الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
خلق الله ونظرية التطور
أحمد حمدي سبح
كاتب ومستشار في العلاقات الدولية واستراتيجيات التنمية المجتمعية .
(Ahmad Hamdy Sabbah)
2022 / 11 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
موضوع التطور البيولوجي للجنس البشري ، من الموضوعات الكبيرة والمعقدة ، وملئى بالتفاصيل و تنقلب فيه الأمور بين فترة وأخرى مع كل مستحثات (أحافير) تكتشف بين الحين والآخر لتقدم قراءة جديدة للماضي السحيق خاصة في ظل غياب أي أوراق أو كتابات بطبيعة الحال تعود في تاريخها الى هذا الزمن تناولت ذلك أو أشارت إليه فيكون الاعتماد هنا على الحفريات وتاريخها وما نستنطقه منها عبر التكنولوجيا الحديثة ، وهو ما سنجد معه أنه لا ثمة لتعارض بين الإيمان بهذه النظرية ولو بشكل محدد وبين الإيمان بالله تعالى ، على عكس المتوهم المتجذر في عقل كثير من المؤمنين أو حتى أغلبهم .
ببساطة قدر الإمكان يتم بداية تقسيم الأصول الأولى للجنس البشري الى نوعين هما
١ اوسترالوبيثيكيس أنامينسيس .
٢ أوسترالوبيثيكيس أفارنيسيس .
باعتبار أنهما أول صنفان من الثديات مشى على قدمين ، وكان يعتقد الى وقت قريب جدآ أن الأنامينيسيس سبق في تواجده الأفارينيسيس الأكثر تطورآ وذكاء والذي ننحدر منه ، وبدأت معرفتنا به مع اكتشاف الحفرية لوسي (سميت بذلك على اسم أغنية للبيتلز كان يتم تشغيلها في موقع الإكتشاف) عام ١٩٧٤م ، ولكن ثبت من خلال الاكتشافات الحديثة أن الفصيلين تواجد في نفس الفترة الزمنية وتعايشا الى جوار بعضهما البعض ، ويرحع تاريخ كلا النوعين الى حوالي ٤ مليون عام مضت .
ثم تنتقل بنا الحفريات (المكتشفة حتى الآن) الى ظهور أنواع أكثر تطورآ وشبهآ بالإنسان المعاصر ( الى حد ما ) في مختلف أنحاء الكوكب ، وسميت تلك المستحثات باسم هومو وهي تعني الانسان باللاتينية ثم اسم الفصيلة حيث تختلف الأصول الشكلية والجينية .
فكان يظن الى وقت قريب أننا ننحدر من جنس الهومو نياندرتال Homo Neandertal وهو جنس بدائي سكن أوروبا وآسيا وعاش قبل حوالي ٤٠٠ ألف عام ، إلى أن يأتي عام ١٩٦٧م باكتشاف حفرية عرفت باسم Omo 1 Kibish مثلت الجد الأقرب للإنسان المعاصر شكلآ وموضوعآ (جينيآ) وعرف باسم الهومو سابينس Homo Sapiens ، وإعلان أن الإنسان المعاصر جاء من أفريقيا .
بعدها مع توالي الإكتشافات لحفريات للسابينس في أوروبا وآسيا مما يعني أنه بدء بالهجرة والإنتشار في مختلف أنحاء الأرض ، بل وعاصر الأنواع الأخرى وتزاوج معها على عكس ما كان يعتقد أنه جاء لاحقآ لهم أو هم تطوروا إليه .
ولكنه في الحقيقة عاصرهم وتزوج منهم وهذا ما يفسر الاختلافات الشكلية والجينية بين البشر ، فتنجد نوع الهومو لونجي كان سائدآ في شرق آسيا ، نوع الدينيسوفان في أوقيانوسيا (استراليا ونيوزيلندا وبابوا غينيا والجزر القريبة منهم في المحيط الهادئ كميكرونيزيا وبولينيزيا وميلانيزيا) فنجد عرق الماوري والأبوريجين هناك ، كذلك تزاوج الهومو سيبيان مع النياديرتال في أوروبا وروسيا ، ومع الهومو ناليدي في جنوب أفريقيا حيث عرقية البوشمن التي تشكل احدى العرقيات الثلاث الأساسية لافريقيا السوداء حيث التيجراي في شرق أفريقيا والبانتو في الغرب الأفريقي والبوشمن في الجنوب .
