الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتاب منذر سفر: هل القرآن أصيل؟ - 16

جدو جبريل
كاتب مهتم بالتاريخ المبكر الإسلامي والمنظومة الفكرية والمعرفية الإسلامية

(Jadou Jibril)

2022 / 11 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


البسملة و الرحمن

السور الموجودة في المصحف الذي بين أيدينا كلها مسبوقة - باستثناء سورة 9- التوبة - بالبسملة -الصيغة الطقوسية: "بسم الله الرحمن الرحيم ". من الواضح، أنه مما سبق قوله عن التكوين التدريجي للسور(1) ، أن هذه الصيغة لا يمكن اعتبارها جزءً من السور إلا بعد تكوينها واستكمالها.
___________________
(1) – أنظر الحلقة السابقة:
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=773185
______________________

يمكن تبيين ذلك من خلال اعتبارات أخرى. أولاً ، أشارت الآيات القرآنية المبكرة إلى الله بالرب. ولم يظهر اسم الله والرحمن إلا لاحقًا ، مع تفضيل الأخير ( الرحمن) ، على سبيل المثال في سورة 19 - مريم - حيث ذكرت "الرحمن 16" مرة.

وتسمح الآية 110 من سورة الإسراء للمسلمين باستخدام اسمي الله أو الرحمن:
(( قُلِ ادْعُواْ اللَّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً)).

ويمكن تفسير هذه الآية بالجدل الذي نقله الموروث والسردية الإسلاميان بخصوص رفض قريش استخدام اسم "الرحمن" وفضلوا اسم "الله" (2). ولعل نتيجة هذه الحوادث أن استخدام "الرحمن" كان أقل فأقل كاسم "الله" في النصوص المنزلة. وردت "الرحمن" في 17 سورة ضمن 114 التي يتكون منها المصحف الذي بين أيدينا.
_______________________
(2) - أنظر ورقة ملحقة مستقلة أسفله
_______________________

ومن الملاحظ أن هذا الاسم - "الرحمن" - هو اسم إله عربي جنوبي. اندمج في المجال الغربي السامي إلى "حداد" أو "هداد" أو "أدا" ، إله البرق (3). مسيلمة ، الذي ادعى النبوءة زمن النبي محمد ، كان مستوحى بشكل مباشر من نفس الإله الرحمن. يمكن أن يكون للجدل حول اسم الله – "الرحمن" - علاقة مباشرة أو غير مباشرة مع معارضة مسيلمة ، الذي قتله القائد العسكري خالد بن الوليد خلال حملة عسكرية أمر بها الخليفة الأول للإسلام أبو بكر بعد وفاة الرسول. كما نجد قصة مسيلمة مذكورة بشكل مثير للفضول في سياق جمع المصحف ، إذ أن بعض الروايات توضح أن قرار اتخاذها جاء بعد وفاة عدد كبير من قراء القرآن في المعركة ضد هذا "النبي الكذاب". ربما تكون هذه المعركة خاتمة لخلاف يعود إلى الجدل بخصوص الله "الرحمن" ، والذي كان سيتطلب صلاحيات جديدة لوضع اللمسات الأخيرة على نص رسمي يمكن أن يصادق على هذا النصر ويستبعد ويمنع النظر في "آيات" مسيلمة (4) واعتبارها ذات مصداقية. وكان هذا الخطر أكثر واقعية مع ورود "الرحمن" في الوحي.
______________________________
(3) - أداد (أو أدا ، أدو ، حداد) ، في نصوص "إيشكور" السومرية ، هو إله العاصفة والخصوبة لبلاد ما بين النهرين وسوريا القديمة. يمثل بشكل عام العناصر المناخية ، بما في ذلك المطر ، وعلى هذا النحو ، فإنه يظهر أيضًا كإله للخصوبة.
(4) - لم تصلنا نصوص موثوق بها لما كان يقوله مسلمة بن حبيب الحنفي (مسيلمة الكذاب، صيغة تحقيرية اعتمدها المسلمون) ، ما وصلنا هي أقوال مفبركة مضحكة وساخرة نسبت إليه للتقليل من شأنه، وربما قد يتم العثور على بعضها في كتابات سريانية قديمة.
__________________________

