الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دين هو أَم دولة؟

كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي

(Kamal Ghobrial)

2022 / 11 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هو السؤال الأكثر تردداً وإلحاحاً في محيط شرقنا الأوسط الآن. وتدور حوله الصراعات الساخنة. ليس فقط المعارك الفكرية، بل وأيضاً المعارك العنيفة الدموية. ويتوقف على الإجابة عليه حاضر ومستقبل شعوب هذه المنطقة.
تختلف إجابة هذا السؤال باختلاف الدين محل النظر.
فقد بدأت اليهودية كمشروع دولة تجمع ما نعرفه بالقبائل العبرانية الإثنتي عشر. وقد احتاجت تدعيماً لتحالفها هذا إلى أمرين، يحتاجهما دوماً تشكيل الجماعات، بالأخص في العصور القديمة:
الأول رابطة عصبية، وفرتها أسطورة تُرجع هذه القبائل إلى الانحدار من أصل أو جد واحد. في حالتنا هذه هو شخصية يعقوب، الذي نُسب له إثني عشرة ابناً، باسماء تلك القبائل المتحدة.
والثاني رابطة حياتية، تمثلت في شريعة تنظم حياة هذه القبائل معاً، وتحدد علاقاتهم بمن يجاورهم من الشعوب.
ولقد احتاج هذا وفقاً لثقافة تلك العصور اسناد هذه الشريعة إلى مصدر مقدس هو إله. كانوا استقروا بعد تنوع عباداتهم للعديد من الآلهة المعروفة في ذاك الوقت للشعوب التي قطنت منطقة فلسطين، على أن يكون إلههم الخاص هو "يهوه" إله الصواعق والبراكين. والذي كانوا يحملونه معهم في تابوت أثناء ترحالهم. بعدما كان يتقدم جحافلهم الرحالة في عمود سحاب نهاراً، وعمود نار ليلاً. وعندما دخلوا مرحلة الاستقرار بنوا له بيتاً ليسكن فيه. هو ما يعرف بهيكل سليمان. وتقول الأسطورة أن هذا الإله قد كتب لهم "بإصبعه" على لوحي حجر الشريعة التي كانوا يحتاجون إليها لحياتهم. والتي سميت بالشريعة الموسوية، نسبة لقائدهم الأسطوري موسى. وهذا هو ما نعرفه الآن بالدين أو العقيدة اليهودية.
اليهودية إذن دولة وقومية بالدرجة الأولى. والدين ملحق بها أو لازمة من لوازمها.
ونلاحظ في هذا الصدد أن تصورات اليهود للمخلص أو المسيا المنتظر أو المسيح، لم تكن تصوراً لرجل يُصْلح من شأن الدين أو يدعمه أو يطوره. لقد انتظروا ملكاً يعيد المجد لمملكة إسرائيل، يأتي من نسل ملكهم الأسطوري داود. فيجلس على عرش أبيه. ويخلص اليهود من الذل والخضوع والاحتلال الروماني. ويرفع شأن اليهود بين الأمم. لهذا كان رفض عموم اليهود لرسالة يسوع. الذى نفى عن نفسه تصور المُلك الأرضي. وحدثهم عن مملكة أخرى في السماء.
نشأة المسيحية تختلف:
فلقد بدأت فكراً أو تديناً كهامش متفرع من داخل منظومة الفكر أو الدين اليهودي. تحمل رؤية عميقة وروحية لذات الشريعة القومية الموسوية. فلقد كان يسوع ملتزماً بالانتماء القومي للجماعة. مؤكداً أنه جاء إلى اليهود باعتبارهم خاصته. وأنه جاء ليعيد تجميع خراف بيت إسرائيل الضالة حسب تعبيره الوارد بسيرته. هكذا كان الأمر على يد يسوع تعميقاً للإيديولوچية الدينية الخاصة بالدولة اليهودية. ولم يتعداها لخارجها. لا من حيث الفكر، ولا من حيث المستهدفين بالخطاب والدعوة اليسوعية.
لكن تطور الأمر بعد ذلك على يد من ورثوا رسالة يسوع. وبالذات على يد شاول الطرسوسي أو بولس. الذي خرج بجهود يسوع الفكرية من قوقعة اليهودية. التي كانت تطلق على من لا ينتمون لشعب إسرائيل "الأمم". وينظر اليهود إليهم كما يُنظر للكلاب والخنازير. فجاء بولس ليصوغ فكراً أو إيديولوچية أو ديناً جديداً يقدمه للعالم أجمع. واضطر سائر المهتمين من بقايا تلاميذ يسوع لمسايرته. ليكون هو من خرج بنواة الفكر اليسوعي الذي قام هو بتوسيعه، من نطاق الدولة والقومية اليهودية، ليكون ديناً محضاً قائماً بذاته، عُرف فيما بعد بالمسيحية.
وعندما تضخم هذا الإنتاج "المسيحي" الجديد فكراً وحجم أشياع، وظفته الإمبراطورية الرومانية على يد الإمبراطور قسطنطين (306- 337 م.) كإيديولوچية تجمع شعوبها. وظلت المسيحية ليست دولة، وإنما رفيقة لصيقة بالدولة، حتى عصر النهضة ثم عصر الأنوار. حين شرعت المسيحية في العودة الإجبارية إلى بدايتها الأولى. وهي أن تكون ديناً فقط، منفصلاً عن الدولة. وهو ما أطلقنا عليه "العلمانية".
نستطيع أن نخرج من هذا، أن السهولة النسبية التي عادت بها المسيحية من كونها حليفة دولة أو شبه دولة، إلى أن تكون مجرد دين يعتنقه المؤمنون كأمر شخصي بحت، يرجع إلى طبيعة المسيحية، التي نشأت في الأساس كدين وليس دولة. أي أن تيار العلمانية قد دفعها أو أجبرها أن تعود لأصلها.
هذا بخلاف اليهودية، التي هي بالأساس دولة وقومية. فرغم علمانية النظام السياسي لدولة إسرائيل الآن، إلا أنها تستند ولو مظهرياً فقط، لذات العاملين الأولين الذين جمعا القبائل العبرانية قديماً. وهما الرابطة العصبية المستندة إلى أسطورة أن اليهودية جنس موحد يجمع سائر اليهود، رغم التنوع الواضح لأعراق اليهود الواردين إليها من كافة أنحاء العالم. وكذا إلى فكرة الدين الواحد الذي يجمع الشعب الإسرائيلي، رغم حقيقة وجود قطاعات ضخمة من هذا الشعب واهية العلاقة بالدين، أو منقطعة الصلة به.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الى الاخ كمال غبريال
nasha ( 2022 / 11 / 6 - 08:14 )
عنوان الموضوع : دين هو أَم دولة؟

كان عليك يا أخ كمال ان تسأل نفسك قبل ان تسأل غيرك من المختلفين عنك : الحاد هو ام دولة؟

لماذا يجبان يكون الالحاد او اللادين دولة؟ ما هي الميزة العظيمة التي تؤهل الالحاد ان يكون دولة؟

ممكن من فضلك ان تُجيب على سؤالي؟

بالمناسبة انا مسيحي عراقي ابا عن جد.

تحياتي ، بانتظار جوابك