الأوقات. حضارتنا العربية الإسلامية دخلت في عصور الانحطاط انتهت بالاستعمار وما نحن عليه اليوم من تأخر بعد الاستعمار.
لنقرأ بداية المسار التاريخي الذي أنتج حداثة في الغرب المسيحي.
يقول مارسل قوشى المؤرخ و الفيلسوف الفرنسي في وصف المجتمعات الغربية ما قبل الحداثة, أنها مجتمعات دينية. و يتجلى ذلك في عدة مظاهر, منها أن نظام حكم يستمد شرعيته من الدين. هدفه تلبية "رغبات" الاه ميتافيزيقي, يفرض أحكامه و شرائعه. و منها اللا مسواة بين البشر. منهم من هو قريب جدا من المقدس و منهم من هو بعيد عنه, يصنفون أقرب للحيوانات منهم للبشر (الهنود, العبيد, سكان المستعمرات). ثم علاقة المجتمعات مع التراث. حيث أن ما جاء به الدين كما يمثلونه هو المنشود. طرح قوشي هو أن الحداثة جاءت منذ القرن السادس عشر للقطع نقطة بنقطة مع هذا النظام. الحداثة الغربية هي الخروج من الدين أو القطيعة مع الدين. لين الدين كمنظومة ايمانية بل كنظام يأطر حياة المجتمع. و هكذا تحول النظام السياسي من سلطة فوقية تستمد شرعيتها من قوة ميتافزيقية خارجية الى نظام سياسي يستمد شرعيته من تمثيليته للمجتمع. مجتمع تسوده المساوات بين أفراده. لا مساوات في الوضع المادي. مساوات في الحقوق و الواجبات. أصبحت قيمة الفرد مقدمة على قيمة المجموعة و تحولت الشرائع التي كانت تستمد قوانينها من منظومة مقدسة مسقطة لا تناقش الى قوانين تكرس منظومة حقوق الانسان. لم يحصل هذا بين ليلة و ضحاها, و لا بطريقة سلمية سلسة. أكثر من أربعة قرون من الصراع و الحروب حتى تترسخ هذه القيم و تصبح محل شبه اجماع.
هذا الوضع الجديد, يستدعي عقلا جديدا. انتقلنا من عقل يتعامل مع منظومة مقدسة مسقطة يحاول تأوليها و "الاجتهاد" ليجعلها تلبي حاجيات و اكراهات الواقع المتغير ضرورة. الى عقل حر يضع منظومات سياسية تشريعية اقتصادية و ثقافية. و عند التطبيق يقيم نجعتها و لا يرى أي ضرر في تحويرها أو تغييرها لا يقيده الا بعض المبادئ. حقوق الانسان, فصل السلط, التداول السلمي على السلطة. هذا العقل هو عقلانية ينطلق من الفعل و يخضع لمنطقه منطق القول و الكون. كل ما كتبه عبد الله العروي هي محاولة لعرض, شرح وتفسير هذه البديهية. و كما قال ما أصعب التقيد بالبديهيات.
السؤال الان هل استعاب المثقف العربي الحداثي هذه البديهية و ثار على العقل التأويلي الاجتهادي و نادى الى عقلانية إبداعية أساس تقدم الغرب و تأخرنا ؟
الشواهد عديدة على أنهم لم يستوعبوا أسس الحداثة. يتشدق الحداثيون بأن بورقيبة زعيم الحداثة و العلمانية بما قام به من ثورات تشريعية و سياسات تقدمية. غاب عنهم أو تجاهلوا أن التشريع البوقيبي في مجال الأحوال الشخصية ما هو الا اجتهاد فقهي إسلامي. فيه كثير من الجرأة و لا يأخذ بورقيبة السياسي لأنه مقيد بإكراهات الإنجازات العملية. على عكس المثقف الحر الذي لا يجب أن يتلاعب بالمفاهيم و الحقائق. لم يكن المثقف الليبرالي جريئا أو لم يكن متمكنا من أسس الحداثة حتى يقول أن بورقيبة سلفيا كما كان محمد عبده و الطاهر الحداد سلفيين.
اللجنة التي استدعاها الباجي قائد السبسي لتنظر في قانون المواريث في تونس بهدف تنقيح القانون و تكريس المساوات في الميراث بين الابنة و الابن. ذهبت هذه اللجنة في تعليل وجوب تحوير القانون أنه ما يعتبر نصوص قطعية الدلالة هي ليست كذلك. كما أنهم دافعوا على المساواة من منطلق حقوق الانسان كما هو مكرس في الدستور في ما شهدته الحضارات الإنسانية الحداثية. بقيت مناقشاتهم عقلية متعالية لم يلتفتوا للواقع و لو فعلوا ذلك لأثاروا قضية الضريبة على الميراث التي من شأنها تكرس إعادة توزيع الثروة. كذلك لو عادوا للوضع الاجتماعي لاقترحوا اخراج المنزل العائلي و الحساب البنكي من القسمة لتكون من نصيب الزوجة. أكتفي بهذه الأمثلة. هكذا نفكر كان ذلك في السياسة في التشريع في الصناعة في التجارة في كل المجالات.
السلفي هو من يعود الى مثال سابق مهما كان هذا المثال. يتقيد به يحاول يجتهد عند الحاجة بإعادة تأوليه. عقل ما قبل الحداثة. تجاوزه الغرب. دفع الثمن غاليا. غادر عقل الاجتهاد. دخل مغامرة عقل الابداع. العقلانية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأييد حكم حبس راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس 3 سنوات


.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع




.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية


.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا




.. 161-Al-Baqarah