لذلك ربما كان هناك بعض الارتباط بين القضاء على مسلمة بن حبيب الحنفي وبداية تطبيق الشريعة القرآنية. يرد "الكندي" - مؤلف عربي مسيحي (القرن الثامن / التاسع الميلادي) (5) ، على مجادله المسلم ، حول إعجاز القرآن ، أنه كان بين يديه مجموعة من آيات مسلمة، ويضيف: " عليك أن لا تتجاهل أن رجالًا مثل مسلمة الحنفي ، والأسود الخنسي ، وطليحة الأسدي ، وغيرهم كثيرين ، أنتجوا أعمالًا مشابهة لأعمال سيدك. وأشهد أنني قد اطلعت على مجموعة من أقوال مسلمة، التي ، لو ظهرت ، كان من الممكن أن تدفع العديد من أصدقائك إلى التخلي عن الإسلام. لكن هؤلاء الرجال لم يكن لديهم دعم ، كما هو الحال بالنسبة لسيدك".
_________________________
(5) - "رسالة الكندي "، هي رسالة دينية العربية ، راجت في الأوساط المسيحية ، وتضم رسالتين ، إحداهما من المسلم عبد الله الهاشمي، والثانية للمسيحي عبد المسيح الكندي ، يدافع كل منهما عن عقيدته ويدعو الآخر للانضمام إليه. الرسالتان غير متساويتان من حيث الطول ، فالهاشمي يكتفي بعرض وبتقديم الإسلام ، بينما يفند الكندي في البداية تأكيدات مراسله قبل أن يقدم عرضا للمسيحية. قيل إن هذه المراسلة بين المسلم "الهاشمي" والمسيحي العربي "الكندي" حدثت في عهد الخليفة المأمون (813- م 834). وما نعرفه تاريخيا عن انفتاح هذا الخليفة لا يتعارض البتة مع هذا التأكيد. وأقدم "شهادة خارجية" موثقة بخصوص هذه المراسلة والرسالتين تعود لـ " أَبُو الرَّيْحَانِ مُحَمَّدٌ بْنُ أَحْمَدَ البِيرُونِيّ - (973-1048)وردت في "كرونولوجيته" (الفصل الثامن: في عصور الأنبياء الكذبة). ولا تزال مسألة أصالة وتاريخ هذه المراسلة محل نكران أحيانا وجدال في صفوف المسلمين.
___________________________

ترددت السردية الإسلامية التقليدية في اعتبار البسملة الافتتاحية للسور آية من آيات القرآن. وفقًا للتقاليد ، فإن بعض مجموعات القرآن قد استوعبت هذه الصيغة في آية ، مما زاد العدد الإجمالي للآيات القرآنية (6). في كتابه "الكشف عن وجوه القراءات السبع" رفض "مكي بن أبي طالب القيسي" هذه الاختلافات طالما أنها لا تتفق مع إجماع أصحاب النبي وإجماع خلفائهم الراشدين. في الواقع ، برز مذهبان وتعارض مدرستين شرعيتين مهمتين: من جهة فقهاء المدينة المنورة والبصرة والشام الذين رفضوا منح منزلة آية للبسملة ، واعتبروها أسلوب تحريري أستخدم في المصاحف للفصل بين السور ، أو في أحسن الأحوال صيغة لنيل البركة. أما الفقهاء الشافعيون في مكة والكوفة فقد اعتبروا البسملة آية في حد ذاتها ونطقوها بصوت عالٍ، واعتبروها من الوحي المنزل.
_________________________
(6) - تعددت أقوال السردية الإسلامية واختلفت الآراء وتعددت بخصوص عدد آيات القرآن:
- قيل عدد الآيات في القرآن 6236 آية، مع 112 بسملة (غير مرقمة)، وباحتسابها يكون العدد الكلي هو 6348 آية.
- قيل عددها 6200، 6204 ، 6214 ، 6225 ، 6236 ، حسب "الدّاني" (981 – 1053 م).
- وحسب المذاهب: 6217 رواه نافع عن شيخيه أبي جعفر وشيبة. 6214 رواه إسماعيل بن جعفر عن سليمان بن جماز عن أبي جعفر وشيبة. 6210 رواه أبو عمرو الدّاني عن ابن كثير عن مجاهد عن ابن عباس عن أبي بن كعب عن الرسول. 6204 بالنسبة للبصري. وراج العددان 6226 و 6227 في دمشق. العدد 6232: هو العدد الحمصي وقد ذُكر عن شريح بن يزيد الحمصي. و6236 في الكوفة رواه حمزة وسفيان عن علي بن أبي طالب . ولكن الرسول محمد لم يحدد للصحابة عدد آيات سورة بعينها إلا سورة الملك في حديثه عن "سورة ثلاثون آية تنجي من عذاب القبر، وسورة الفاتحة"، عدا ذلك فقد اجتهد علماء المسلمين منذ القرن الأول الهجري في تحديد أي المواضع التي أثر عن النبي محمد هي رؤوس الآيات فنتج عن ذلك سور اختلف العادون مواضع رؤوس الآيات فيها وبالتالي في عدد آياتها، وسور اتفق العادون في عدد آياتها واختلفوا في مواضع رؤوس الآيات، وسور اتفق العادون في عدد آياتها ومواضع رؤوس الآيات فيها. ويبدو أن أسباب هذا الاختلاف في تحديد مواضع بداية ونهاية بعض الآيات، تعود في الأصل إلى عمليات تجميع القرآن لتحديد "المصحف القانوني الموحد".
____________________________________

