الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحضُّر العجرفة... ضريبة أننا لا نريد الاعتراف بالعجز

سعدون محسن ضمد

2006 / 10 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


السمة التي غلبت على ثقافتنا، منذ سقوط السلطة العباسية وإلى الآن، أنها ثقافة لاحقة للثقافات الحديثة ومقلدة لها، لقد تحولنا ومنذ ذلك الوقت إلى مقلدين، وهذا الأمر بحد ذاته طبيعي، إذ تمر المجتمعات وثقافاتها بفترات ركود واندثار ونهوض. وبالتالي تحتاج لعملية التقليد من أجل أن تستطيع تلافي مواطن العجز فيها، خاصَّة على صعيد إشباع الحاجات المجتمعية. لكن من المهم الالتفات إلى أن صفة التقليد هذه ـ ولخصوصية فينا ـ تميزت بعدت مميزات:ـ
الميزة الأولى: أنها صفة حتمية، اضطرارية وليست اختيارية، وهذا الحتم يمليه الفارق الحضاري وهو يجبر الأمم المتخلفة على تقليد المتقدمة، تحت ضغط الحاجات العامة. إذن ففعل التقليد في الأعم الأغلب من تفاصيله، لم يكن اختياراً اخترناه، بل اضطراراً أُجبرنا عليه. التقليد كفعل ساقتنا له الهوة (الثقافية/ التكنولوجية) التي أصبحت تفصلنا عن العالم المعاصر، وتهددنا من خلال هذا الفصل بالموت.
لو كان الفاصل بيننا وبين الثقافات المعاصرة (ثقافي/ فكري) فقط، لما أجبرنا على التقليد، لكنه كان تكنولوجي، بمعنى أننا فوجئنا بخطورة اندحارنا التكنولوجي ـ خاصَّة على صعيد التسلح ـ وقدرته على أن يتسبب بإبادتنا، فقررنا أن نتلافاه باللحاق به، فوجئ سيفنا بالمدفع، وحصاننا بالدبابة، عند ذلك اندحرنا، واكتشفنا بأننا في واد، والعالم كل العالم في واد آخر.
الميزة الثانية: أنها صفة عاطفية وليست موضوعية، وسمة العاطفية متسربة من كون ثقافتنا، في الأعم الأغلب من مفرداتها، ثقافة معيارية قيمية، ثقافتنا دينية، والدين مركب فكري (قيمي/ معياري). على هذا الأساس كان لا بد لنا من أن نعامل موضوع تقدم الآخر وتخلفنا عنه، معاملة عاطفية فكانت النتيجة، أننا وزنّا صفة التخلف بميزان السيئ والحسن وليس بميزان الواقعي وغير الواقعي. وعليه حكمنا بأن هذه الصفة لا تناسب مقامنا العالي، الأمر الذي جعلنا نرفض الاعتراف بها، ونحاول من جهة أخرى أن نبحث عن ما يدعم فوقيتنا، بوصفنا حاملي الرسالة السماوية. وهكذا وببساطة بالغة، رحنا ندعم شعار أننا الأحسن. فكان لا بد والحال هذه أن نقع بالازدواج المضحك المبكي الذي نحن فيه الآن.
الميزة الثالثة: هي أن صفة اللحاق، وبالاستناد لما تقدم صارت انتقائية، فكونها اضطرارية، مدفوعة بالصراع من أجل البقاء من جهة، وعاطفية مقموعة بالعجرفة الفوقية الفارغة من جهة أخرى، جعلها تنتقي من عملية اللحاق فقط الأمور التي لا يمكن تجاوزها، وكان السلاح في أعلى قائمة اختياراتنا باعتباره الكفيل الوحيد بحمايتنا، حاجتنا للسلاح لم تمهلنا لحظة نقرر فيها هل أن استيراده من الكافر يضر بفوقيتنا أم لا، وهكذا استوردنا السلاح، وكل التكنولوجيا الضرورية، باختصار لقد قلدنا الغرب وهو يستعمل الآلة، لأن الآلة ليست فكرة، وبالتالي لن يضر استخدامنا لها بفوقيتنا الفكرية.
كان السلاح إذن مفتاحنا الذي فتح لنا لغز التعامل مع الآخر (الكافر) فحاجتنا المصيرية للسلاح دفعتنا لأن نتغاضى عن (سوء ما نُبَشِّرُ به مقلدوا الكفّار) لكن في حدود التسلح.
