الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأريض الإسلام 9

زاغروس آمدي
(Zagros Amedie)

2006 / 10 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الشَّـــيْطَان:
"" الشَّيطان هو الظِّلُ يظهر حين يظهر النُّور ويختفي حين يختفي النُّور. فكما أنَّ النُّور حقيقة والظل خيال ، فأن الإله حقيقة والشيطان وهم وخيال زائف وزائل. ولكنَّه مُلازمٌ لِلإلهِ كملازمةِ الظِّلِ للنُّورِ."" .


ماذا؟ أومن هو الشيطان؟ ومتى عرفه الإنسان؟ ولماذا يتمسك به الإنسان إلى الآن بكامل قوته؟ وما هي صورته أو صوره؟ ولماذا عبده الإنسان ثم احتقره؟ وكيف صور "النَّبيُّ العربيُّ" محمًّد بن عبدالله الشَّيطانَ؟ ولماذا أفرج عنه بعد أن قبض عليه، وكاد أن يخنقه؟ مادور الشَّيطان في الإسلام؟ وماهو سبب تعلق المسلمين بالشيطان؟

مفهوم كلمة الشيطان لغوياً:

جاء في اللغة العربية ،عن ابن منظور في لسان العرب عن الشَّيطان مايلي: أن شَيْطَنَ وتشيْطن فعل فعْل الشيطان، والشَيطان روحٌ خبيثٌ متمرّد مسكنهُ النار. وهو لا يُرَى ولكن يُستشعَر أنهُ أقبح ما يكون من المخلوقات ولو رُؤِي لرُؤِي في أقبح صورة. ويُضرَب بهِ المثل في الخبث والدهاء والعدوان. قيل سُمّي شيطانًا لبعدِه عن الحقّ وتمرُّدهِ وأن العرب تسمّي بعض الحيَّات شيطانًا وهو ذو العرف القبيح الوجه. وشيطانُ الشَّاعر، هو في معتقد أهل الجاهليّة، جِنِّيِّ كانوا يزعمون أنَّه يُلهم الشّاعرَ.

يبدو أن أول ظهور للشيطان أولإسمه في التاريخ قد نشأ مع خوف الإنسان من الظلام ،مما دفعه لتصور كائنات وأشباح مرعبة وخلق خرافات وأساطير حولها،ويميل أغلب الباحثين إلى أن أول ظهور لهذه المخلوقات الوهمية كان في بلاد الرافين ووادي النيل حيث نشأت الحضارات الأولى ، وعرف هذا الكائن المثير للجدل و الدجل بأسماء وأشكال مختلفة بإختلاف اللغات والبيئات، واكتسب شهرة واسعة مع ظهور الأديان وإنتشارها، من زَرْدَشْتية ويهودية ومسيحية وإسلام.

هل عرف الإنسان الشيطان قبل أن يعثر على الإله ؟

يبدو إن تصور صورة الشيطان وجوهره مر بمراحل مختلفة ،وفي كل مرحلة كان الإنسان يتخيل تصميماً معيناً للشيطان يناسب ويلائم البيئة التي يعيش فيها، ففي حين نجد أن الشيطان في التصورات الأولى للإنسانية كان شيئاً غامضاً غير قابل للوصف لاشكلاً ولامضموناً ،بينما أخذ هذا التصور عبر الزمن يتغير ليناسب البيئة المتجددة دائماً، فالصورة الأولى للشيطان على الأرجح بدأت بالتشكل مع الخوف الذي كان ينتاب الأنسان القديم مع إختفاء الشمس وبداية هجوم الظلام مع الليل حين كان يلجأ إلى كهفه لحماية نفسه من الحيوانات المفترسة والعتمة الحالكة، ولايخرج منه إلا عند إختفاء الظلام مع بزوغ النور. هذا النور الذي بدأ يكتسب أهمية لدحره الظلام والخوف، أي أن إدراك الإنسان لأهمية النور كان نتيجة الخوف من الظلمة، إلى أن تحول ذلك بسبب ضعف الإنسان وخوفه وبفعل حاجتة إلى النور ضد الظلمة، إلى إعتبار الشمس إلهاً يستحق العبادة والحمد، لأنها تهزم الظلام الذي يعقبه نسيان الخوف.