لكن هناك دلالة مثيرة للاهتمام على مكانة البسملة في أصول الإسلام. في الواقع ، يخبرنا التقليد المتعلق بقراءة القرآن أن النبي لم يكن ليقرأ البسملة عندما قرأ السور الواحدة تلو الأخرى. من ناحيته ، لم يكن "حمزة" أحد القراء السبعة "الشرعيين" ينطق بصيغة البسملة بين السور. وأعطى "القيسي" الذي روى عنه هذا التفسير: لم تكن البسملة بالنسبة له - وفي رأي الفقهاء - آية ، أغفلها أثناء الانتقال من سورة إلى أخرى ، حتى لا يفترض أنها" آية تقع في بداية السورة. وهكذا ، بالنسبة له ، فالقرآن بأكمله "مأخوذ كسورة واحدة" (...) أما وجود البسملة في المصحف، فهو فقط كوسيلة للدلالة على انتهاء السورة وبدء سورة أخرى (7).
_____________________________________
(7) - هناك عدة قرائن - بل ودلائل- قد تقربنا من فهم خلفيات هذه الإشكالية، منها:
- لا خلاف بين العلماء المسلمين في كون البسملة بعضا من آية في سورة النمل ولا خلاف بينهم في كتابتها في أوائل السور جميعا عدا سورة التوبة (مذهب الشافعي - استند على أبي هريرة القائل النبي قال : "إذا قرأتم الحمد لله رب العالمين فاقرؤوا بسم الله الرحمن الرحيم").
- الكثير من الصحابة أثبتوا البسملة في الفاتحة ولم يثبتوا بين الدفتين ( أي مصحفهم) سوى القرآن، حسب "النووي".
- وذهب جمهور من "أهل العلم" إلى أن البسملة ليست آية من الفاتحة ولا من غيرها ولا يجب قراءتها في الصلاة، حسب "ابن قدامه" الحنبلي ( 541 - 620 هـ ) في كتاب "المغني".
- ذهب البعض إلى أنها آية من الفاتحة وليست بآية في بقية السور، وذهب البعض إلى أنها ليست بقرآن وهذا أضعف الأقوال .. بل إن من العلماء من قال بكفر من يقول بذلك.
- ذهب رأي إلى القول إن المسلمون أجمعوا على أن البسملة آيةً بين سورتي الأنفال والتوبة، لأن براءة نزلت بالسيف ولا يتناسب معها البسملة، والبسملة مشتملة على معنى الرحمة، واختلفوا فيما دون ذلك على مذاهب مختلفة وأقوال متباينة.
- عند الحنفية البسملة آية تامة مستقلة أنزلت للفصل بين السور، فهي من القرآن وليست من الفاتحة ولا من غيرها.
- مذهب المالكية: البسملة ليست من القرآن في غير سورة النمل ( ورد هذا في "مواهب الجليل" (544/ 1) - " أﺣﻜﺎم اﻟﻘﺮآن ﻻﺑﻦ اﻟﻌﺮبي" (1/ 6) - "الجاﻣﻊ ﻷﺣﻜﺎم اﻟﻘﺮآن" (1/ 93) -). علما أن محمد بن الحسن، لما سئل عن البسملة قال: "ما بين الدفتين – أي المصحف - كلام الله تعالى".
- روى أبو داود بإسناد صحيح عن ابن عباس: "أن رسول الله – ص - كان لا يعرف فصل السورة"، وبصيغة أخرى: كان النبي ص لا يعلم ختم السورة حتى تنزل بسم الله الرحمن الرحيم. ( وهناك المزيد).
________________________

وقد تكون هذه القرائن وغيرها كثير ، مفيدة جدًا لكشف الوظيفة الطقوسية للبسملة خلال استعمالاتها الأولى. لم يكن حتى وقت لاحق - لما يسمى بمرحلة جمع النص القرآني - قد انتهى الأمر بالبسملة إلى الارتباط بكل سور من السور. وهذا التطور مشابه إذن لمصير الحروف الغامضة التي ظهرت على رأس المجموعات الأولى ، والتي ، بعد إعادة إنتاجها وإعادة تجميعها أثناء انقسام هذه المجموعات الأولى ، فقدت بالتالي وظيفتها الأولية. وفي كلتا الحالتين ، هناك اتجاه لدمج عناصر النص التي تم الكشف عنها والتي لم تكن في البداية جزءًا منه وكانت لها استخدامات أخرى تمامًا.

