الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العرب في ظل الإمبرطوريات ولا سيما الرومانية

عيسى بن ضيف الله حداد

2022 / 11 / 4
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


العرب في ظل الإمبراطوريات/ولا سيما الرومانية
في قراءة مغايرة، كليات ومقدمات: علينا أن نحرر تاريخ العالم القديم من محتكريه، وهو قبل الجميع تاريخ أسلافنا، أو لعله لم يكن من دونهم..
أجل، إنه الكسل الفكري، بل والعجز الكلي، أن لا ندافع عن تاريخنا القديم، وحتى تاريخ العالم القديم الذي نحن نشكل ركيزته.. أو على الأقل إحدى ركائزه..
وكما أقول دوما/ التاريخ تواصل لا تفاصل/ والحضارة تراكم نوعي وكوني..
اجل ثم اجل: إن التاريخ يسير دوما إلى الأمام، ولكن بشكل لولبي.. وأقول ثمة أحداث وظواهر تعلن عن ذاتها، دونما يدركها صانعوها، وما اكثرها..
وكما أقول دوماً، للتاريخ مرجل يصهر ما يراه ممكنا لتواصل مساره.. عبر هذا المنظور تشكلت سلسلة أعمالي الممتدة من الإنسان الأول العاقل ومازال يتواصل.. عابراً حضارتنا القديمة والعالم في ظلها.. ولنعلم أن بناء الصرح الحضاري ومكوناته فعل تراكمي وكوني لم يتوقف ولن..
وقبل روما والإغريق بدأت حضارات الأنهار، وأهمها وادي النيل وحوض الرافدين، ولا ننسى دور الفينيقيين بسفنهم حيثما حلوا، وقوافل الصحراء العابرة للعالم القديم، وأستمر فيما بعدها..
ومن المؤكد بمكان، إن الذاكرة الجمعية لها فعلها في اختزان، الكثير مما كان..
من جانب آخر، هناك حقيقة علينا ادراكها، مفادها كون هذه الإمبراطورية الرومانية ذات مساحة جغرافية شاسعة ومتباعدة الأطراف، ومتعددة الأقاليم، مما قد ألزم السلطة المركزية أن تلجا إلى جعل مناطق الأطراف البعيدة خاصة، تتمتع بنوع من الاستقلالية تديرها سلطة فرعية مكونة من سكانها.. مما قد وفر لها نظام اجتماعي ثقافي خاص، فتح لها الأبواب للولوج في مسارات لم تكن متاحة من قبل..
على ضوء من ذلك، لنتذكر تلك المقولة الهامة التي ظهرت في البداية، وفي ملخص لها، نعثر على الآتي..
لم تقلص روما البلدان الملحقة بها إلى أقاليم، بل تركت لهم حكوماتهم، وأقامت بينهم نهجاً متوازناً، وهي في تركها المجال للإدارات المحلية أن تأخذ دورها، في ظل القبول بالهيمنة الإمبريالية، بحيث تكون تلك الإدارات بمثابة أدوات للجباية والنهب المنظم لقاء الفوائد الثانوية التي تجنيها.. وكانت الامبريالية القديمة قد ارتكزت في سياساتها على نهب واستنزاف البلدان المحتلة، ولم تكن تهدف إلى فتح مجالات التصريف لبضائعها ورؤوس أموالها..
وهي أي هذه الدول (الملحقة)، في ظل من إدارتها لذاتها، قد شكلت، كما أـرى- سلاح ذو حدين، الأول أطال من زمن التبعية، أما الثاني، فقد عمل بشكل غير مباشر على توفير طاقتها البشرية لتكون فعالة في زمن قادم للتخلص من هذه التبعية..
لا استبعد بتوفر فرص ما فتحت أبواب إيجابية بحيث قد أسهمت بكيفية أو بأحرى في المسير نحو الأفضل..
ولنعلم أن روما في ظل هيمنتها، لم تكن أسيرة عرقها الروماني، إنما أسهم معها أقوام وشعوب الذين حملوهم تسمية بربر.. ومن بينهم هؤلاء العرب، الذين حكموا من خلالها، سواء أكانوا متعاونين أم ثائرين. ومن من بينهم السلالة الحمصية، والسلالة التدمرية.. وغيرهما..