كما أننا لايمكننا استبعاد تقديس الظلمة الذي نتج عن الخوف والفزع الذي كان يتعرض له الإنسان البدائي، ثم تحول هذا الخوف إلى تقديس للظلمة ثم تطورت هذه العبادة وتحولت إلى تقديس كائنات ظلامية وهمية كالعفاريت وأشباح الليل عند بعض الشعوب الهندواوروبية القديمة، او تقديس شياطين الليل كما كان عند السومريين حسب ماجاء في بعض الأساطير القديمة، وإذا أخذنا بعين الإعتبار الدور الذي يلعبه الزمن في تغيير وتطوير وتعديل كل شيء بما فيها المعتقدات والديانات يمكن أن نستوعب جميع مفاهيم هذه المعتقدات والديانات، وأن نقيمها بالنسبة إلى زمنها التاريخي.

ومن المهم الإشارة أنه من الخطأ أن نتصور هؤلاء الناس الذين كانوا يعبدون الظلام والعفاريت والشياطين أناساً شررين يرتكبون الشرور والفواحش والمنكرات، كما قد يعتقد المرء، مثلما يقوم به عبدة الشيطان المعاصرين والذين هم إمتداد لأول حركة أو معتقد ظهر في العصور الوسطى في أوروبا، وليست بهم أية علاقة بعبادة الشيطان القديمة،لامن بعيد ولامن قريب لأن هذه الصفات اُلبس بها الشيطان رغماً عنه ،وعُرف واشتهر بها فيما بعد. ولذلك أعتقد أن تعرّف الإنسان على الشيطان وإعتباره إلهاً سبق معرفته للإله الذي كان بدوره نتيجة حاجة للإنسان للإحتماء به ضد هذا الشيطان أوقوى الظلام المجهولة، وليس كما يُعتقد أن معرفة الإنسان لله سبق معرفته للشيطان[1] ، إلا أن المبدعين الأوائل في التاريخ البشري من الفلاسفة والمصلحين والرسل والأنبياء عكسوا هذه التصورات بفعل الميل الأنساني للخير عندهم ،وجعلوا القوة الأعظم لإله الخير،لكنهم لم يتهاونوا في سلطان الشّر ، حتى إن المصريين الفراعنة القدماء ضحوا بالقرابين لإله الشر "ست" ، ومكنوه من التغلب على إله الخير "هكسوس" وقتله، لكن سرعان ماكان يعود إلى الحياة، وهذا له من الرمزية دلالة فلسفية واضحة من أن الظلم والشر وإن إنتصر على الخير فإنه لايقضي عليه ولايعدمه، وأنه لابد من أن ينتصر الخير على الشّر في النهاية، وأن النفس الإنسانية منبت خصب للخير وما على الإنسان سوى إقتلاع الأعشاب السامة التي تنمو في النفس بين حين وآخر.

ولايستبعد أيضاً أن عبادة النار بدأت بشكل ما مع أكتشاف الأنسان الأول لها، لمقدرة النار على دحر الظلمة من حوله وبالتالي تبديد مخاوفه،بالإضافه طبعاً لمنافعها الأخرى، ومن ثم تطورت بفعل الزمن حتى أمست إلهاً أوشبه إله يقرب الأنسان إلى الإله الأكبر. مثلما كان العرب تسعى بأصنامها التقرب من الله.

