الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول - الحرية - مرة أخرى

عبد اللطيف بن سالم

2022 / 11 / 8
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تُرى هل الحرية ضرورية للإنسان لكي يعيش في راحة بال وفي أمان ؟
المعروف عن الحرّية أنها حالة المرء عندما يفعل أي شيء بإرادته الخاصة و الخالصة دون أي مانع من داخل النفس أو من خارجها ، لكن الملاحظ أن هامش الحرية هذا قد صار اليوم في تناقص دائما لا بضغط على النفس من خارجها فحسب بل بما صار يُعرف لدينا اليوم بالضغط النفسي من داخلها لأن اهتمامات الفرد اليوم قد صارت كثيرة وكثيرة جدا والفرص لتحقيقها قد صارت قليلة وقليلة جدا لتكاثر الباحثين عن نفس تلك الفرص وضرورة الانتظار لحين الفرصة السانحة وهي ليست دائما في متناول الجميع على حد سواء حتى أننا لم نعد كلنا نستمرئ الحياة ونستمتع بها كما كان يفعل آباؤنا وأجدادنا دون الكثير من التكلفة .
إن الزمان اليوم قد صار يحاصرنا ويضغط علينا أو هكذا صار إحساسنا به دائما كما لو أن أعمارنا قد صارت قصيرة جدا بالنسبة إلى الأعمار السابقة أعمار آبائنا وأجدادنا لأنهم كانوا مكتفين بالاهتمام بما يلبي لهم حاجتهم إلى المأكل والمشرب والملبس وما يترتب عن ذلك وكفى وما كانت لهم مثلنا اليوم اهتمامات أخرى كثيرة جدا .
من أهم الاهتمامات اليوم البحث عن الشغل الذي لم يعد متوفرا للجميع منذ أن عوضت الآلة عن اليد العاملة والشغل في الحياة ضرورة ملحة لا استغناء عنها ليس فقط لطلب الرزق كما يبدو لنا دائما وإنما أيضا للاستمرار في الحياة أصحاء وأسوياء وهذا هو قدرنا في هذه الدنيا أحببنا ذلك أم كرهنا لكن هذا الشغل وإن توفر لنا ليس دائما متماهيا مع حريتنا التي نحتاجها دائما لنبدع ونبتكر وأيضا لنتطور إنما هو غالبا ما يكون انشغالا عنها إذا لم يكن قمعا لها أو تخفيضا لمستوى الشعور بها ما يجعل المرء اليوم يكاد يكون معدوم الإحساس بها كما لو كان روبو من الروبوات خصوصا عندما يكون عاملا مع الخواص الذين هم في الغالب استغلاليون متجبّرون لا يرحمون لكن ما ضر المرء أن يعيش معدوم الإحساس بالحرية ؟ ألا يكون حينئذ شبيها بالحيوان وليس مختلفا عنه في شيء والقول بأن الحيوان يعيش بحرية مطلقة – في مثل العصافير والطيور المختلفة - هو قول واهم إذ ليس لغير العاقل من حرية أبدا وحتى حرية العاقل كما ذكرنا آنفا محدودة جدا .
يقول بعض المفكرين "" ليس هناك حرية حتى بالنسبة للإنسان وإنما هناك عمل للتحرّر"" ولا يكون هذا العمل للتحرّر من طرف الفرد إلا بإرادته ومن طرف المجموعة أو المجتمع إلا بما يحصل للناس في ما يّعرف بالوجدان الجمعي الناتج عن الثقافة العامة المستوحاة مما يعيشه الناس في اليومي المتكرر ولا تكون هذه الإرادة الفردية إلا بتوجيه مقصود من عقل صاحبها ولا تكون هذه الإرادة الجماعية إلا بتوجيه من العقلية العامة لتلك المجموعة أو المجتمع وبالتالي فما الحرية هذه إلا حالة ذهنية قبل أن تكون شيئا آخر.
إذن فالحرية بالنسبة للإنسان العادي والواعي بنفسه هي بمثابة الأكسجان ( الصدأن ) الضروري للجسد ليستمر في الحياة سليما معافى ومتفاعلا مع محيطه كما ينبغي وباتساع هامش الحرية هذه يمكن للمرء أن يفكر وأن يتأمل وأن يعمل ويتحرك ويبدع والمهم في كل ذلك أن يدرك المرء حيدا حاجته المطلوبة والمفضلة من هذه الحياة التي يعيشها في هذه الدنيا و"" الحاجة أم الاختراع "" بمعنى أنه كما قال المتنبي قديما مع وجود الفارق :
على قدر أهل العزم تأتي العزائم """" وتأتي على قدر الكرام المكارم
بمعنى أنه على قدر ما يكون المرء حرا وواعيا بحريته ومسئولا عنها على قدر ما يكون مبدعا لهذا نرى في المشرق العربي والإسلامي كما في ما يسمّى بالمغرب العربي في شمال إفريقية قلة الإبداع واعتماد الناس في حياتهم على المنتوج الغربي أكثر من اعتمادهم على منتوجاتهم الخاصة في جميع المجالات الحيوية الضرورية منها والكمالية وهكذا يمكن استنتاج هذه الفكرة كما لو هي نظرية علمية جديدة في العلوم الإنسانية أن ( قلة الإبداع متناسب طردا مع قلة الإحساس بالحرية ) وما ذكرناه آنفا يقوم دليلا على ذلك قطعا .
لكن يمكن هنا طرح هذا التساؤل : لماذا يضيق هامش الحرية في هذه المناطق المذكورة ؟ والجواب في رأيي هو لأن الغالبية من الناس تعيش مكبلة بأغلال التقاليد والمواضعات البالية منذ زمان بعيد دونما تدري لذلك نرى الناس في هذه المناطق تتصف بكثرة الكلام تنفيسا لها عن الضغط النفسي المبتلين به بسبب عدم إحساسهم بالنصيب الكافي لهم من الحرية اللازمة وإلا استعاضت عن ذلك بالصمت الدائم المؤدي إلى الانفجار في أية لحظة وكثيرا ما نشاهد أعراضا للحالة الأولى أو للحالة الثانية في ما نرى من المظاهرات والاحتجاجات المتتالية أو الأعمال الإرهابية أو الحروب بين الدول ، كلها نتيجة مباشرة لما يعرف بالضغط النفسي والإحساس بالظلم والإحباط والسأم في أي جهة كنا من العالم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استمرار التظاهرات الطلابية بالجامعات الأميركية ضد حرب غزّة|


.. نجم كونغ فو تركي مهدد بمستقبله بسبب رفع علم فلسطين بعد عقوبا




.. أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني يبحث تطورات الأوضاع


.. هدنة غزة على ميزان -الجنائية الدولية-




.. تعيينات مرتقبة في القيادة العسكرية الإسرائيلية