الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتابات عَرَضِية: إبتكار العدو 2ـ 1

خسرو حميد عثمان
كاتب

(Khasrow Hamid Othman)

2022 / 11 / 13
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


أولا: يتراءى لي عند التأمل في تأريخ: إلقاء UMBERTO ECO (عاش في ميلانو 5/1/1932-19/2/2016) محاضرته الموسومة " ابتكار العدو"* في جامعة بولونيا ـ الإيطالية في 15 مايو 2008، كجزء من سلسلة أمسيات عن الكلاسيكيات، أراد، في نظري، أن يدحض ما جاء في كتاب العَالِمِ والفيلسوف السياسي الأميركي فرانسيس فوكوياما "نهاية التاريخ والإنسان الأخير"** عام 1992، وعقيدة وولفويتز wolfowitz Doctrine حول السياسة الخارجية والدفاعية للولايات المتحدة التي لم تكن مخصصا لنشرها لإطلاع الرأي العام، وتم تسريبها إلى صحيفة نيويورك تايمز في 7 مارس 1992، سبب في ظهور الاحتجاجات التي أدت إلى إعادة كتابة الوثيقة على عجل تحت إشراف دقيق‏‏ من وزير الدفاع الأمريكي‏‏ ديك تشيني ‏‏ورئيس هيئة الأركان المشتركة‏‏ كولن باول‏‏ قبل إصدارها رسميا في 16 أبريل 1992. عادت العديد من مبادئها إلى الظهور في‏‏ عقيدة بوش‏‏،‏‏ التي وصفها السيناتور ‏‏إدوارد كينيدي‏‏ بأنها "دعوة‏‏ للإمبريالية الأمريكية ‏‏في القرن الحادي والعشرين لا يمكن لأية دولة أخرى أن تقبلها". من الويكيبيديا
نظرا للمؤهلات التي كان يتمتع بها أمبرتو إيكو باعتباره فيلسوفاً، وروائي، وكاتب مقالات، وتربوي، وكاتب سيناريو، ومترجم، وأستاذ جامعي وناقد أدبي، ومتخصص في الدراسات القروسطية، ومؤرخ، وهو أحد أهم النقاد اللادينيين في العام مكنته من وضع اليد على حقيقة حتمية "وجود عدو" في حياة الأفراد والأمم والامبراطوريات عندما يذكر بصراحة ووضوح: (إن وجود عدو أمر مهم ليس فقط لتحديد هويتنا ولكن أيضًا لتزويدنا بعائق نقيس نظام قيمنا عليه، وفي السعي للتغلب عليه، لإظهار قيمتنا الخاصة. لذلك عندما لا يكون هناك عدو، علينا اختراع واحد.)
يرى أمبرتو بأن زوال العدو، على حين غرة، يسبب إرباكا وحالة ضياع، عندما يذكر في محاضرته: (‏‏شاهد ما حدث في الولايات المتحدة عندما اختفت إمبراطورية الشر وتلاشى العدو السوفياتي الضخم. كانت الولايات المتحدة في خطر فقدان هويتها حتى قدم بن لادن رحمته بمد اليد الرحيم امتنانًا للفوائد التي حصل عليها عندما كان يقاتل ضد الاتحاد السوفيتي، وأعطى بوش الفرصة لخلق أعداء جدد، وتعزيز مشاعر الهوية الوطنية فضلا عن قوته.)
للإجابة على سؤال من هم الأعداء وما أدوارهم؟ يوضح أمبرتو: (يبدو أننا لا نستطيع تدبير الأمور بدون عدو. لا يمكن إلغاء شخصية العدو من سيرورات الحضارة. الحاجة طبيعية حتى لرجل سلام معتدل. في حالته، تتحول صورة العدو ببساطة من كائن بشري إلى قوة طبيعية أو اجتماعية تهددنا بطريقة ما ويجب هزيمتها، سواء كان ذلك استغلالًا رأسماليًا أو تلوثًا بيئيًا أو جوعًا في العالم الثالث. ولكن على الرغم من أن هذه قضايا "فاضلة"، إلا أن كراهية الظلم، كما يذكرنا بريشت، "تجعل الحاجب ينمو بشدة". فهل يكون إحساسنا الأخلاقي عاجزًا عند مواجهة الحاجة القديمة للأعداء؟ أود أن أزعم أن الأخلاق لا تتدخل عندما نتظاهر بأنه ليس لدينا أعداء ولكن عندما نحاول فهمهم، لوضع أنفسنا في وضعهم.)