وأعتقد أن أولى ملامح تكوّن الشيطان صورة وجوهراً بدأت مع ولادة الخوف والفزع ـ كما ذكرت ـ الذي كان ينتاب الأنسان البدائي الأول بعد إنتهاء النهار مع غروب الشمس وزحف جحافل العتمة والظلام مع مجيء الليل ، ولذلك ربما إقترن الشيطان بالليل والظلمة والسواد، وليس مستبعداً أن الشيطان عُرف منذ العصر الحجري على الأقل(300000 ـ 40000) سنة حين كان حجم دماغ ذلك الأنسان الحجري أكبر بقليل من حجم دماغنا بقليل، ومما يدل على ذلك العثور على أدوات خشبية وحجرية حادة تحيط بمكان دفن الحجريين لموتاهم، ليتسنى للميت الدفاع عن نفسه على مايبدو ضد جنود الظلام والأرواح الشريرة،أو ربما ضد الحيوانات المفترسة، إعتقاداً منهم أن الإنسان الميت سيحيا من جديد[2]. ومن الصعب معرفة موطن الشيطان الذي ولد فيه ، فطيفه انتشر حيث انتشر البشر، لكن من المرجح كان ظهوره الأولي بشكل واضح ـ كما أسلفت ـ إما في بلاد مابين النهرين "موزابوتاميا" أو في وادي النيل، أو ربما في الهند. حيث عرف في الهند باسم الراكشا، ففي بلاد الرافدين وفارس عرف أنواعاً عديدة قريبة من الشيطان فقد طوَّر زَرْدَشت مفهوم الشيطان الغير محدد الملامح والمرامي والأبعاد وجعله إله الظلام أو إله الشر وأطلق عليه أسم أهرمن أي إله الظلام وبيَّن غاياته وأغراضه الخبيثة، وأبقى على ثوبه الأسود وتركه دون أن يصمم أو يجسِّد له أبعاداً محددة ، أي تركه كائنا وهمياً غير حسي وغير ملموس ،لكن أهرمن هذا تطور فيما بعد وعرف بالشيطان مع ظهور اليهودية.

والملاحظ أن ظهور الشيطان كان يتطور مع تطور الأنسان معنىً ومبنىً ، وتحول الخوف من هذا الوهم الظلامي إلى إعتباره مصدراً للشر ولجميع الخبائث التي عرفها الإنسان، ومع تطور الوعي البشري وتطور العلاقات الإنسانية الإجتماعية والثقافية والإقتصادية والسياسية بين الناس ،تنامى الصراع بين البشر على المصالح وكان لابد أن ينتج نتيجة لذلك تنافراً وتناقضاً وإزدواجية بين البشر كما في الذات الواحدة أيضاً، وطبيعي أن تفرز هذا التضادات بين الناس وفي النفس الواحدة خطايا وآثام وذنوب ومظالم ،وكان لابد للإنسان بدافع نزعته الأنانية الأرضية أن يبحث له عن تفسير أومخرج لهذه الخطايا والآثام التي لايقوى على تحمّلها والإقرار بها ، فقرر الإنسان الإنصياع إلى نزعته الأنانية التي تقوم بالتغطية المستمرة على أفعاله الخبيثة. وتبني رؤيتها القاصرة والمحدودة، من أنّ هذا الشّر إنما يأتي إليها من مصدر الشّر الذي هو الشيطان أو الظلام ، وهكذا تمكنت نزعة الأنانية المستحكمة في الإنسان من أن تحول أخيراً الشيطان إلى مستورد لشرور وخبائث البشر ، بعد أن كان مصدراً للشرور له في المراحل البدائية للبشرية. ولما كانت الغريزة الفطرية للبشر تميل إلى الأشياء المجسدة، للحاجة إلى توحيد التصورات والتفاهم بين البشر، قامت بتجسيد هذه الكائن الوهمي الذي يتقبل بصدر رحاب أن ينسب إليه جميع خبائث وفواحش البشر وشرورهم.

