الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافة التسامح بين الفكر الوصفي والفكر الغائي وفي ضوء علم النفس الاجتماعي*

احسان طالب

2022 / 11 / 1
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


"كل علم لا يخضع للنقد والمراجعة هو علم سلفي جامد يفقد وظيفته العلمية والاجتماعية مع مرور الوقت."
العلم والمعرفة أساس النهضة والتغيير
التسامح والجمال
إن الجدال بين المطلقات سيظل قائماً ولن تحله نوايا وإرادات التقارب والتشارك دون سواها، فذلك الاختلاف سنة من سنن الكون والطبيعة، وليس مطلوباً ولا ممكنا توحيد المعتقدات لأن التباين قائم ما قامت السماوات والأرض، وما فتئ الإنسان يفكر ويتفحص ويستجدي الحقيقة. من هنا كانت القيمة الجمالية للتسامح بوصفها سبيلاً للوصول إلى مستوى معرفي ونفسي وعقلاني يعطي الحق بتعدد الانتماءات الدينية والأيديولوجية والإثنية، وبأن تقوم فكرة التعدد على قناعة بضرورة التكامل البشري الإنساني باختلافه وتبايناته.
جاء في القرآن الكريم قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الآية 13) من سورة الحجرات.
{وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ} (الآية 22) من سورة الروم.
{وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117) وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} (118) الآيتان من سورة هود.
{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} ( الآية 99) من سورة يونس.
{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} ( الآية 256) من سورة البقرة.
والبيان بالعلم والعقل، والتنوير لإجلاء الظلمة ودحر الجهل والخرافة، فالجَلي البيِّن هو النهار الذي يُجلي النور والضوء والإشراق. والجلْيُ هو كشف الظلمة ورفع الحجب.
قال تعالى: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4)} الآيات من سورة الشمس.
من هنا يكون البحث عن البيان والتقارب سبيلا للوصول إلى المعرفة والحقيقة التي لا يحتكرها أو يستحوذ عليها انتماء بعينه أو إيمان بذاته. والمعرفة باعتبارها اكتشاف العالم والإنسان لا تحصل بالاجترار، إذ لا بد لها من فهم؛ وهي الفاهمة ـ أي المعرفة بذاتها ـ الرئيسة لكل فرع من فروعها. وإذا كانت الذاكرة بماهي الحافظة للعلوم، بما فيها المدونة والمكنوزة، فهي غير كافية لتحقيق الوسع المعرفي، أي أفق المعرفة اللامحدود، حيث لا بد من إجراء النقد والتحليل والاستقراء وتالياً الاستنتاج والاستنباط. ذلك أن العشوائية بعيداً عن المنهجية هي ضربة حظ وليست سبيلاً لعلم يقيني. والكشف الحقيقي لا يكون إلا منهجياً، ولا يرتقي البحث الانتقائي ليكون نظرية إلا بالمنهج. من هنا سعيْنا لأن تكون رسالتنا منهجية تفتش عن مسارب العلم الرصين سبيلاً موضوعياً لتحقيق إضافة جديرة بالقراءة والتفحص.
الحقيقة بنائية، والعقل تفكيكي، وأساس النهضةِ المعرفةُ الموضوعية، والتنوير هو دحر ظلام النفس وإفراغها من الجهالات والخرافة بالعلم والنقد. وكل بحث لا يسعى إلى الحقيقة بدلالة العلم والعقل والروح إنما هو بوح أو فيض الخاطر أو سياحة في فضاء المتعة وإظهار الذات.
الجمال انعكاس لما في النفس من تطلع نحو قيم أصيلة وأخرى نسبية، فالحكم على شيء أو كيان أو فعل أو فكرة إلخ إنما ينبع من تقويم معياري، ينطبق ذلك على جنس الجمال، طبيعياً كان أم صناعياً، مادياً أم روحياً أم فكرياً، إنه في النهاية رؤية في الفكر وتالياً في الوجود. والتسامح قيمة فكرية عقلية روحية جمالية، تُظهر جوهر الإنسان وتُجلِّي ماهيته الفطرية.
استناداً لتلك الأطروحات العامة والأسس الخاصة، جاء بحثنا هذا في رسالة التسامح خوضاً في ميادين العلم والنفس والجمال؛ وسعياً لتقصي الحقيقة الموضوعية وليس تطلعاً لمجرد المديح والثناء، بل رأينا أن يكون النقد أداة مركزية في كل مفاصل البحث.
* مقدمة كتاب:
ثقافة التسامح بين الفكر الوصفي والفكر الغائي
وفي ضوء علم النفس الاجتماعي
الصادر عن دار العراب دمشق 20/10/2022








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس كولومبيا يعلن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ويعتب


.. -أفريكا إنتليجنس-: صفقة مرتقبة تحصل بموجبها إيران على اليورا




.. ما التكتيكات التي تستخدمها فصائل المقاومة عند استهداف مواقع


.. بمناسبة عيد العمال.. مظاهرات في باريس تندد بما وصفوها حرب ال




.. الدكتور المصري حسام موافي يثير الجدل بقبلة على يد محمد أبو ا