ويذكرأيضا:( يُنظر إلى العدو أحيانًا على أنه مختلف وقبيح لأنه ينتمي إلى طبقة أدنى …. ولذا نحن هنا لا نهتم كثيرًا بالظاهرة الطبيعية المتمثلة في تحديد العدو الذي يهددنا، ولكن مع عملية خلق العدو و شيطنته.)
يذكر أمبرتو بأن أسباب اعتبار طرف ما عدوا لاتعتمد فيما إذا يشكل تهديدا: (الأعداء يختلفون عنا ويراعون العادات التي ليست لنا….فمنذ البداية، غالبًا ما يكون الأشخاص الذين أصبحوا أعداءنا ليسوا أولئك الذين يهددوننا بشكل مباشر "كما كان الحال مع البرابرة"، ولكن أولئك الذين يهتم شخص ما بتصويرهم على أنهم تهديد حقيقي حتى عندما يكونون موجودون بيننا بدلاً من التهديد الحقيقي الذي يسلط الضوء على الطرق التي يختلف بها هؤلاء الأعداء عنا، يصبح الاختلاف بحد ذاته رمزًا لما نجده مهددًا.)
نستطيع أن نورد بعض الامثلة خلال التاريخ العراقي المعاصر على غرار ما حدث للبرابرة في أوروبا : ما حدث لليهود والمسيحيين وما حدث للعائلة الهاشمية في العراق تموز1958 بدون مبرر، عبد الكريم قاسم الذي تكالب عليه جميع الأطراف دون أن يكون له عداوة مع أحد، عبدالرجمن عارف لعدم ميله لسفك الدماء والعنف، عبدالرحمن البزاز الذي أراد إبعاد العسكريين عن الاستمرار بالإستئثار بالحكم، الأكراد الفيليين الشيعة، عبد الخالق إبراهيم السامرائي لعدم ميله للعدوانية وتواضعه وسعيه للارتقاء بحزب البعث كحزب مدني وإبعاده عن الفكر القومي الضيق في بلد متعدد الأقوام والمذاهب، حميد عثمان عندما شيطنته مجموعة حسين أحمد الموسوي ـ كريم أحمد الداود وتوابعهما، الخورشيديون المسالمون، ضحايا عمليات الانفال و الكيمياوي في حلبجة، المغيبين وضحايا الصراع الطائفي، و المتظاهرين الشباب الذين قتلوا أو اغتيلوا بالجملة في ساحة التحرير وفي مناطق سكناهم، خزائن الشعب العراقي وثرواته و ممتلكاته….. والحبل على الجرار كما يقولون.
بعد أن يذكر امبرتو أمثلة كثيرة موثقة في محاضرته حول موضوع ابتكار العدو منذ العصور الغابرة مرورا بالعصور الوسطى متنقلا في نهاية محاضرته إلى موضوع له علاقة بمستقبل البشرية جمعاء عندما يقول:
(لكن دعونا نكون واقعيين. هذه الطرق لفهم العدو هي من اختصاص الشعراء أو القديسين أو الخونة. إن دوافعنا العميقة من نوع آخر تمامًا. في عام 1967 نُشر تقرير من آيرون ماونتن حول إمكانية السلام واستحسانه في أمريكا من قبل "جون دو"، أشار أحدهم إلى أنه غالبريث. ومن الواضح كان كتيبا ضد الحرب، أو على الأقل رثاءً متشائما بشأن حتميتها. ولكن بما أننا، من أجل شن الحرب، نحتاج إلى عدو للقتال، فإن حتمية الحرب مرتبطة بحتمية تحديد العدو وخَلْقِه. وهكذا، في الكتيب تحذير بجدية بالغة، كون إعادة تحول المجتمع الأمريكي بأسره إلى حالة سلام ستكون كارثية، لأن الحرب وحدها هي التي توفر الأساس للتطور المتناغم للمجتمعات البشرية. توفر الهدر المنظم صمامًا ينظم الإدارة الفعالة للمجتمع. تَحُل مشكلة الإمدادات. إنها قوة دافعة. الحرب تُمَكِنْ المجتمع من التعرف على نفسه على أنه "أمة"؛ لا تستطيع الحكومة أن تؤسس حتى مجال شرعيتها الخاصة دون وجود حرب؛ فقط الحرب تضمن التوازن بين الطبقات، وتجعل من الممكن تحديد واستغلال العناصر المعادية للمجتمع. السلام ينتج عدم الاستقرار والانحراف بين الشباب. قنوات الحرب تجمع جميع القوى التخريبية بأفضل طريقة ممكنة، مما تمنحها "مكانة". الجيش هو الأمل الأخير للمنبوذين وغير الأسوياء. إن نظام الحرب وحده، بسلطته على الحياة والموت، يدفع الناس إلى دفع ثمن الدم للمؤسسات الأقل مركزية في التنظيم الاجتماعي من الحرب، مثل السيارات. من وجهة النظر البيئية، توفر الحرب صمام لتحرير الأرواح الزائدة؛ ومع ذلك، حتى القرن التاسع عشر، قُتل في الحروب أفراد المجتمع الأكثر شجاعة (الجنود) فقط بينما نجا أعضاء لا قيمة لهم، جعلت التكنولوجيا الحالية من الممكن التغلب على هذه المشكلة بقصف المراكز الحضرية. يحد القصف من الازدهار السكاني بشكل أفضل من طقوس قتل الأطفال، والرهبنة، والتشويه الجنسي، والاستخدام المكثف لعقوبة الإعدام. . . تتيح الحرب، أخيرًا، تطوير فن "إنساني" حقيقي تسود فيه المواقف المتضاربة. إذا كان الأمر كذلك، فإن تربية العدو يجب أن تكون مكثفة ومتواصلة.)
كما وينقلنا أمبرتو إلى جانب أخر للموضوع عندما يقول: (نحن نشهد الخوف الذي يمكن أن ينجم عن التدفقات الجديدة للمهاجرين. في إيطاليا اليوم، يُصوَّر الرومانيون على أنهم أعداء من خلال توسيع ثقافة عرقية كاملة لخصائص عدد قليل من أعضائها المهمشين، وبالتالي توفير كبش فداء مثالي لمجتمع محاصر في التغيير - بما في ذلك التغيير العرقي - لم يعد قادرة على التعرف على نفسها.
يقدم سارتر الرؤية الأكثر تشاؤماً في هذا الصدد في No Exit. لا يمكننا التعرف على أنفسنا إلا في وجود الآخر، وعلى هذا تستند قواعد التعايش والخضوع. لكن من الأرجح أننا نجد هذا الآخر غير محتمل لأنه إلى حد ما ليس نحن. بهذه الطريقة، من خلال اختزاله إلى عدو، نخلق جحيمنا على الأرض. عندما حبس سارتر ثلاثة أشخاص ماتوا، ولم يعرفوا بعضهم البعض في الحياة، في غرفة نوم بالفندق، أدرك أحدهم الحقيقة المروعة: "انتظر! سترى كم هو بسيط. بسيط بشكل طفولي. من الواضح أنه لا توجد أي عذابات جسدية. أنت توافق، أليس كذلك؟ ومع ذلك، نحن في الجحيم. ولن يأتي أي شخص آخر إلى هنا. سنبقى في هذه الغرفة، نحن الثلاثة، إلى الأبد وإلى الأبد. . .