لقد أوقعنا السلاح على الفرق بين استعارة الفكرة واستعارة الآلة وليته لم يفعل؛ لأنه علَّمنا كيف أن استعمال الآلة لن يكلفنا التخلي عن عجرفتنا، وهكذا تحولنا لثقافة (متخلفة/ متعجرفة) تمسك بتكنولوجيا حديثة جداً.
المشكلة تكمن في أن (الحاجة أم الاختراع) كما يقولون، لكن كيف لنا أن نكون محتاجين ونحن نسبح ببحر من الآلات المستوردة، هكذا إذن قمنا ودون أن نشعر بإطفاء داينمو الابداع فينا، حين تخلينا عن إشباع الحاجات بالطريق الصحيح، أي أننا اخترنا أشباع حاجاتنا بأقل كفلة ممكنة. لكن هل يمكن إشباع الحاجات بالتقليد، وخاصّة التقليد العاطفي الانتقائي؟
إن الآلة المصنوعة طبقاً لحاجات ثقافة ما، لا تناسب بالضرورة مقاسات حاجات ثقافة مختلفة عنها، خاصّة عندما يكون هناك تعارض جذري بين الحضارتين (المقَلَدة والمُقَلِدة)؛ فمن الحتمي أن حاجات إحداهما لن تكون متشابهة تماماً مع حاجات الأخرى، الأمر الذي سيؤدي لتعارض طرق الإشباع. على هذا الأساس فاستيرادنا للتكنولوجيا من الثقافة التي نؤمن بفشلها لا يمكن أن يكون صحيحاً. وهذا الأمر ساعد على زيادة الهوة بين فكرنا المتعجرف المتعالي وواقعنا التكنولوجي التابع.. لكن كيف؟
لنأخذ مثالاً بسيطاً جداً.. التلفزيون، آلة جاءت لتشبع حاجة ما في الثقافة الغربية، وهكذا نبتت هذه الآلة في تربة تلك الثقافة وتربت في بيئتها، الأمر الذي جعل لها ملامح خاصَّة، تجعلها منسجمة بالتمام مع تلك الحضارة. ولهذا السبب فقد تلقت الحضارة الغربية كل التلفزيون، بجميع ملامحه وما يرشح عنه، لأنه جاء متطابقاً مع حاجاتها، أي أنها لم تحرِّم جزأ منه وتحل الجزء الآخر. لكن عندما قمنا نحن باستيراد التلفزيون، لم نستطع القبول به كله، لأنه لم يكن منسجماً مع مقاسات حضارتنا، التلفزيون ليس اختراعنا نحن، بالتالي حرَّمنا جزءا منه، وقبلنا بجزء آخر، والمشكلة أن عملية التفكيك هذه كانت على مستوى الخيال فقط، إذ التلفزيون لا يتجزأ، لا يتفكك. وهذه ضريبة من ضرائب العجرفة، فقد وقعنا وأوقعنا أنفسنا بالازدواج، إذ دخل التلفزيون للمنطقة المظلمة من هذه الحضارة، صرنا نشاهده تحت الظل، خلسة، ثم وبعد أن نخرج من تحت هذا الظل ننادى بسوء ما يُبَشَّر به مشاهدوا التلفزيون. وعندما تطور التلفزيون، وصارت له ملحقات، وصرنا مجبرين على أن نتعامل مع هذه الملحقات بنفس الطريقة، مع الفديو، والستلايت والانترنت.
هذه هي الطبيعة البائسة لطريقة تعاملنا مع واقعنا اليوم، كل الواقع، فليست الحضارات المحيطة بنا، وخاصَّة المتطورة منها غير الجزء الكبير والمهم من هذا الواقع. وعندما نتعامل مع واقعنا بشكل مضطرب فوقي وخيالي، فإننا بالمحصّلة لن نكون أبناء شرعيين له.
إن تعاملنا المزدوج مع حاجاتنا وأساليب إشباعها بهذه الطريقة، ومن ثم اضطرارنا لدس الآلة المتعلقة بهذا الإشباع خلف الستار وتحت الظل مؤشر خطر وجرس إنذار يحذرنا من المستقبل الذي نتوجه نحوه. فنحن والحال هذه لا يمكن أن نكون متجهين الاتجاه الصحيح.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا الإسرائيلية تلزم اليهود المتدينين بأداء الخدم


.. عبد الباسط حمودة: ثورة 30 يونيو هدية من الله للخلاص من كابوس




.. اليهود المتشددون يشعلون إسرائيل ونتنياهو يهرب للجبهة الشمالي


.. بعد قرار المحكمة العليا تجنيد الحريديم .. يهودي متشدد: إذا س




.. غانتس يشيد بقرار المحكمة العليا بتجنيد طلاب المدارس الدينية