الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البدو والحضر..وظاهرة تقديس الاضرحة والمزارات...

محمد اسماعيل السراي

2022 / 10 / 31
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ان من طبيعة الحضريين ان تشيع لديهم ظاهرة تقديس وتبجيل المزارات والاضرحة المقدسة. ولذا نلاحظ ان اهل الجنوب (الشراكوة، اي الشروقيين نسبة الى القبائل القاطنة شرق العراق) هم من اكثر قبائل المجتمع العراقي زيارةً لهذه الاضرحة والمزارات والتبرك بها، اكثر من القبائل الذين هم من اصول بدوية او حديثي عهد بالبداوة. ولو لاحظنا فأن المزارات المقدسة المهمة لأئمة اهل البيت تتوزع في مناطق بدوية او شبه بدوية في غرب العراق تقريبا سواء المنطقة الفراتية او الجزيرة. فنجد ان مرقد الامام علي يقع في النجف ومرقدي الامامين الحسين والعباس يقعان في كربلاء وكذلك جملة من اصحاب الحسين، وان ضريحي أئمة سامراء علي الهادي و الحسن العسكري يقعان في مدينة سامراء. وهذه مناطق غربية تقع غرب العراق، وتسكنها قبائل حديثة العهد بالبداوة كسامراء والمنطقة الغربية التي وفدتها قبائل بادية الشام، وكذلك قبائل النجف وكربلاء التي وفدتها قبائل بدو الجزيرة العربية، وان كانت هذه القبائل اقدم عهدا في الهجرة الى العراق من قبائل الجزيرة، لكنها اقرب عهدا بالبداوة من قبائل الجنوب، كما يذهب الى ذلك الرأي المفكر علي الوردي* . وسنجد هنا ان هذه القبائل سواء في سامراء او كربلاء والنجف قبائل بدوية خشنة الطباع لا تميل الى تقديس الاضرحة كثيرا كما قبائل الجنوب الشراكوه، فمعروف عن اهل سامراء وماحولها انهم من المذهب السني، وكذلك حتى شيعة سامراء فهولاء القوم كما هو معروف انهم قليلي الزيارة والتبرك بهذه الاضرحة التي اصبحت بعهود معينه شبه مهجورة من الزائرين والمتهجدين والمتبركين بها حتى شاع بين شيعة العراق هذا القول بان ليس غريب طوس-ويقصد به الامام الرضا الذي يقع ضريحه في ايران- هو الغريب، بل ائمة سامراء هم الغرباء ، كون ضريحيهما يقع في بلدة غير معروف عن اهلها زيارة الاضرحة المقدسة والتبرك بها. وايضا نلاحظ ذلك الجفاء عند النجفيين والكربلائيين بانهم بالرغم من وجود هذه الاضرحة في مدنهم وانهم اغلبيتهم من المذهب الشيعي، الا انه وكما سمعت كثيرا من الشيعة الجنوبيين، ان اهل النجف وكربلاء اقل الناس زيارة لهذه الاضرحة المقدسة، واعتقد هنا ان طبيعة القبائل التي تسكن تلك الجغرافيا سواء في سامراء او النجف وكربلاء كونها من منحدر بدوي او قريبة العهد بالبداوة فهي لازالت متطبعة بطابع البداوة ذلك في عدم تقديس او شيوع تقديس واقامة الاضرحة والمزارات في مواطنها القديمة لذلك هي غير معنية شيئا ما بالتردد والتبرك بتلك الاضرحة، عكس الافراد من القبائل الشروكية والتي اغلبها من اصول حضرية عراقية من السهل الرسوبي او هي خليط من قبائل عربية بعيدة العهد بالأصول البدوية ومن اقوام عراقية قديمة تفاعلت وانتجت هذا الخليط العراقي القومي الذي يميل في هذه الجزئية كثيرا الى تقديس الاضرحة والمزارات، والذي اكتسب هذه الخاصية ارثاً من حضارات عراقية قديمة كانت تشيع فيها ظاهرة تعددية الاديان وتعدد الالهة وبالتالي تعدد مزارات هذه الالهة قديما، وانتشارها في نواحي الحضارة القديمة التي كان المجتمع العراقي القديم يتبرك بها لذلك انعكس هذا التاريخ الروحي على معتقداته الجديدة بعد وفود الدين الاسلامي الى ارض العراق. وايضا سنجد ان مرقد الإمامين الكاظميين يقع جغرافيا في مدينة الكاظمية في بغداد، لكن الكاظمية مدينة حضرية تختلف عن مناطق ومدن غرب العراق والفرات الاوسط لذا سنجد ان المجتمع في الكاظمية دائم الزيارة والتبرك بضريحي الاماميين الكاظمين كون هذا المجتمع الحضري تشيع لدية ظاهرة التقديس تلك، بالضبط كما هو شائع لدى قبائل اهل الجنوب في السهل الرسوبي .
ومن المعروف ان زوار الاضرحة والمزارات في تلك المناطق الغربية والمحافظات غرب العراق المشار اليها اعلاه هم اغلبية الشيعة من اهل جنوب العراق اي الشراكوه بالتعبير العامي ، ولكن لم يكتفي هولاء القوم بزيارة تلك الاضرحة المهمة فقط والتي افتقدتها مناطقهم الجغرافية، لسبب يستحق الدراسة والبحث، لذلك هم عمدوا لخلق اضرحة ومزارات وان كانت اقل شأنا من اضرحة الائمة، كمقامات لشخصيات دينية او(السادة) اي الافراد العادين من الناس ولكنهم من المنتسبين دمويا الى نسل النبي محمد حيث يعتبرون من اصل دموي ارقى واكثر قدسية. لذلك تقام لهم الاضرحة والمقامات او المزارات وتقدم النذور في حضراتهم ويتم التبرك بهم كما يفعلون ذلك مع اضرحة اهل البيت . والاكثر من ذلك ان هنالك مزارات لاعلاقة لها بشخوص مقدسين بل هي اشياء مادية نالت القدسية، كذلك المزار الذي شاعت زيارته مؤخرا، لعجلة قديمة عاطلة عبارة عن جرار زراعي( دركتل) حيث يتبرك به الاهالي وتعلق عليه قطع القماش( العلك) وتقدم له النذور. وليس غريبا شيوع مثلك تلك المزارات للاشياء المادية في تلك المواطن.
اني اعتقد ان للبيئة الحضرية والثقافة الحضرية المتوارثة الاثر الاكبر في شيوع تلك المظاهر، ولا نعيب على القوم افعالهم فليس بالهين التنصل من الارث الحضاري الروحي الذي اكتسبوه خلال آلاف من السنين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سودانيون يقتاتون أوراق الشجر في ظل انتشار الجوع وتفشي الملار


.. شمال إسرائيل.. منطقة خالية من سكانها • فرانس 24 / FRANCE 24




.. جامعة أمريكية ستراجع علاقاتها مع شركات مرتبطة بإسرائيل بعد ا


.. تهديد بعدم السماح برفع العلم التونسي خلال الألعاب الأولمبية




.. استمرار جهود التوصل لاتفاق للهدنة في غزة وسط أجواء إيجابية|