كما أننا نلاحظ بسهولة أن التصورات التي تشكلت عن الشيطان كانت متعلقة وإنعكاس للبيئة بكل أشكالها، فبعد أن كان الشيطان ظاهرة سلبية غير محددة الشكل والمحتوى، صار له فيما بعد تصوراً أوضح في معالمه، فبعد أن تطور النظام البدائي الرعوي الى نظام زراعي وتأسست مجتمعات أكثر تطوراً ودويلات ثم ممالك وصار لها أتباع وجيوش، رافق ذلك تطور في تصور الإنسان للشيطان ، فمثلاً أصبح للشيطان عند زردشت مضموناً واضحاً وتصوراً متطوراً فصار له أعوان وأتباع يعينونه في نشر أعمال الشر والحرب، ضد إله الخير أو النور أهورامزدا الذي يستعين بدوره بعسكر غفير من الملائكة. وبعد عروج زَرْدَشْت إلى السماء ولقائه بالإله يزدان أو أهورأمزدا، توضحت صور الجنة والجحيم، ونرى هنا أن زرْدَشْت مازال يعتبر الشيطان مصدراً للشر وليس مستورداً له ، وتجب محاربته والقضاء عليه. وهذا مايميز زَرْدَشْتْ عن غيره من الأنبياء.

ومع ظهور الأديان الأخرى كاليهودية والمسيحية والإسلام صار للشيطان صورة مغايرة تماماً من حيث إنه تحول من مصدر للشرور إلى مستورد لها، كماذكرت ،نتيجة لتطور البيئة المحيطة في الإنسان والحياة البشرية عموماً، وتنامي الوعي الإنساني، وصار الأنسان أكثر مكراً، ودخل مرحلة تحولية هامة بعد تطويره لأحرف الكتابة. وقد تعملقت خلال هذه الفترة في الإنسان نزعاته الذاتية خيرها وشرها، ومنها نزعته الأنانية التي وعت بشرور النفس الإنسانية وصعب عليها الإقرار بذلك وأرادت التخلص منها، فلم تجد أنسب من أن تجسِّد هذه الشرور والآثام على هيئة الشيطان الشرير لإحالة شرورها إليه، وكان طبيعياً نتيجة لذلك إيجاد تصميم جديد وواضح لصورة الشيطان فكسب هنا إله الخير الحرب على إله الشر، وفرض عليه إتفاقَ سلام مذري ومذل إلى أن تحين القيامة كما كما جاء في اليهودية والمسيحية والإسلام ، حتى إنه ترك الشيطان يعترف بضعفه وخوفه منه:"إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ." الحشر الآية 16. وزيادة في إذلال إله الخير لإله الشر الذي هو الشيطان، فرض عليه أن يكون مستورداً لكل شرور البشرية وآثامها ،وأن ينتحل لنفسه ما في النفس البشرية من رزائل وخبائث ونفاق وكذب وماشابه، هذا عدا عن كونه مسبباً أو مصدراً للشرور كلها ،وهذا ما أراح المؤمنين وأدخل البهجة والإطمئنان إلى نفوسهم ،لأنهم وبكل سهولة ويسر يمكنهم إلقاء شرورهم وموبقاتهم إلى سلة الشيطان المثقوبة التي لاتمتلىء[3]، ومع ذلك جعله يتابع صراعه معه في إضلال خلقه لكن بمشيئته وإرادته.