-------------- يتبع ~ عناوين/ أسماء السور--------------------------------------------------------------------

ورقة ملحقة
انكر كفار قريش اسم من اسماء الله . فقد عملت قريش منذ نزول الدعوة الإسلامية على محمد – ص - الله على إنكار الوحي ودين الإسلام والأمور المتعلقة بذلك، كما أنكرت قريش أحد أسماء الله الحسنى وكذّبته، وهو الرحمن. وقد ورد إنكار أهل قريش لاسم "الرحمن " على لسان قريش في آيات القرآن الكريم في قوله تعالى: ((وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا)) - سورة الفرقان , الآية 60 - ، فقد انكروا بشكل واضح اسم الرحمن .
وقد برزت "الطبيعة الزئبقية" للموروث والسردية الإسلاميين في محاولة المفسرين الجواب على سؤال: كيف التوفيق بين إقرار المشركين لاسم "الرحمن" وإنكارهم له؟، نعرض مسار هذا التوفيق على لسان بعض العلماء المسلمين.
جاء في القرآن: ((وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا)) - (سورة الفرقان ، الآية 60 ) - فقد انكروا بشكل واضح اسم "الرحمن" .
و جاء أيضا في القرآن : (﴿ وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ ﴾) - ( سورة الزخرف، الآية 20).
فالظاهر من آية الفرقان أن المشركين يُنكرون اسم "الرحمن" ولا يؤمنون به، كما قال " الحافظ ابن حجر العسقلاني" - (773هـ - 852 هـ) ، عاش بين القرن الثامن والتاسع الهجريين- في تأويل قول أولئك القرشيين : "أي: لا نعرفه ولا نُقر به"، ويستشهد بالآية 30 من سورة الرعد : (﴿ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ ﴾، كما يستشهد بما وقع في صلح الحديبية لما دعا الرسول الله علي بن أبي طالب ليَكتب الكتاب، فأملى عليه: ((بسم الله الرحمن الرحيم)) فقال "سهيل": "أما الرحمن فوالله لا ندري ما هو؟ ولكن اكتب: باسمك اللَّهم" فأمر النبي بذلك ( حديث رواه البخاري).
لكن قولهم: (﴿ لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ ﴾) - الزخرف 20 - ظاهره اعترافهم وإقرارهم بهذا الاسم. فكيف التوفيق بين هذا الإقرار وذاك الإنكار؟
من الأجوِبة التي ظهرت:
- إن هذا الإنكار والإقرار من تناقُض المشركين، واضطرابهم كما هو حال كل من ابتعد عن الحق وعانده. كل من كذب بالحق فإنه في أمر مختلط لا يُدرى له وجهة ولا قرار، فترى أموره متناقضة.
- (﴿ لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ ﴾) ليس إقرارًا منهم، ولكن من باب الكلام بما يَعتقده المخاطب وإن لم يعتقدْه المتكلم، فيكون المعنى: "لو شاء مَن تزعم يا محمد أن اسمه الرحمن ما عبدناهم"، وهم منكرون له.
- ﴿ وَمَا الرَّحْمَنُ ﴾ من باب التجاهل والتظاهُر بعدم العلم بهذا الاسم، فهم يقرُّون به كما تدلُّ آية الزخرف، لكن لما قيل لهم: ﴿ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ ﴾ تظاهَروا بالإنكار.
- إن تساؤلهم: ﴿ وَمَا الرَّحْمَنُ ﴾ طعن وقدح في الرسول ؛ حيث زعموا أنه يدعوهم إلى عبادة الله وحده ثم يأمرهم بالسجود لإله آخر اسمه الرحمن، مع أنهم في قرارة أنفسهم يعترفون به، بل صرَّحوا بذلك فقالوا: ﴿ لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ ﴾. وفي هذا المعنى يقول ابن عاشور ((1296 هـ/1879م- 1393 هـ/ 1973م): "فكانوا يقولون: انظروا إلى هذا الصابئ ينهانا أن ندعو إلهين وهو يدعو الله ويدعو الرحمن، وفي ذلك نزلت الآية: (﴿ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَ) ﴾ [الإسراء: 110] –(ورد في التحرير والتنوير19 / 62).