وكان العرب خاصة ومعهم غير العرب، شكلوا دويلات تعترف روما بها، هيمنوا على التجارة، وهي حمالة الحضارة، أسهمت بربط الغرب والشرق، والشمال بالجنوب..
فلننظر وحتى في زمن الهيمنة الأجنبية فرض العرب وجودهم الاقتصادي والدولي، وكانوا المهيمنين الواقعيين في حوض المتوسط وسواحل المحيط الهندي وحتى بحر الصين.. ألا فلنعلم بكون هؤلاء لم يأتوا من عدم، ولولا أهمية فعلهم لما تؤكد وجودهم، وكانت التجارة أولاً وآخراً هي المبتدأ والخبر لهم ولغيرهم، فهم يدفعون ضريبة وجودهم، بالريع الذي يقدمونه للمحتل بما يملك من شبكات قوة، تهيمن على الواقع.. هذا فضلاً عن النهب الذي لا بداية ونهاية له..
وهناك حقيقة أخرى، تتمثل بجغرافية جزيرة العرب وموقعها ومكوناتها قد وفر لها استقلالية أوسع، عدا كونها في موقع جغرافي في وسط العالم القديم عبر مكوناته الأساسية وهي، البقاع الآسيوية وشواطئ البحر المتوسط، وبقاع أفريقيا، فضلا عن علاقتها ببحار المحيط الهندي، والبحر المتوسط، عدا عن كونها تهيمن عمليا على البحر الأحمر..
لقد أدت تلك العوامل لبروز مراكز تجارية، على اطراف الجزيرة العربية وفي امتداداتها الشمالية، تملك الكثير من الحريات، بل وشكلت العديد من الدول، استطاعت السيطرة على الطرق التجارية، العابرة للقارات المعروفة، والمطلة على البحار..
إضافة أخرى لها قيمة واقعية وتاريخية: من حيث إن هؤلاء ومن لف لفهم اكتنزوا قيمة واقعية، فهم من جهة كانوا حملة حضارة، تنقلها بضائعها، وحتى البضاعة ذاتها لها قيمة كشف حضاري، تحملها السفن العابرة للبحار غرباً وجنوباً وشرقاً، وقوافل الإبل العابرة للصحراء، أينما كانت.. كطريق الحرير مثلاً.. وتلكك الخطى تحتاج صبراً ومعرفة وخبرة، وهي قائمة لديهم عبر تراكم الأزمنة.. وتتطلب خدمات الحماية والتغذية.. الخ..
هناك حقيقة أخرى، تتشكل من حملة البضاعة والحضارة، قد كونوا بطبيعة الحال حفاظاً على المادة البشرية، أي على ناس تلك المنطقة، وتواصلها قبائل وأسلاف، فلنتخيل لو لم يكن هؤلاء، لتغير ناس المنطقة، ولم نكن نحن الآن، في هذا الزمان، بوجودنا، وقيمنا وتاريخنا ولغتنا..
ليس من الغرابة بمكان أن لغتنا عرفت تطورها في تلك المرحلة الزمنية، والشعر " الجاهلي " عرف ازدهاره بدوره في تلك المرحلة، وانتشرت أسواق العرب، كي تحتضن بدورها التجارة والشعر والخطابة وتبادل الرأي في ذلك الزمن، وبرزت مكة كمركز تجاري بين الشمال والجنوب، والعالم القديم شرقه وغربه..
وأليس في تلك العصور انبثق للملأ الكوني مقولات، ففي البدء كانت الكلمة.. واقرأ، باسم ربك الذي خلق. وما تلاها. من رؤى فلسفية، وفكرية وحضارة كونية..
لا يعني هذا بأن الإمبراطورية الرومانية قد فتحت الباب لمثل هذه التطورات، إنما الأمر قد جرى بمعزل عنها، بحيث قد اكتفت بجني الريع بأشكاله المختلفة، في حين قد انهمكت المراكز العربية، في استثمار موقعها الجغرافي، وهيمنت من خلاله على التجارة الدولية بمعظمها بحيث قد كونت البنية التحتية للمنطقة، مما قد أتاح لها ان تتطور بنيتها الفوقية في مجال اللغة والشعر واللاهوت بتنوعاته، الأمر الذي قد شّكل ارهاصات تمادت في فعلها حتى حانت انبثاق الطفرة النوعية المتمثلة بالثورة العربية الإسلامية..
