الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محادثة

خليل قانصوه
طبيب متقاعد

(Khalil Kansou)

2022 / 11 / 10
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ـ طال غيابك
ـ اشتقت .. جئت أدقق في ذكريات الماضي . إنها الظروف ، لم تسمح لي بالسفر في السنوات الماضية
ـ متى ستعود نهائيا ؟
ـ و أنت ..هل أنت أكيد من أنك باق نهائيا ؟
ـ صراحة ، أشعر أني فوق رمال متحركة ، بعض الأخوة و الأقارب هاجروا و بعضهم ينتظر . و لكن أنت متقاعد ، فبإمكانك العودة ..
ـ أعتقد أني لن أعود
ـ هل أنت جدي ؟
ـ نعم ، فأنا أعيش في فرنسا منذ أزيد من خمسين عاما . هذه مدة كافية لان تجعل الهجرة نهائية و شاملة .تلقيت تعليمي في هذه البلاد و مارست مهنتي فيها ، و تزوجت و أنجبت . فانا إذن مزروع فيها ، علما أن التأقلم لم يكن سهلا و هو بالقطع ليس مكتملا .
و انت ؟ هل ستقتلع نفسك طوعا أو كرها ، لتزرع في مكان آخر
ـ قل لي لماذا لم يتحقق لك ذلك هنا ؟
ـ قبل الإجابة ، أتمنى لو تبين لي مبررات هذا الإستجواب الذي يأخدنا بعيدا في الزمن ، إلى مسرح ألعابنا في الساحة ، إلى غزواتنا على كروم العنب و التين ، إلى رواياتنا المتخيلة عن الحبيبة التي كنا نتبعها مساء " على الكروسة" دون أن نتجاوز المسافة المتفق عليها عرفا ، بيننا و بينها .
ـ لا شك في أن المبررات كثيرة ، و لكن يمكن إختصارها بحب المعرفة : كيف يبدل المرء نمط عيشه ، او يجبر على ذلك ، فيتكلم لغة ليست لغته الأم دون أن تعني له الكلمات المتناظرة في لغة المهجر ما كانت تعنيه في البلاد الأصلية ، ينجم عنه منطقيا ، فهم للأمور ، خصوصا في مجال التعبير عن الأحاسيس و المواقف ، تعتريه الضبابية و تنقصه لذه الهُيام . ثم أني أقرأ ما تكتب و أسمع ما تقول ، صحيح أنك بدلت و لكن احتفظت ، باللغة و الثقافة ، و اسمح لي بان أٌقول أن فحوى رسالتك هو دعوة لان يبدلوا الأوضاع في بلادهم حتى لا يضطروا إلى أن يتبدلوا و يضلوا في المهاجر .
ـ بالعودة إلى سؤالك ، لم يتحقق لي ذلك لأني لا أنتمي إلى طائفة ، في وطن الطوائف ، و بالتالي انا مميز سلبا طائفيا ، لا يحق لي ما يحق لأنصار زعيم الطائفة ، كما لا أنتمي إلى قبيلة أو عشيرة في بلاد مضارب العشاءر و القبائل ، فلا عمل لي ، كوني لا أعمل في خدمة الزعيم ، و إن عملت كرها فلا أجر لي ...

ـ ولكن ألا يمكن الإنتماء لهذه البلاد دون وصاية الطائفة ؟
ـ بدأت المساحة الخارجة عن نفوذ الطوائف تضيق تدريجيا بعد " ثورة " 1958 . يحسن التذكير بان " ثورات " غير الثوريين ، تكررت مذاك فسهلت تمدد النفوذ الطائفي . هذا من ناحية أما من ناحية ثانية فلا بد أن نأخذ بالحسبان مسألة التمييز الأساسية التي تتجسد على كافة درجات السلم الإجتماعي ، فمن نافلة القول أن المساواة معدومة بين الأفراد في الطائفة أو القبيلة الواحدة و كذا فيما بين الطوائف المختلفة . يتضح هذا الأمر بجلاء من خلال إقتسام جغرافية البلاد ، قسمة غير عادلة ، فتموضعت كل طائفة في منطقة ، بحيث تشكل الأغلبية المهيمنة ، بعد أن كان السكان مختلطين في بعض المناطق إلى درجة كبيرة ، على اختلاف انتماءاتهم الطائفية ، و متحازبين على أساس اصطفافات غير طائفية دينية (عرب الشمال ، العدنانية و عرب الجنوب ، القحطانية ) ، إلى حد أن جماعات كانت في الأصل ذات انتماءات طائفية دينية واحدة ، افترق بعضها عن بعض ، عند محطات تاريخية ( طائفية ـ اقتصادية )، بين ديانتين متمايزتين .
ـ هل تعتقد أن المساحة " الحرة " من النفوذ الطائفي لا تتسع اليوم لمن لا ينتمي إلى طائفة ؟
ـ الإجابة عندي على هذا السؤال بنعم .
ـ هذا يعني أن من هم خارج الطائفة " ذمّيون " !
ـ إلى حد ما نعم . لا بد من الإشارة أولا ،إلى أن " الذمّة " كانت سمة من سمات المجتمع الطائفي البدائي ، الإختلاف بين الذميين و غير الطائفيين ، أن بإمكان الأخيرين أحيانا ، انتهاز الفرصة للإنقلاب على مواقفهم تحت وطأة اليأس أو الحاجة أو الخوف .
ـ يقولون أن الإنسان كائن إجتماعي .فهل نقول أن الإنسان اللاطائفي في لبنان ليس كائنا إحتماعيا ؟
ـ أنا أقول أن هذا الإنسان هو حقيقة كائن إجتماعي بينما المجتمع الطائفي ليس مجتمعا إنسانيا بالمعيار الحضاري المعاصر إذا جاز القول ، يتجلى ذلك على سبيل المثال بتفضيل من هو أقل أهلية بإناطة شؤون التقرير و الإدارة به و بإعفاء المحاسيب من التزام الدور في طابور الخبز على حساب الفقراء و الضعفاء و من هم خارج المنظومة الطائفية و في السيطرة على شبكة توزيع مياه الشفة و الطاقة الكهربائية و الطحين أضف إلى ارتهان او او الاستيلاء على ما ادّخره الناس .
ـ هل كان الإنتماء مؤملا قبل الوصاية الطائفية
ـ نعم كان مؤملا . لأن ترجمة الإنتماء هي العيش المشترك . أنا عرفت مظاهر العيش المشترك عندما كنت أنتمي إلى مجتمع القرية الفلاحي .

