الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصراع الديني ونتائجه في سقوط منطق الإرث المقدس

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2022 / 11 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الصراع الديني وتداعياته والتي أشتد أوراها منذ أن تحول الإسلام السياسي في منتصف القرن الماضي وما قبله من دائرة المعبد والقيم والأخلاق، ليكون فاعلا سياسيا يسعى بكل قوة لتجسيد فكرته عن الدولة والسلطة السياسية المحكومة بتوجهاته، ومن ثم إعادة المجتمع ككيان ونظام إلى سطوة المرشد والخليفة والإمام، الموضوع من هذه الناحية ليس جديدا على الواقع العربي والإسلامي الذي كان بشكل أخر واقعا تحت هذه السطوة والحكومة الدينية العميقة، من خلال تحكم كل السلطات والحكام السابقين تحت ما يعرف بحكم الشريعة، وبالتالي الخضوع لرأي ورؤية رجل الدين، التحول المشار إليه نضج وتبلور بعد أن سقطت أخر دولة خلافة إسلامية معلنة وبقاء بعض الممالك والدويلات تحت سطوة المؤسسة الدينية، لكن جوهر التحول كان عميقا وأتخذ منحى أخر رافضا حتى لفكرة خضوع الحاكم لرجل الدين، التحول يعني عودة السيادة الكاملة للخليفة الإمام بشكل مباشر.
بدأ الصراع محتدا ليس بين الدولة التي يحكمها القانون والمؤسسة الدينية وهذا هو المفترض بطبيعة الصراع وماهية الشعارات المرفوعة، والتي تؤكد على قيام دولة الخلافة أي دولة الدين أصلا، لكن الصراع النتائج تحول إلى صراع البدايات والتأسيس حيث أن الأولوية تحولت من مواجهة السلطة المغتصبة لحق الخلافة إلى مواجهة الفريق الخصم المختلف في نفس دائرة الدين، المنطق عندهم كان يقوم على قاعدة أساسية وقاعدو ملحقة، الملحقة طبعا هي النتيجة إسقاط الدولة اللا دينية أو المدنية، من خلال تجريدها من مشروعية الحق لها في القيادة، هذه المشروعية بنظرهم مستمدة من دعم أعداء الدين للدين، وبالتالي ما لم نسقط هذه المشروعية لا يمكن إسقاط الحكم اللا ديني، أعداء الدين هنا جهتين هم اليهود والنصارى الذين يسعون وحسب الأدب والموروث الديني لخذل الإسلام وإفشاله، الطريق الطبيعي أن تكون المواجهة معه مباشرة، لكن محركات الصراع تقول أن بقاء هذا العدو وخذلانه يعتمد على بقاء المختلف داخل دائرة الدين يعني العدو الثاني، فلا بد أولا جعل كل الناس في المجتمع الإسلامي تؤمن بهذه النظرية وتطيع أولي الأمر، بعدها نتوجه للهدف الثاني أعداء الدين لنكون في النهاية وجها لوجه مع السلطة اللا دينية الحاكمة، إذا أولى مراحل المواجهة تكمن داخل المجتمع الإسلامي وأختزاله في نظرية واحدة، من هنا نشأ الصراع السني الشيعي بأعلى درجاته مستخدما العنف الجسدي والعنف الفكري كوسائل أساسية.
هذه النظرية السياسية بالرغم من كل سلبياتها وأثارها المدمرة على المجتمع الإسلامي وتقسيمه وشرذمة الخطاب الديني القيمي الأخلاقي، كانت من نتائجه الأساسية إخراج الدين والفكر الديني والقيم الأساسية فيهما من دائرة الأحترام والتعظيم إلى مرتبة أدنى، ولم يعد رجل الدين ذلك الملاك المتحرك داخل منظومة المجتمع الإسلامي المحافظ، وقد تحولت النظرة له من موضع الأحترام والتقدير بسبب المنزلة الدينية إلى رجل سياسة، يفقد الكثير من الرصيد الأجتماعي مع توالي الأخطاء والخطايا التي ترتكب باسم الدين، إلا أن أهم تحول إيجابي وإن كان عارضا أول الأمر إلى أنه