إلا أن البعض من أهل العدل والإيمان من المؤمنين الذين كرهوا النفاق الديني، وجدوا بعض الغبن بحق الشيطان في هذا الإتفاق الذي فُرِض عليه قسراً، فتعاطفوا مع الشيطان لأنه حُمِّل مافوق إستطاعته،ووجدوا أنّه من الإجحاف إتهام الشيطان بكل شرور البشر، وأنه من الأنسب تطهير النفس البشرية من الشرور، وذلك بالتقرب إلى الله وترك هذا الشيطان المسكين في سلام،والكف عن لعنه وشتمه بعد كل إثم ومعصية يرتكبها المسلم، وعدم تكليفه بما لايطاق، وعرفت هذه الفئة من المؤمنين بالمتصوفة، لكن إخوانهم المؤمنون لم يدعوهم في سلام،واتهموهم بالزندقة والكفر والضلال ومناصرة الشيطان وحتى التأله، فقتل الكثير منهم ومن أتباعهم بالطرق المعروفة في الإسلام من صلب وحرق وذبح وقطع الأرجل والأيدي على خلاف .ولعل من المفيد التطرق هنا إلى الشيخ عدي بن مسافر أحد أكبر هؤلاء الصوفيين الذي يبدو أن رؤيته الدينية عن الله والشيطان والحياة تقاطعت مع مابقي من بقايا أفكار ومبادىء معتقد موغل في القدم[4] عند الأكراد الذين استضافوه، ويبدو أنه استوعب دينهم، وأثر فيه تأثيراً كبيراً للغاية، حتى ليبدو انه ديناً عربياً من كثرة الأسماء والآراء العربية الإسلامية التي أضيفت إليه، مما دفع الكثير من الباحثين العرب وحتى بعض الكرد إلى إعتباره ديناً محدثاً أوجده الخليفة يزيد بن معاوية، لمجرد التوافق اللفظي بين التسمية العربية " اليزيدية " لهذا الدين واسم يزيد. ولعدم توفر معلومات قديمة ذات قيمة عن اليزيدية وتعرض المحتوى القديم لهذا الدين للإبادة والضياع نتيجة للإضطهاد الديني المستمر والدمار الذي لحق بهذا الدين وأتباعه. ومما ينفي علاقة الخليفة يزيد بن معاوية بالديانة اليزيدية، أنه أرتكب أفعالاً مشينة جداً ، لو ارتكبها أي مسلم لاعتبر مرتداً عن الإسلام، ولصلب وقتل كما قتل غيره. ولم يعرف عنه في التاريخ أنه اهتم بأي شيء سوى الإهتمام بالقرود وتعاطي الخمور والثأر من قبلتي الأوس والخزرج[5] وبقايا المهاجرين، لأجداده من بني أمية وبني مروان، في وقعة الحرة الشهيرة. فكيف يبدع هذا الخليفة الماجن والطائش والمنتقم الجبار ديناً جديداً ؟. وقد حاول أتباع هذا الدين في فترة الهدوء النسبي في العهد العباسي إعادة كتابة تعاليم هذا الدين، في كتابي " مصحفى رش " أي المصحف الأسود و" الجلوة" وقد تأثر محتوى الكتابين بآراء الشيخ عدي تأثراً بالغاً.

وعلى رغم المعلومات المتواضعة المتوفرة عن الديانة اليزيدية ، يمكننا أن نرجح أنها من أقدم الديانات في بلاد ما بين النهرين، وليس مستبعداً أن فكرة زردشت تقديس إله النور الخيّر وإعلان الحرب على إله الظلام الشرير أن تكون امتدادا وتعديلاً لليزيدية التي كانت تقدس إله الظلام إتقاءً لشروره ، كما قدس المصريين القدماء إله الشر "ست". ومما يؤيد ذلك محاولة زردشت بالقوة القضاء على هذا الدين بعد وقوفه مع إله النور الذي وجده زردشت أنه الأحق بالعبادة ضد إله الظلمة[6] لكنه لم ينجح تماما في ذلك نتيجة وفاة كشتاسب الملك الذي تبنى دينه بعد أن كان رفضه[7]. ومن علامات تقديسهم لإله الظلام، هو تسمية كتابهم المقدس بالكتاب الأسود، وفي هذا دلالة على علاقة وثيقة بتطور صورة الشيطان من الظلام الأسود الغير مجسد إلى الشيطان المجسد[8].


الشيطان هو الحل الأسهل لمشكلاتنا:

الإعتقاد بالشيطان كما مر معنا ماهو إلا إنتاج اسطوري وخرافي كان له شأناً عندما كانت للإسطورة فاعليتها وتأثيرها المباشر على الناس ،وقد لجأ الإنسان القديم إلى إختراع الاسطورة نتيجة الحاجة ـ فالحاجة أم الإختراع ـ إلى إيجاد حل لمشكلاته وإشكالاته عندما كان محدود المعرفة والتفكير، كالتخلص من مخاوفه ومعاناته الروحية وأمراضه الجسدية والنفسية إلى جانب إيجاد حلول لأسئلة هامة حول الكون والحياة ومختلف الظواهر التي كان يتعرض لها الإنسان. فاسطورة الشيطان إذن كانت حلاً وضرورة فرضت نفسها في مرحلة زمنية معينة، ومن الخطأ أن نسير على منهاج الأولين ونلجأ إلى تفسير الحياة والكون ،إلى أدق شؤون حياتنا بالإستعانة بالاسطورة والخرافة والشيطان.