يذكرني التاريخ بظاهرة كبرى، أنه في ظل الإمبراطوريات الأجنبية التي هيمنت على منطقتنا، تشكلت لغتنا منطلقة من جذورها التي نمت في ربوع البوتقة الحضارية التي سادت بها..
وتشكل اللغة وانتشارها تعبر عن ديناميكية حضارية فكرية عميقة، لا تهبط من السماء ولا تزرعها سلطة، بل من حياة ومسار تاريخي وتفاعل شعبي عميق الإرادة.. وهي قطعاً، لا تحل من عدم..
لعل الأمر جرى، كما أرى، كما لو أن مساراً تاريخياً حمل ما لديه من تراث حضاري تشكل لديه في ربوع البوتقة الحضارية، وسار به ليحتمي في الأصقاع المحررة أو حتى شبه المحررة، تلك التي وجدت عريناً لها في الصحراء العربية مع امتداداتها براً وبحراً..
ومع هؤلاء، وفي ظل تفاعلات تاريخية ومجتمعية عميقة، انبثقت اللغة العربية من البوتقة اللغوية التي سادت في ربوع البوتقة الحضارية السالفة، ومنها انطلقت عبر مسار التاريخ، بما عبرت عنه من شعر وصنوف حياة..
والسؤال.. أين السر يكمن أين...؟ أجل هو قولي، قولي هو، إن منظومة حياتية جديدة فرضت ذاتها على الواقع.. فالبنى الفوقية، تجد طريقها كجذور منبثقة من البنية التحتية بمراميها الأساسية.. إنه الاقتصاد القائم على اقدام التجارة الدولية التي رست محطاتها وطرقها وابعادها.. المتحكمة بتفاصيلها في موقع جزيرة العرب.. الأمر لم يتسن لغيرها، فللجغرافيا قراراتها ورؤيتها، عدا عن الخبرة المتصاعدة، فضلاً عن أدوات النقل المتوفرة، وأساسها الجمل سفينة الصحراء، حتى البحار تخضع له، كي يعبئ حمولته التي تأتي إلى الموانئ..
للأسف لم يدرس الموضوع كما يجب، وجرى الأمر كخبر، دونما ربطه بما يتأتى عنه..
ظاهرة جليًة تعبر عن نفسها/ حالما سيطرت الإمبراطوريات على المواقع التي أستطاع أسلاف العرب بناء البوتقة الحضارية الأولى في العالم القديم، وتراجع دورهم في مواقعهم التي وصلوا اليها، البرية والبحرية منها، انسحبوا إلى الجنوب إلى مواقعهم الأولى المتمثلة بالجزيرة العربية في مهادها الأولى، التي انطلقوا منها، واستطاعوا فيها، بناء ذواتهم فيها بأساليب جديدة، مستثمرين الوضع العالمي في ظل الإمبراطوريات.. بل وتقدموا حيث كانوا وبنوا مراكز فيها، في إطار من نمط المساومة أو حتى المجابهة، مع المهيمنين الكبار عليها..
إذ استطاعوا فيها بناء المحطات التجارية واشادوا الطرق التجارية الرابطة بين أجزاء العالم آنذاك كما هو - بين غربه، وشرقه، وشماله، وجنوبه..
على وقع مما تقدم نتحرى ساحة منطقتنا، في تفاعلاتها مع المشهد السياسي في المدى الإمبراطوري الروماني وغيره..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا تعلن استهداف خطوط توصيل الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا |


.. أنصار الله: دفاعاتنا الجوية أسقطت طائرة مسيرة أمريكية بأجواء




.. ??تعرف على خريطة الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأمريكية


.. حزب الله يعلن تنفيذه 4 هجمات ضد مواقع إسرائيلية قبالة الحدود




.. وزير الدفاع الأميركي يقول إن على إيران أن تشكك بفعالية أنظمة