بالتراكم تحول إلى حصاد أكبر، وهو رفع الغطاء عن الكم الهائل من الخرافات والكذب والتدليس الذي رافق الفكر الديني الإسلامي منذ ما بعد عصر الخلفاء، لقد عرى الصراع كل الفكر النوعي المذهبي والطائفي عند المتخاصمين، ودخل الكثير من المفكرين التنويريين من خارج المؤسسة الدينية للصراع الفكري، ناقدين وفاحصين ومصوبين وهم ذوي ثقافة عريضة وفكر ثاقب، وضع كل رجال الدين وإرثهم الفكري تحت طاولة النقد العلمي والموضوعي المنطقي المر، ليواجهوا مجتمع ناقد غير مصدق أنهم خضعوا للتدليس والخداع وغسيل الأدمغة طيلة أربعة عشر قرنا من الزمان، ليهموا الناس أنهم حراس المعبد وفكر الله.
سقطت بالحوار والنقاش نظريات كثيرة منها ما هو أساسي كان في فكر المتخاصمين، مثلا نظرية الخلافة والإمامة أي النظرية الإسلامية في الحكم كما تسمى، وسقط الكثير من المتراكم الفقهي المبني على تسليمات كانت محذور تناولها أو التقرب منها، وسقطت الكثير من الأحكام التي تحولت إلى مهازل كوميدية منها إرضاع الكبير وقضية أكل الداجن لبعض الأحكام والسور والآيات وتفخيذ الرضيعة وغيرها، وشكل الفكر الديني تراجعا حرجا في موقفه السياسي وحتى العقائدي مع هذا النقد والفحص التنويري الذي قاد إلى تحول عميق في نظرة الناس للأديان، وخاصة الجيل الذي ولد أواخر فترة الصراع ولم يكن معنيا فيه أو بنتائجه بقدر ما هو باحث عن فرص للحياة خارج ما تسالم عليه المجتمع الإسلامي من قواعد وأحكام، لذا ظهر عدم الميل للتحزب الديني بل إلى إهمال التأثير الديني ذاته على سلوكيات جيل الألفية الجديدة، هذا يقود إلى أفتراض واقعي سيكون حقيقيا خلال الفترة القادمة، وبحدود بعض العقود الزمنية التي تجعل من الدين جزءا من مخزونات ومعروضات المتاحف، بعد أن يهجر الجميع كل ذلك الكذب والتدليس والهوس اللا منطقي بأمر لم يعد له ضرورة مع تطور الفكر البشري ونضجه المتسارع وتوافقه مع الحقائق الوجودية.
إذا يمكننا القول أن الصراع المر والمدمر أكل بالنتيجة طرفي النزاع وأسس لفكرة دولة المجتمع ودولة الإنسان بعد أن أكتشفنا أن الله ليس منظمة سياسية ولا هو رئيس حزب يعمل بأليات العصابات والمافيات، الله صاحب نظرية تقوم على دعوة الإنسان لإصلاح الوجود ليضمن لنفسه فكرة الجنة والحياة المثلى، لا يريد أكثر من هذا ولا يفعل ما يقولون من أنه سيرسل جنده من الظالمين لينتقم بهم من الإنسان وقد أعد نارا وجحيما الكل يردها وواردها صالحا كان أو طالحا، هذا الآلة القاسي المازوشي الغضوب الذي لا تأخذه بالإنسان ضعفه وصغر وجوده مقارنة مع حجم الوجود الذي حتى لا يمكن تصوره عقليا، هذا الرب مجنون بالعظمة ومجنون بقوته الطاغية هو ما قدمه للناس طرفي الصراع، فيما هم يحاولون التوسط بين الله والناس ليسامهم الرب مقابل رشوة يتقاضونها من الناس والله لا يعلم بها... هكذا سيسقط دين الكهنة وفرسان المعبد المظلم وزواغير المنطق الإكراهي الأستحماري القائم على إطاعة أولي الامر منكم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موكب الطرق الصوفية يصل مسجد الحسين احتفالا برا?س السنة الهجر


.. 165-An-Nisa




.. مشاهد توثّق مراسم تغيير كسوة الكعبة المشرفة في المسجد الحرام


.. قوات الاحتلال تمنع أطفالا من الدخول إلى المسجد الأقصى




.. رئاسيات إيران 2024 | مسعود بزشكيان رئيساً للجمهورية الإسلامي