وإذا كان الأنبياء قد لجؤوا إلى الأسطورة والخرافة لإيجاد حلول لمشاكل مجتمعاتهم لحاجة ماسة إلى ذلك، فإننا لا يمكن أن نلومهم على ذلك، لأن لكل مجتمع زمانه ولغته ووسائله وثقافته الخاصة به التي يشكل ويصوغ بها تصوراته التي تناسبه،وقد لجأ الأنبياء إلى استخدام تلك اللغة وتلك الثقافة السائدة لإجراء التغيير في مجتمعاتهم ، وماكان لجوء موسى إلى السحر مثلاً ، إلا لأن السحر كان أهم عناصر الثقافة السائدة آنذاك، والتي بواسطتها يمكن إجراء التغيير بالإتيان بسحر أقوى. وكذلك ما كان لجوء محمد إلى السجع والشعر والبلاغة سوى أن الثقافة السائدة آنذاك كانت ثقافة سجع وشعر، ولذلك لم يظهر شخص مثل موسى أو محمد في أثينا، أو شخص مثل سقراط أو أرسطو في مكة ، ثم أن الأسطورة كانت السلاح الأقوى في الثقافة القديمة ، ولذلك لجأ اليها الأقدمون لتشكيل قوة وسطوة خفية يفرضون بواسطتها آراءهم وأفكارهم على مجتمعاتهم، وبالتالي فرض حلول تناسب ذلك الزمن وذلك الظرف وذلك المجتمع.

فالفكر المقترن بالاسطورة كالأديان فكر محدد ومقيد بزمانه ومكانه، غير قابل للتطوير والتغيير والنقد ، بفعل إضفاء صفة القداسة التي تعلن إرتباطها مع السماء وأنها تستمد محتواها من الوحي الإلهي المنزه عن الخطأ والنقد ، فلا علم ولاقانون ولا أي نظام إنساني يمكن أن يضاهي ما أنزله الله لنا من عنده بمنطق الاسطورة. بعكس الفكر الفلسفي الذي لايحدده لامكان ولازمان ، قابل للنقد والتغيير وبالتالي للتطوير ،لأنه لايوجد مايمنع ذلك كونه إنتاجاً إنسانياً وليس سماوياً.

ولذلك فإن الأديان إذا تجاوزت زمانها واخترقت مكانها نشرت الجمود والتخلف، لأنها قائمة بالأساس على تصورات اسطورية خيالية غير قابلة للنمو والتطور، لإرتباطها القوي بجذورها وبالمكان الذي ولدت فيه، ولأنها تستمد مادتها وتتغذى على الزمن الذي خلقت فيه، والتاريخ يذكر لنا مايكفي من التجارب حول ذلك. فعندما انتشرت المسيحية خارج حدودها وزمانها ،واقتصرت على ذاتها تسببت في النهاية إلى نشر التخلف والجهل لأنها خرجت عن الزمان والمكان الخاص بها،ومنعت إي علم وقانون يتعارض معها. وكذلك الإسلام عندما أوقف التلاقح الفكري وحرّم الإعتماد على الثقافات الأخرى، وقام بقطع كافة الأقنية معها، مقتصراً على القرآن والسنة ، ومستمدا مادته من الثقافة الاسطورية التي ولد فيها، تقهقر إلى الوراء وأودى بشعوبه إلى التخلف والإنحطاط الذي مايزال يفرض نفسه كالأختبوط على المسلمين.

وإذا ماكان الشيطان إلا اسطورة أو خرافة لا يسبب سوى الأذى والتخلف للإنسان، ولايجلب له سوى المزيد من الأمراض والنكبات، فلماذا إذن لانحاول أن نغتاله ونتحرر منه؟.

