الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مع المجتمع المدني ضد سلطة رجال الدين

هشام السامعي

2006 / 10 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كان يمكن عنونة هذا الموضوع بأي عنوان أخر يحاول أن يستخدم نوع من الدبلوماسية في إيصال الفكرة للجميع كما أعتقد أن ينصحني أحد رفاقي الأحباب بعد أن يتأكد أني لازلت أصر على ضرورة استخدام العقل وفق المساحة التي تمكنه من إكتشاف ذاته أولاً ووضع أفكار جديدة أدركها العقل في إحدى الفترات..

ولعلمي أن إخواني المتشنجين ( أو المحتقنين حد التفجير ) سيطفحون كيلاً من هذه التسميات والحملة التي يقوم بها بعض الكتاب الجدد لإنتاج فكر عقلاني جديد ،سيجعل من الموضوع مثار جدل وسخط كبير على كاتبه كون الأصوات التي بدأت تنادي الأن بضرورة تبني فكر أكثر تمدناً من الفكر المتشدد البدوي الذي ظل يحكم المجتمعات المتصارعة لفترة من الزمن قد أصبحت تنتج فكر يستجذب حوله كثير من رواد الفكر المتحرر والذي يؤول عليه عملية إستنهاض أو إستحداث ذهنية جديدة تخدم فكرة المجتمع المدني .
لا أدري إذا كان بالإمكان أن نؤسس لفكر مدني متحرر من كل الإعتقادات التي وضعتها لنا السلطات الدينية وفق المصالح التي تخدم بقائها على أساس أنها ضرورات إنسانية يجب على الجميع العمل من أجلها ومحاولة إيجاد طرق جديدة لثورة فكرية دون أن نصادف في طريقنا العقبات التي تحاول وأد أي فكرة تحررية جديدة تحت ذريعة أن هذه أفكار علمانية ليبرالية لاتمت إلى الَشرع بأي صلة ،إن الحاصل الآن هو ثورة تحررية جديدة مهما حاول البعض أن يسخروا منها أو يحاربوها ولو أن مسميات الثورة قد أصبحت قديمة كما أعتقد أحياناً بحكم أنها جأت في مرحلة زمنية كانت الثورة الفكرية تعني الإنتقال من نظام إلى نظام أخر ومع هذا كله أزعم دوماً أن ثورة العقل ( لتحيكم العقل ) دائماً ماتكون هي الأجدر بخوض تجارب إنسانية تعيد للكائن البشري إنسانيته وحريته التي يسلبها البعض بحجج لاتوافق العقل بشيء .
زامن قيام الثورة والنهضة في أوروبا في عصور النهضة ( وهنا بالذات سيسخر أحدهم بالقول أنتم تغترون بحضارة غربة زائفة ،سأشكره على قوله هذا كثيراً ) وأعاود القول زامن قيام الثورة الفكرية في تلك المرحلة ولادة فكر جديد تحرري من الأفكار القديمة التي أغرقت أوروبا قبل تلك الفترة في نظام إقطاعي وسلطة دينية تستمد مشروعيتها من السماء ( حسب الإعتقاد السائد وقتذاك ) والذي تعرى بوضوح أمام سلطة العقل أو ثورة العقل التي بدأت تعي متغيرات الفترة التي تمر بها ،والذي جعل من أوروبا فيما بعد من أرقى البلدان التي تحترم الإنسان وتراعي حقوقه وتضمن للجميع التعايش فيما بينهم على أسس وقوانين تضعها الدولة بدون أي سلطات أو أوامر دينية من تيارات دينية لاتحترم سلطة القانون والدولة المدنية .
لست علمانياً لأقول أن الواجب فصل الدين عن الدولة ،ولكني أطمح أن يوجد فكر مستقل يفصل بين سلطة الدولة المدنية وسلطة رجال الدين التي تعتمد على أحد إثنتين إما مصالح شخصية لبعض رجال الدين أو جهل منهم بأمور الدين بشكل عام والدولة الإسلامية المدنية التي أسسها سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم في المدينة بعد هجرته من مكة ،سلطة رجال الدين هذه التي حكمت وتحكم الأمة الإسلامية من حوالي ثلاث قرون مضت ،أوجدت هذه السلطة حواجز وخطوط حمراء و منعت على الناس أحقيتهم بالتفكير والإبداع ومحاولة الإجتهاد في أمور شرعية وفق ضوابط الدين الإسلامي ،إلا أن ثمة ذهنية جديدة بدأت تسقط كل الصنميات التي جثمت على الفكر الإسلامي سابقاً وتنتج للأجيال الجديدة نظريات جديدة مستمدة أصلاً من الدين الإسلامي الذي جاء به الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم ذلك الدين المدني الذي تعايش مع اليهود والنصارى في بلاد واحدة وتحت حكم واحد يضمن للجميع إنسانيتهم وحريتهم في الإعتقاد وممارسة طقوس حياتهم كيفما شأو دون ضرر أو إضرار بالأخرين .