- وقال الرازي ( 544 هـ - 605 هـ ) : "ويحتمل أنهم جهلوا الله ، ويحتمل أنهم وإن عرفوه لكنهم جحدوه، ويحتمل أنهم وإن اعترفوا به لكنهم جهلوا أن هذا الاسم من أسماء الله ، وكثير من المفسرين على هذا القول الأخير قالوا: "الرحمن" اسم من أسماء الله مذكور في الكتب المتقدمة، والعرب ما عرفوه... قال القاضي والأقرب أن المراد إنكارهم لله لا للاسم؛ لأن هذه اللفظة عربية، وهم كانوا يعلمون أنها تفيد المبالغة في الإنعام، ثم إن قلنا بأنهم كانوا منكرين لله كان قولهم: ﴿ وَمَا الرَّحْمَنُ ﴾ سؤالَ طالب عن الحقيقة، وهو يجري مجرى قول فرعون: ﴿ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الشعراء: 23]، وإن قلنا بأنهم كانوا مقرِّين بالله لكنهم جهلوا كونه تعالى مسمى بهذا الاسم كان قولهم: ﴿ وَمَا الرَّحْمَنُ ﴾ سؤالاً عن الاسم"؛ ( ورد في "مفاتيح الغيب" 24 ).
وأما الادعاء بأنهم كانوا جاهلين بمعنى "الرحمن" فقد نسبه الطبري إلى الغباء بقوله: "وقد زعم بعضُ أهل الغَباء أنَّ العرب كانت لا تعرف "الرحمن"، ولم يكن ذلك في لغتها، ولذلك قال المشركون للنبي: ﴿( وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا )﴾ -الفرقان: 60- إنكارًا منهم لهذا الاسم، كأنه كان محالاً عنده أن يُنكر أهل الشرك ما كانوا عالمين بصحته.. وكأنه لم يتْلُ من كتاب الله قول الله: ﴿( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ )﴾ - يعني محمدًا - ﴿( كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ )﴾ - البقرة: 146-، وهم مع ذلك به مكذِّبون، ولنبوته جاحدون! فيعلم بذلك أنهم قد كانوا يدافعون حقيقةَ ما قد ثبت عندهم صحتُه، واستحكمتْ لديهم معرفتُه"( ورد في " جامع البيان في تأويل آي القرآن" 1 / 131).
يعتبر دفاع الكندي (*) من الكلاسيكيات في الأدب العربي المسيحي. بالنسبة للبعض ، الكندي شخصية تاريخية عاشت حقًا في عهد المأمون. وبالنسبة لآخرين يجب أن يكون مرتبطا ببعض المؤلفين الأحدث ، إما بـ "يعقوبي" تارة ، أوبـ "نسطوري" تارة أخرى. لا يمكننا أن ننسى هنا المساهمة الأكثر لرجل فرنسي ، القس "جورج تارتار" - Georges Tartar - « Dialogue islamo-chrétien sous le calife al -Ma mun »- " الحوار الإسلامي المسيحي في عهد الخليفة المأمون " (**).
______________________________________
(*) - هو عبد المسيح بن إسحاق الكندي ، لا ينبغي الخلط بينه وبين أبي يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي المعروف في جامعات العصور الوسطى الغربية تحت الاسم اللاتيني "ألكيندوس" الفيلسوف.
(**) - الحوار الإسلامي المسيحي في عهد الخليفة المأمون هو مجموعة من الرسائل التي تبادلها الهاشمي والكندي من 813 إلى 834 عن ديانتهم. حوار مهذب بين عالمين يسردان النقاط التي تتباعد فيها دياناتهم ، ولكن أيضًا في ما يتفقون عليه ، ويسعون للتمييز بين رسالة مؤسسيهم وتفسير الأجيال التي أعقبتهم. " قبل أكثر من اثني عشر قرنًا ، توغل رجلان ، مسيحي ومسلم ، كل من جانبه ليحافظ على يقين الحقيقة الدينية الوحيدة وإرادة تحويل الآخر إليها. ومن هذه الوصية ولد هذا الحوار حيث يقدم كل واحد دون عنف أو طائفية إيمانه للآخر بدعوته للانضمام إليه.
رابط اقتناء الكتاب:
https://www.amazon.fr/Dialogue-islamo-chr%C3%A9tien-calife-Al-Mam%C3%BBn-813-834/dp/2723302660
_________________________________________








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حديث السوشال | فتوى فتح هاتف الميت تثير جدلاً بالكويت.. وحشر


.. حديث السوشال | فتوى تثير الجدل في الكويت حول استخدام إصبع أو




.. عادات وشعوب | مجرية في عقدها التاسع تحفاظ على تقليد قرع أجرا


.. القبض على شاب حاول إطلاق النار على قس أثناء بث مباشر بالكنيس




.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر