الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مولد الآلهة الجديدة -أشا-

اتريس سعيد

2022 / 10 / 30
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


مرت ساعة على تحولي، بدأت عملية التحول في هذه الليلة، ليلة الحكمة، ليلة الحماقة، ليلة الإيمان، ليلة الجحود في هذه الليلة، ليلة النور، ليلة الظلمة، ليلة في ربيع الأمل، ليلة في شتاء القنوط، ليلة رسمت كل شيء، ليلة لم يكن فيها شيء، ليلة عرجت بها إلى الجنة، ليلة هبطت فيها إلى الجحيم
إنني إبليس أرقص على أنغام البؤساء، مستمتعًا بشكلي الجديد و قرنيني المتقوسين و سواد عيناي الحالكين، بدأ الخُبث الدفين بالتبرعم و التولد، من الواجب عليّ ان أكون خفيا و هذه هي مهمتي العظمى، أن أكون بين الجميع و بهم و من دون أن يشعر بي أحد، سأبدا لياليّ المتوشّحة بالسادية، سبعة و عشرون ليلة، همست في أذن ذلك التافه الوضيع ”هل تستطيع أن تتكلم بحرّية مطلقة عن النعم الربانية؟ و خصوصا عن نعمة ”حرية الإختيار “ التي خصّصت لكم يا بني البشر؟ و هل تعلم أن من يُهمل النعم يجازى بفقدها؟“.
إكتملت شيطانيتي بعد الليلة السابعة و العشرين، أخذت دواتي و قلمي و نيف وسبعون ورقة وبدأت رحلتي الخيالية و رحلت إلى قرية يزرع النساء فيها الحصى ليروونها بالنار بعدها يقمن بإرضاع أطفالهن من العلقم، وصلت إلى دار العبادة في تلك القرية، دفنت أوراقي و قلمي و الدواة، عندها باغتني راهب معروف بخيانته فسألته عن مكان قصر السلطان الذي عاهد الكهنة بسلطانه المتكفل بالقرية و من فيها و ما عليها، رد الراهب ”يا بني إن هذا هذا السلطان الذي تسأل عنه قد إعتزل الناس لأكثر من سبعة سنين إتخذ سردابا رطبًا كملجأ له، يعمل على ملهاته العظمى، يصنع تحفته الفنية، نطرق بابه يوميًا و لا جواب، ندعوه لقضاء حوائجنا، يسمع و لا يلبي أحدًا، بني هل تعرف الفرق بين الحب و الهوس؟“.
”لا“
”حسنا هل تعرف الفرق بين الهوس و الرغبة؟“، هززت رأسي نافيًا، أشر الراهب إلى جهة الشرق بتخاذل، إختفيت من عنده و ظهرت عند باب سرداب السلطان، فتحته و دخلت خلسة، سمعت قهقهته ثم رأيت بأم عيني خياله الرهيب و خلفه إمرأة فائقة الجمال، عينيها خضراوتان و يتخللهما اللون الكستنائي، شفتان مرسومتان برحيق زهرة جبلية نادرة، نهديين نديين، جلد خمري مثير و يبدو لي أنه أنعم من ريش الطواويس، إمرأة لا يمكن لعين أن ترى غيرها، تطمح كل النساء بأن تكون بكمالها،صرخ السلطان ”أشا .“، إختبأت بزواية مظلمة، شهقت المرأة.”خذي هذه الأفكار و الأيديولوجيات، ليكن لك رأي يميزك“، تساءلت بيني و بين نفسي، لا يمكن أن تكون الأيديولوجية ذات معنى فريد و مطلق فقط و لكنها أيضا قد تكون كالإناء الفارغ قابل لإستيعاب أي معنى محتمل غير معناه الإساسي، نفث السلطان بغبار ذهبي من كفه على أنف "أشا" البديع صحت و فتحت عينيها الساحرتين على إتساعهما و سجدت لربها، مسح السلطان على رأسها ”ستكونين محبوسة هنا حتى نهاية الأيام "تقدسينني و تعبدينني“، ظلت ساجدة حتى خرج السلطان لقضاء حاجة تخصه، ظهرت من مخبئي و همست في أذن "أشا " ”هل من دواء لداء الوعي يا معبودتي؟ هل من دواء له غير صرف النظر عنه و دسه في طيّات النسيان؟“