يستحضرني هنا شرح موضوعي لعملية تقسيم المقامات الدينية ذكرها زميلي مروان الغفوري في موضوعه ( ضد المجتمع الديني) قوله (و رغم حالة الأرتكاريا التي تشاهَد على تقاسيم المنادين بالدولة الدينية " الاسلامية " عند استخدام مصطلح " رجال دين " ذلك أنّهم لا يعترفون بطبقةٍ اسمها رجال دين " إكليروس " في الاسلام ، و نّ الاسلام يفترض أن يكون كل مسلمٍ رجل دين.. بالرغم من هذا ، فأنّ الواقع الجدي لممارسة الاعتقاد الديني جعل من هذه الطبقة وجوداً لا يحتاجُ إلى كثير جدل .. فالقاعدة التي تقول : حكم الجاهل التقليد ، و تلك التي تقسّم المجتمع المسلم إلى " علماء و طلبة علم و عوام " - رغم لاأخلاقية مثل هذا التقسيم - و حكر الاجتهاد على شريحة " رجالٍ محدّدين " كل هذا يقسم المجتمع المسلم ، بواقعية محضة ، إلى مسلمين متلقّين و رجال دين ملقّنين ، حيثُ يمارس رجال الدين عملية الإيحاء و صناعة الوعي الديني العام لطبقة " العوام " وفق رؤية هذه المؤسّسة الدينيّة و حسب .. يحدثُ هذا في الحين الذي يقول فيه النص القرآني " و لقد يسّرنا القرآن للذكر " . و يمكن أن نستشعر ، بيسرٍ سلِس ، عملية تلغيز للنص المقدّس يجري تطويرها و توجيهها باستمرار، لما يخدم توجّهات المؤسسة الدينية التي تصف ، بدَورها ، مثل هذا التوجيه بأنّه " اجتهاد عصري " لمصلحة الأمّة تحتكره هي ، بينما يصرّح الواقع بأنّ الأمة ليست إلا الجماعة / الحزب .. فيما يشبه مشغلاً دائماً لصناعة رأي و فكر موجهين و تعميق الوعي السالب و التلقي الكسول . حدثَ هذا في كل المجتمعات ، لكنه يحدث الآن في بلداننا المسلمة !.
تخيلوا أن نظاماً دينياً تسلم زمام الحكم في مجتمع غوغائي كالذي نعيش فيه الأن كيف يمكن له أن يتعامل مع الأخر سواءً مذاهب أو أديان أو معتقدات وحتى أفكار وضعية كالتي ينادي لها البعض في وقتنا الحاضر ،وهذا بطبيعة الحال لاينطبق على كل المجتمعات التي تقع ضمن محيطنا العربي الجغرافي،لأن فوارق كثيرة ستظهر بين مجتمع مدني تحكمه عقليات المجتمع الراقي ومجتمع أخر لازالت الأمية بمختلف جوانبها تسيطر على ذهنيته ،سيكون الإشكال ظاهراً وبكل قبح سيحاول أي نظام حاكم يأتي بعد ذلك على هذه العقلية أن يتخلص من الأخر أو يجبره على موافقته في كل أموره أو يحاول بأي طريقة أن يقيد حريته بحيث يضمن لنفسه البقاء والتفرد في مراكز سلطة القرار.
ماحدث في الجزائر في تسعينات القرن الماضي من مجازر بعدما وصلت الحركة الإسلامية إلى سدة الحكم كان دليل على ذلك ولو أن ثمة تآمر حدث وقتذاك لإفشال هذه الحركة وتجربتها في الحكم وهو مالم يفطنه إخواننا في قيادة الحركة الإسلامية في تلك المرحلة ،إلا أن الذي حصل كان يؤرخ فعلاً لفشل في عملية تنمية القيادة الممسكة بزمام السلطة التي تولت الحكم ويؤكد أن السلطة الدينية المطلقة ( البحتة ) لاتتوافق والمجتمع المدني .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah


.. 103-Al-Baqarah




.. 104-Al-Baqarah