ـ وماذا عن " الوطن " و الشعور بالواجب ؟
ـ لم أقرأ ما يكتبه فقهاء علم الإجتماع عن الوطن ، و لكن الوطن بكل بساطة هو بلاد توافق سكانها على العيش المشترك ، أي انهم أزالوا فيما بينهم الفوارق العرقية و الدينية و ما عداها من امتيازات حقوقية وجاهية أو وراثية أو عُصبوية أو حزبية ،فتحولوا إلى ما هو متعارف على تسميته بالأمة الوطنية . أعتقد أن مفهوم العيش المشترك يعني ضمنيا الملكية العامة المشتركة للأرض ، مستوى العيش في الراهن ، بالإضافة إلى العقد الإجتماعي المنوي تنفيذه في المستقبل .
هذا هو الوطن من و جهة نظري ، الذي يُلزم المرء المشارِك في سيرورته . و لا شك في أن من حق هذا الأخير العمل على أن يستعيد حقوقه فيه إذا طرد منه ، أو أن يطالب دون أن يكون ملزما ، بالتعويض عنها بالطرائق والوسائل التي يستطيع امتلاكها .
ـ و لكن الوطن يبقى ، بالرغم مما يجري فيه ، أرض ننتمي إليها ، نحن مزروعون فيها ، و لنا فيها ذكريات أعمارنا ، و منابع ثقافتنا التي روت كينونتنا فصارت جزءا منها ، لا يمكن انتزاعها أو إخفاءها أو التنكر لها ، لأنها حاضرة دائما في خلوة المرء بنفسه .
ـ صحيح أن الوطن مرادف للأرض . و لكن ما هي قيمة الأرض إذا أصابها القحط فجردها . الوطن زرع و ري و إعمار و مدرسة و جامعة يُحفظ فيهما العلم و يُلقن ويطور إبداعا ، في سياق سيرورة إنسانية حضارية حيوية متواصلة . أما الثقافة فهي باقية في جبلة المرء في حله و ترحاله
ـ كانك تقول أن البلاد التي فشل سكانها في أن يختلطوا و يندمجوا ليصيروا أمة و طنية هي ارض خراب ، أما الثقافة التي تكونت قبل القحط و الجفاف ، التي تشربها المرء أثناء الحمل الذي قطعه الإجهاض ، فهي باقية في الوجدان و في حقيبة السفر .
ـ هذا بالضبط ما أعنيه . و لكن لا أقول أن القحط دائم أو أنه قدر و لا أقول أيضا أنه لن يأتي قوم بعد الذين انقرضوا أو تفرقوا شتاتا . كما أني أزعم أن الثقافة مكون في الإنسان يتطلب مثل العضلات و العظام و الدماغ ، التغدية المتنوعة و المتوازنة ، ويهزل تدريجيا في أوقات التقتير و القلقلة .
لا يعني الفشل و خيبة الأمل إدارة الظهر و النسيان . تنتشي مادمت حيا ترزق ، برائحة ذكية تأتي من الماضي ، أثناء تجوالك في حقل كان يزرعها والدك ومرورك بدار كان جدك يجلس على مصطبتها و دار كانت لك فيها حبيبة و ضريح أحتضن ثراه جسد أمك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نصب خيام اعتصام دعما لغزة في الجامعات البريطانية لأول مرة


.. -حمام دم ومجاعة-.. تحذيرات من عواقب كارثية إنسانية بعد اجتي




.. مستوطنون يتلفون محتويات شاحنات المساعدات المتوجهة إلى غزة


.. الشرطة الألمانية تفض اعتصاما طلابيا مناصرا لغزة بجامعة برلين




.. غوتيريش يحذر من التدعيات الكارثية لأي هجوم عسكري إسرائيلي عل