وهكذا ومع توالي اكتشاف حفريات جديدة في مختلف أنحاء العالم ، فإنه سيمكن تفسير الاختلافات البيولوجية والشكلية بين البشر المعاصرين ومردها الى تزاوج الهونو سيبيان من الفصائل التي كانت موجودة في كل منطقة جغرافية في العالم ، والتي تطورت شكليآ وبيولوجيآ بما يتناسب مع تحديات وطبيعة البيئة الجغرافية التي عاشت فيها ، وورثت عن الهومو سيبيان الذكاء والقدرة على التطور العقلي بالإضافة الى بعض المظاهر الجسدية الشكلية التي طبعته والتي تشبهنا اليوم .
ومن الناحية الإيمانية لا نجد تعارضآ بين نظرية التطور والدين ، فالله سبحانه وتعالى حين أراد خلق الإنسان بوضعه وكينونته الحالية متمثلآ في سيدنا آدم ومن بعده حواء قال لملائكته (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ ) ، فأجابوه ( قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) (30) من سورة البقرة .
أي أن الملائكة كانوا مضطلعين على ما تقوم به بقية الأنواع الأولى من الجنس البشري من فصائل الهومو من معارك وصراعات وهم (الأنواع الأولى من الجنس البشري) على بدائيتهم وبساطتهم فكيف سيكون الحال مع جنس أرقى وسيتسيد الأرض فيما الأنواع الأخرى الأبسط ستنقرض تحت ضغط قوة وسيطرة وكفاءة هذا النوع الأقوى والأرقى والأذكى ، بل ان الأبحاث والإكتشافات الحديثة تثبت أن السبب الرئيس لانقراض بقية الأنواع الأخرى من الأفرانيسيس مرده سيطرة جينوم Genome الهومو سيبيان في الحمض النووي D.N.A. للأجيال الجديدة الهجينة من تزاوج الهومو سيبيان مع الآخرين ، وكذلك قدرة الهومو سيبيان على التوالد والتكيف بشكل أفضل من الآخرين .
كيف لا والله اصطفاه عما سبقه و خلقه على أحسن تقدير ، قال تعالى
في التوراة:
(7 وجبل الرب الاله ادم ترابا من الارض، ونفخ في أنفه نسمة حياة، فصار ادم نفسا حية) التكوين 2.
وفي القرآن
(وَإِذْ قَالَ رَبّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنّي خَالِقٌ بَشَراً مّن صَلْصَالٍ مّنْ حَمَإٍ مّسْنُونٍ فَإِذَا سَوّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ ) ٢٨٢٩ من سورة الحجر.
أما مراحل التطور الذي طرأ على الجنس البشري يتجلى في قوله تعالى
يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (٦) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (٧) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ (٨) سورة
الإنفطار .
وكذلك في قوله تعالى
( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) الآية ٤ سورة التين .
أما كون الكائنات الحية وليس الإنسان استثناء تطور وتفير من تكوينها البيولوجي إما بشكل سريع و بعمد وتحكم منها كالسحالي مثلآ واما عبر أجيال أو وقت طويل تحت ضغط التكيف مع المتغيرات البيئية ومحاولة التعايش معها فهذا في حد ذاته يعد اعجازآ في الخلق وتبيانآ لقدرة المولى عز وجل .
أما الكائنات التي انقرضت نتيجة الصراع مع حيوانات أخرى فهذا يمكن فهمه في اطار البقاء للأقوى وكونها كانت مرحلة مؤقتة لتوفير الفرصة للأقوى والأفضل في سلم التطور والاستدامة ، أوتوفير الفرصة لتواجد كائنات لم تكن لتوجد في ظلها كالإنسان وكثير من الحيوانات لم يكونوا ليوجدوا في وجود الديناصورات مثلآ ، أما الكائنات الحية التي تنقرض نتيجة للصيد الجائر وتدمير الغابات فيسئل عنها جشع الإنسان وتكبره الذي يجب أن يعي أن كل شئ خلقه الله بقدر حين قال الله تعالى ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) الآية ٤٩ من سورة القمر .
فكل شئ خلقه المولى عز وجل بقدر ليؤدي وظيفة ودور في الحياة وغيابه على غير الطبيعي أو قبل أوانه الطبيعي سيتسبب في كوارث بيئية ومناخية نحن نعانيها اليوم .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الكاتبة الصحفية ناهد إمام: قرار الانضمام للإخوان كان بمثابة
.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان تقصف قاعدة -بلماخيم
.. قلوب عامرة مع د.نادية عمارة - منهج الإمام البخاري في الجامع
.. بعد سنوات من فتوى التحريم.. هل يغير الإيرانيون عقيدتهم النوو
.. قلوب عامرة - التفسير الموضوعي.. {وإن يكذبوك} منهج الإمام