باختصار، هناك شخص غائب هنا، الجلاد الرسمي. . . من الواضح ما يسعون إليه - هو اقتصاد القوى العاملة. . . كل واحد منا سيعذب الاثنين الآخرين ")
(يتبع)
الهوامش:
* يمكن قراءة ترجمة المحاضرة من الإنجليزية إلى العربية على الرابط:
https://docs.google.com/document/d/15cckX8cCZotYw5vuzTnls63YKc_fZg0i5ok_wrXBHvs/edit
** نهاية التاريخ والإنسان الأخير، هو كتابٌ فَلسَفيٌّ اِجْتماعيِّ، غيرُ روائيِّ، من تأليف العَالِمِ والفيلسوف السياسي الأميركي فرانسيس فوكوياما. نَشَرت في صيف 1989 مجلة ناشيونال إنترست مقالاً بعنوان نهاية التاريخ؟ وأُطْروحَتهُ الأساسيَّة أن الديمقراطيَّة الليبراليَّة بقِيَمها عن الحرية الفردية، المساواة، السيادة الشعبية، ومبادئ الليبرالية الاقتصادية، تُشَكِّلُ مرحلة نهاية التطور الأيديولوجي للإنسان وبالتالي عولمة الديمقراطية الليبرالية كصيغةٍ نهائيةٍ للحكومة البشرية. بِغَضِّ النَظَر عن كيفية تجلي هذه المبادئ في مجتمعاتٍ مختلفة. نهاية التاريخ لا تعني توقف الأحداث أو العَالَم عن الوجود، ولا تقترح تلقائية تبني كافة مجتمعات العالم للديمقراطية، المقصود وجود إجماع عند معظم الناس بصلاحية وشرعية الديمقراطية الليبرالية، أي انتصارها على صعيد الأفكار والمبادئ، لعدم وجود بديل يستطيع تحقيق نتائج أفضل. وعلى المدى البعيد، سوف تغلب هذه المبادئ وهناك أسبابٌ للإيمان بذلك. سائراً على خطى الفيلسوف الألماني جورج هيغل، استعمل فرانسيس الجدلية باعتبارها قوةً دافعة خلف حركة التاريخ البشري. هذا التاريخ ليس مُجرَّد سجلٍ للأحداث بل عمليةٌ ارتقاءٍ متواصلةٍ للفِكْرِ البشري. لهذا الارتقاء مُحركان: العلم الطبيعي الحديث، والنضال من أجل الاعتراف. وناقش كيفية تجلي هذا النضال في مجالات الثقافة، السياسة الدولية، الأخلاقيات، الدين، القومية، والعمل. الإنسان الأخير هو تحليل مرحلة ما بعد الاعتراف والانتهاء المفترض للجدلية، إنسان ما بعد الحداثة وما بعد الإنسانية.
صدر الكتاب عام 1992 وأثار ضجة كبيرة، وكان سبباً لاستحقاق شهرة فوكوياما. تنوعت انطباعات النقاد بشأن محتواه، المحتفون رَأَوْا أنَّ فوكوياما لم يكتفي بتأكيد انتصار الليبرالية بل قدم المعنى خلف هذا النصر، بينما رأى آخرون أنه مُجرَّد انتصاريةٍ ليبرالية بعد الحرب الباردة، وما بين الموقفين مجالٌ واسعٌ من الآراء والمراجعات. (مقتبس من الويكيبيديا)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل شخص وجرح آخرين جراء قصف استهدف موقعا لقوات الحشد الشعبي


.. فايز الدويري: الهجوم رسالة إسرائيلية أنها تستطيع الوصول إلى




.. عبوة ناسفة تباغت آلية للاحتلال في مخيم نور شمس


.. صحيفة لوموند: نتيجة التصويت بمجلس الأمن تعكس حجم الدعم لإقام




.. جزر المالديف تمنع دخول الإسرائيليين احتجاجًا على العدوان على