الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العيد في تمبكتو

وديع بكيطة
كاتب وباحث

(Bekkita Ouadie)

2022 / 11 / 5
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


يقال إن مدينة تمبكتو (أو تنبكت) بمالي قد تأسست ما بين القرن 11 و 12م، وقد تعاقبت عليها ممالك كبيرة مثل مملكة مالي ومملكة السونغاي ...الخ، مما جعل منها حاضرة لكل الثقافات والحضارات الافريقية المتنوعة إلى الآن، وقد ورد وصفها عند الكثير من الرحالة والحجاج والدُجاج، بلغات وكتابات مختلفة.
يروي الرحالة الشباني (ق 18م) عنها، فيقول: "وليس عندهم معابد ولا كنائس ولا مساجد، ولا عبادة راتبة، ولا يوم ديني للراحة، ولكن لهم كل ثلاثة أشهر عيدٌ عظيم يدوم يومين أو ثلاثة، وقد يدوم أسبوعا في بعض الأحيان، وهم يقضونه في الأكل والشرب. وهو لا يعرف السبب، إلا أنه يظن أنه فيما يبدو احتفال بذكرى ميلاد الملك. وهو عطلة من العمل. وهم يؤمنون بكيان أسمى وطبيعة أخرى للوجود، ولديهم أولياء ورجال يضعونهم موضع التقديس. وبعض هؤلاء سحرة، وبعضهم معاتيه، كما هو الحال في الساحل البربري وفي تركيا. ورغم كثرة الأطباء فهم يَنشدون الشفاء الناجز من المرض في دعوات الأولياء، وخاصة في آلام المفاصل (الروماتزم). وتُستثار حالة الانجذاب عند الولي بالموسيقى، فيبوح في حال الإلهام (بمشيئة من ولي راحل ما، هو عادة سيدي محمد سيف) بما يجب نحره من الأنعام كي يُشفى العليل: ديك أحمر، أو دجاجة، أو نعامة، أو ظبي، أو عنزة. فيُنحر الحيوان على إثر ذلك بحضور المريض ويُنتف، ويُحفظ الدم والريش والعظام في علبة ويُحمل إلى بقعة معزولة، حيث يُدفن وتوضع عليه علامة بأنه قربان. ولا يضاف الملح ولا التوابل إلى اللحم، ويستخدمون البخور قبل إعداده. ويأكل المريض من اللحم ما يستطيع، ويشاركه كل الحاضرون. ويجب أن يكون الأرز ـ أو غيره مما يقدم مع اللحم ـ متَبرعا من آخرين، ليسوا من أهل البيت أو الأسرة، وعلى كل من تبرع أن يدعو للمريض. (الشباني، من فاس إلى تمبكتو والهوسة، 46).
إبان هذه الفترة (ق 18م) لم يكن للعمران الديني مقر داخل "تمبكتو"، فقد آمن شعبها بكيان أسمى وطبيعة أخرى للوجود وقدس الأجداد، وأَجلَ الطبيعة وفعلها السحري. الأمر الذي يجعلنا نفهم؛ ارتباط العيد بمولد الملك، لأن الملك يدخل في خانة المقدس، وعلاقة العطلة بالعيد. ونستوعب ظاهرة الأولياء في ظل تقديس الأجداد وإجلالهم. وندرك ارتباط طقس الشفاء من المرض بتقديم القرابين والأَضاحي وبالأدعية والابتهالات والموسيقى، لأن التصور السائد لدى هذه الجماعة البشرية قائم على تقديس الطبيعة وأرواحها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر: مطالب بضمانات مقابل المشاركة في الرئاسيات؟


.. ماكرون يثير الجدل بالحديث عن إرسال قوات إلى أوكرانيا | #غرفة




.. في انتظار الرد على مقترح وقف إطلاق النار.. جهود لتعزيز فرص ا


.. هنية: وفد حماس يتوجه إلى مصر قريبا لاستكمال المباحثات




.. البيت الأبيض يقترح قانونا يجرم وصف إسرائيل بالدولة العنصرية