قامت من سجودها و رمقتني بنظرة ساذجة، لعبتُ بذيلي العذري و نامت هي على قدماي، أكملت الهمس لها في سباتها فكرة خبيثة تلي أختها الأكثر منها خبثا، سمعت صوت خطوات السلطان الثقيلة و هي تقترب، غصت في الطين لأتوارى عن أنظاره و أيقظت مشاعر الكره "أشا "تفوّهت و البغض واضح تجاه ربها لأول مرة ”أنني أنكرك“، غضب السلطان و قيّدها بسلسلة حديدية ضخمة.و وضع قدرا أسودا على حومة بركانية لجمة ملأه بحديد منصهر ليضع " أشا " فيه، ظهرت أنا إبليس من الطين أسفل السلطان، إختل توازنه فسقط في القدر، نعم قتلت السلطان، فككت قيد "أشا " و أخرجتها من السرداب و إختفيت بعدها، إجتمع أهل القرية حولها، هبطوا برؤوسهم و سجدوا "لأشا " إنبهارا بجمالها الآخاذ، إنه مولد آلهة جديدة حفرت بالقرب من دار العبادة لأخذ قلمي و الدواة الورق، وكتبت"سلام على الذي إنهدّ جدار روحه و لم يطلب من أحدا أن يقيمه، سلام على الذي أخفى ما يتقلّب في صدره و بحرقة، سلام على الذي أقبل بإبتسامة كي لا يريهم نعيّه، سلام على الذي إنزوى و أعتزل حينما جزع و صمت حيثما عزّ الكلام، و ضحك حينما إشتعل البكاء، سلام على الذي زرع و إجتهد و لم يكن له من الحصاد شيء، سلام على الذي مشى ساعيا للنصر و لم يحالفه، سلام على الذي قامت أمامه حظوظ الآخرين و سقط حظه، سلام على الذي قاوم يوما و بكى ليلا، سلام على الذي أمضى عمره يستدعي قوّته و يرجوها، سلام على الذي سكت عنهم خشية أن يحرجهم، على الذي كف آذاه و بلغه آذاهم، على الذي حفظ وفاءً لهم و لم يحفظوا له وفاء، سلام على الذي أتاهم بنوره و ذهبوا عنه تاركين له الظلام، على الذي بقي أبيضا بين السواد، على الطيب الرقيق، على الذي إختار له لونا واحدا و ذيل و قرنين و خُبث يقيه من شرور العالمين، السلام على الشامخ، على الثابت، على الحقيقي بين الزيف“
نعم سلّمت الكتاب" لأشا "المرتاحة على عرشها لتقرأه على مرديها وعبادها، سألتني و هي ترتعد ”ماذا تفعل يا سيدي من الصباح إلى المساء؟“، أجبت ”أتحمل نفسي يا أشا “، قبّلت يدي
_سيدي أنا مبللة، ثم خلعت ثيابها وتجردت تماما من أي ملبس وكأنها تزيح ظلام عن النور حتى شع جسدها أمامي وتلألأ. شعرت بنشوة غريبة وهي تعطيني ظهرها وتمشي ذاهبة إلى السرير بإهتزاز ردفيها كموج البحر، إستلقت وهي تعدل جلستها فاتحة ساقيها
_ أكسيرك يا سيدي، الإتحاد قبل الرحيل، ماء العماد، كما قلت لي، لا تأتيني إلا وأنتي مبللة
_ لا تعذبني يا أشا
شعرت بغصة قوية بقلبي، فقد بدأ التحول الذي أبدا لم يكن خياري، فأصبحتُ بعدها في مكتبتي (الفردوس المفقود) ملقى إلى جانبي وسط سكون الليل وضوء خافت مثلما كان قبل القراءة، رجعت إلى ماضي الذي أحاول الهرب منه، أبكي، و إذا بالماضي ينهار علي أنا إبليس
أنا إبليس يامعبودتي آشا لا توبه لرجيم إلا بين نهدي عاهرة
أما أنتي فقد إمتلكتي الفضيلة في مدن الحرام








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سرّ الأحذية البرونزية على قناة مالمو المائية | #مراسلو_سكاي


.. أزمة أوكرانيا.. صاروخ أتاكمس | #التاسعة




.. مراسل الجزيرة يرصد التطورات الميدانية في قطاع غزة


.. الجيش الإسرائيلي يكثف هجماته على مخيمات وسط غزة ويستهدف مبنى




.. اعتداء عنيف من الشرطة الأمريكية على طالب متضامن مع غزة بجامع