الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشكالية الدولة في المجتمعات الإسلامية 3

علي وتوت

2006 / 10 / 5
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لقد أوجد المسلمون القائمون على الأمر (هكذا يدعوهم الجابري) أو من أصحاب الكلمة والرأي، على رأس الدولة الإسلامية منصب الخليفة (بمعنى خليفة رسول الله، وكان أبو بكر الصديق (رض) هو أول من شغل هذا المنصب في اجتماع سقيفة بني ساعدة الذائع). هذا المنصب الذي تم ترشيح الخلفاء الأربعة إليه بطرق عدة، مرةً بإجماع فئةٍ من مهاجري قريش تحديداً، كما حصل في البيعة لأبي بكر الصديق(رض)، ومرةً بتوصية من الخليفة السابق كما حصل في بيعة عمر بن الخطاب (رض)، ومرةً بتعيين ستة على أن يتم ترشيح أحدهم فيما بينهم كما حصل في بيعة الخليفة الثالث عثمان بن عفان (رض)، أو بطريق الانتخاب (الاختيار) المباشر كما حصل في بيعة الخليفة الرابع علي بن أبي طالب (رض).
إن هذا التنوع في الطرق والآليات لاختيار الرجل (تحديداً !!) الذي ستكون صلاحياته مطلقة، وغير محدودة بحدّ فيما يخص شؤون السياسة في الحكم والدولة. فالخليفة هو المسئول عن إدارة الشؤون العامة وتوجيهها، وله السلطة العليا في إرسال الجيوش وتعين الولاة وعزلهم وتحديد حقوقهم وواجباتهم. ويستمد الخليفة قوته من مسؤوليته في تسيير أمور الدولة كلها، وواجبه في تامين سلامتها (كذا !!). ومع أن الخليفة هو صاحب السلطة العليا فانه كان يستشير من يرى استشارتهم من الصحابة لسماع آرائهم وتوجيهاتهم، إلا أن القرارات تصدر باسمه وهو المسؤول الأول عن إصدارها ومتابعة تنفيذها (كذا !!).
هذا التنوع والتعدد في طريقة الاختيار سيحيلنا إلى الملاحظة السابقة لـ (محمد جابر الأنصاري) عن تأخر السؤال الأكثر أهمية وموضوعية: (كيف يكون الحكم بعد النبي في الدولة الجديدة ؟، بأي منهاج وبرنامج اسـتنباطاً من مباديء الإسلام السـياسـية التي جاءت عامة مرنة تتطلب التحديد والتقنين ؟). وهو ما سوف يستفيد منه معاوية بن أبي سفيان ويستغله في تكوين ما سيطلق عليه الجابري دولة (الملك السياسي)(1). فمؤسسة الخلافة الإسلامية التي لم ينص عليها صراحة لا القرآن ولا السنة وإنما استحدثتها القائمون على الأمر من المسلمين عقب وفاة النبي وساروا بها، كنتاج اجتماعي، مع توالي عهود الخلافة(2)، وبالتالي فإن بإمكان مسلم آخر أن يوجد شكلاً آخر من الحكم (هو الملكية المحض، يورث الأب الملك لابنه، ويرث هذا الأخير الملك عن أبيه)، هذا من جهة.
ومن الجهة الأخرى، فإننا نرى إمكانية الفصل بين المؤسستين السياسية والدينية منذ وفاة الرسول الأعظم (ص). إذ إن المسلمون كانوا يرون النبي محمد (ص) كملكٍ رسول، تؤكد حقيقة جمعه للسلطتين السياسية (بحكم كونه الحاكم الأوحد في الأمة الإسلامية) والدينية (بحكم كونه رسول الله وخاتم الأنبياء). ولكن التساؤل الذي يطرح نفسه هو:
- مَنْ خولَّ من أتى بعده من الحكام السياسيين (الخلفاء) تبوأ زعامة السلطة الدينية، بل والحكم (الشرعي) على أفعال الأشخاص وفقاً للنص الذي صار هم من يفسرونه ؟
إذ أصبح من حق الحاكم (الخليفة) تكفير الناس (يذكر لنا التاريخ بهذا الشأن أن من بين ما سميّ بحوادث الردة، بعد وفاة الرسول (ص) حادثة الصحابي الجليل مالك بن نويرة الذي قام بقتله الصحابي خالد بن الوليد خطأً وكيف تم تبرير ذلك)(3)، بل والحضَّ على قتلهم استناداً على تفسيرات دينية كان يضعها الخليفة نفسه (بعَّدِهِ الأكثر علماً دينياً أيضاً !!).
ـــــــــــــــــــــ
(1) محمد عابد الجابري: العقل السياسي العربي، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، ط4، 2000، ص234
(2) توفيق المديني: المجتمع المدني والدولة السياسية في الوطن العربي، دمشق، اتحاد الكتاب العرب، 1997، ص 211
(3) راجع أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: تاريخ الأمم والملوك، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، بيروت، لبنان، دار روائع الفكر العربي، 1967، مج (10 ج )، ص 351








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تعلق كل المبادلات التجارية مع إسرائيل وتل أبيب تتهم أر


.. ماكرون يجدد استعداد فرنسا لإرسال قوات برية إلى أوكرانيا




.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين: جامعة -سيانس بو- تغلق ليوم الجمعة


.. وول ستريت جورنال: مصير محادثات وقف الحرب في غزة بيدي السنوار




.. ما فرص التطبيع الإسرائيلي السعودي في ظل الحرب الدائرة في غزة