الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشكالية الدولة في المجتمعات الإسلامية 2

علي وتوت

2006 / 10 / 4
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إن المسلمين بعامة يميلون غالباً إلى الاعتقاد أن النبي (ص) كان ملكاً رسولاً، وأنه أسس بالإسلام دولة سياسية مدنية، كان هو ملكها وسيدها. لعل ذلك هو الرأي الذي يتلاءم مع ذوقهم العام، ومع ما يتبادر من أحوالهم في الجملة، ولعله أيضاً هو رأي جمهور العلماء من المسلمين، فانك تراهم، إذا عرض لهم الكلام في شيء يتصل بذلك الموضوع، يميلون إلى اعتبار الإسلام وحدة سياسية، ودولة أسسها النبي (ص). وكلام الماوردي في (أحكامه السلطانية)(1 )ينحو ذلك المنحى، إذ جعل الخلافة حراسة الدين وسياسة الدنيا، في حين يؤكد ابن خلدون في (مقدمته) أن الخلافة التي هي نيابة عن صاحب الشرع في حفظ الدين وسياسة الدنيا، شاملةً للملك، والملك مندرجاً تحتها(2 ).
ولم يعد هناك شك في أن النظام الذي أقامه رسول الله (ص) والمؤمنون معه في المدينة يمكن وصفه بأنه (سياسي)، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى(3). لقد أقام الرسول الكريم (ص) عند هجرته إلى المدينة المنورة أول نظام سياسي يجسد وحدة جميع أفراد المجتمع في (الدولة/المدينة) في (يثرب)، وذلك تحت فكرة (المواطنة)، إذ عقد الرسول (ص) اتفاقاً مع المسلمين، من المهاجرين والأنصار ومع القبائل اليهودية ومع المشركين في المدينة. فاتـفق معهم على حماية بعضهم الآخر من أي اعتـداء خارجي قد يقع على المدينة وكذلك اتفق معهم على حرية كل فئة في معتقداتها، ولكن اليهود خالفوا العهد وتعاونوا مع مشركي المدينة ومشركي مكـة ضـد المسلمين فانتهى ذلك الاتفاق الذي أطلق عليه اسم (صحيفة المدينة). ونلاحظ أن الرسول (ص) وصف المسلمين واليهود وغيرهم ممن دخلوا في الاتفاقية بأنهم أمة من دون الناس بمعنى إنهم جماعة لديها اتفاق يخصها دون غيرها، وهذا يتطابق مع مفهوم المواطنة القائم على أتفاق دستوري بين أفـراد المجتمع الواحـد(4 ).
لكن شيئاً لم يذكر عن شكل الحكم بعد الرسول، وهو ما قاد في ظننا إلى خلافات كبرى لا زالت محل جدل كبير بين المسلمين لغاية الوقت الحاضر. فمن الجدير بالملاحظة أنه ومنذ بداية نشوء السلطة السياسية في الإسلام بعد وفاة النبي (ص) كان السؤال المتقدم الملحّ: (مَنْ يحكم ؟)، بمعنى أي قبيلة أو عشيرة سوف تحكم، وتأخر السؤال السياسي الأكثر أهمية وموضوعية: (كيف يكون الحكم بعد النبي في الدولة الجديدة ؟ بأي منهاج وبرنامج استنباطاً من مباديء الإسلام السياسية التي جاءت عامة مرنة تتطلب التحديد والتقنين ؟) هكذا حولّت (ذاتيـة) القبيلة مسألة الحكم في تاريخ الإسلام من (موضوع) الحكم، كيف يؤسس ويُدار.. إلى (ذاتيـة) الحاكمين: مَنْ يكونون، من أي عشيرة أو قبيلة، وأي (ذات) منهم تفضل (الذات) الأخرى(5 ).
وعلى الرغم من أن العقيدة الإسلامية منذ ظهورها، وكما يؤكد أحد الباحثين الغربيين، لم تعترف قط بأي فصل أو تمييز بين المؤسسة السياسية والمؤسسة الدينية، أي الدين والدولة( 6)، كما فعلت المسيحية، فقد ظلت مسألة الخلافة تشكل معضلة لم تحل اشكالياتها لغاية الوقت الحاضر. فالخلافة لدى المسلمين هي كما يقول ابن خلدون: حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها، إذ أحوال الدنيا كلها ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة، فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به(7 ).
ـــــــــــــــــــــ
(1) المقصود هنا كتاب أبي الحسن الماوردي (الأحكام السلطانية والولايات الدينية) وبهامشه أقباس الأنام في تخريج أحاديث الأحكام، تحقيق: خالد رشيد الجميلي، بغداد، دار الحرية للطباعة، 1989
(2) محمد عمارة: الإسلام وأصول الحكم لعلي عبد الرازق، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر،1972، ص 146
(3) محمد ضياء الدين الريس: النظريات السياسية الإسلامية،القاهرة، مكتبة دار التراث، ط7، 1979، ص 27
(4) منصور الجمري: المواطنة الفاعلة، موقع البلاغ، http://www.balagh.com/mosoa/ejtma/1k1ebntm.htm
55) محمد جابر الأنصاري: تكوين العرب السياسي ومغزى الدولة القطرية، مدخل إلى إعادة فهم الواقع العربي، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، ط 3 ، 2000 ، ص26
(6) بيري أندرسون: دولة الشرق الاستبدادية، ترجمة بديع عمر نظمي، بيروت، مؤسسة الأبحاث العربية، 1983، ص 18
(7) عبد الرحمن بن خلدون: المقدمة، العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاشرهم من ذوي السلطان الأكبر، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ب. ت.، ص 338









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا تلوح بإرسال قوات إلى أوكرانيا دفاعا عن أمن أوروبا


.. مجلس الحرب الإسرائيلي يعقد اجتماعا بشأن عملية رفح وصفقة التب




.. بايدن منتقدا الاحتجاجات الجامعية: -تدمير الممتلكات ليس احتجا


.. عائلات المحتجزين الإسرائيليين في غزة تغلق شارعا رئيسيا قرب و




.. أبرز ما تناولة الإعلام الإسرائيلي بشأن تداعيات الحرب على قطا