بمجرد طرحنا لهذا السؤال يعني لنا أمرين ، الأول أننا مازلنا نعتقد بوجود الشيطان، والثاني أننا ضعفاء أمامه ، لانستطيع مواجهته وتحديه ،ولذلك نلجأ إلى محاولة إغتياله. ولكن ليس سهلاً عملية الإغتيال هذه كما يبدو لنا، ليس لأنه كائن غير مرئي وليس لأن للشياطين أعداد هائلة، فكل ذلك طبعاً مجرد أوهام، لكن الصعوبة تكمن في أن الشيطان صار له عندنا ثقافة واسعة ضاربة الجذور في أعماقنا وأصبح عادة متأصلة ومترسخة في المجتمع، وإغتيال الشيطان يعني هنا التخلص من هذ الثقافة الموروثة والمتجذرة في شرايين أفراد المجتمع، ويبدو لي أن هذا غير ممكن الوقوع إلا إذا تمكنا من الكشف عن هذه الجذور وبيان اهترائها وأضرارها وجفاف منابعها، وعدم إنسجامها مع روح العصر القائم على العلم والعقل والمنطق ،وليس على الجهل والأسطورة والخرافة والسحر والشعوذة التي ماتزال تفتك بالعقل المسلم افقياً وعمودياً. ومن المعيب والمخجل والمؤسف حقاً أن مئات الملايين من المسلمين ماتزال تصر بشدة أن سرعة الطيران على ظهور العفاريت أكبر من سرعة أي صاروخ أو مركبة فضائية أمريكية أو روسية، كالعفريت الذي نقل عرش الملكة بلقيس من اليمن إلى اورشليم بطرفة عين[9]، وأن الشياطين والجن الأزرق والأحمر والأصفر يملؤن الأرض من حولنا. ولن تسلم من سخريتهم الجوفاء الساذجة عندما تصارحهم بذلك.

ثم علينا أن نعلم أن هناك فئات قوية مستبدة وممسكة بكل قوتها بهذه الاساطير والخرافات، وتعمل ليل نهار على بقاء هذا الإعتقاد بالشيطان والجن راسخاً في عقول الناس ، ويعتقدون أن هذا الإرث الاسطوري إرث مقدس لايمكن التفريط به أو التخلي عنه ولابأي شكل من الأشكال، أو تحت أي ضغط من الضغوط، بالإضافة طبعاً إلى إيمانهم بأن أي طعن أو إنتهاك لاسطورة الشيطان، هو بالتالي طعن وإنتهاك في جوهر الدين، لأن اسطورة الشيطان ركيزة أساسية من ركائز الإسلام ، والإطاحة بهذه الركيزة هو بالتالي إطاحة بالإسلام أو أي دين آخر يعتمد في أساسه على اسطورة الشيطان.

ثم أن ثقافة الشيطان في الإسلام تمثل عند رجال الدين المسلمين إحدى أهم الوسائل الناجعة في فرض رؤية الدين الإسلامي وإدخال الإيمان أو تثبيته وتقويته في نفوس المسلمين، بكل يسر وسهولة ، لما اكتسبت هذه الثقافة من مصداقية وقوة عند الناس عبر الزمن، فالشيطان عندهم مفهوم واضح وسهل، وبالتالي فإن رجال الدين لايحتاجون إلى جهد يذكر لدوام سيطرتهم على تفكير وعقول الناس، لأن مفهوم الشيطان من ضمن الحقنات الجاهزة لديهم يحقنون بها عقول الناس التي تستجيب بسهولة لها،نتيجة إدمانها عليها، ولأنها تقدم لهم تفسيراً مرضياً، لما يرتكبون من شرور.

ثم إن الإنسان البسيط في طبيعته ميّال إلى الأخذ بالأسهل والأبسط ومايجده ملبياً ومنسجماً مع رغباته الدفينة وتفكيره السطحي السهل،فوجود شيطان يتبنى عنه منكراته وأفعاله السيئة يدفعه إلى التمسك به بشدة ، وإلى هنا لاضرر جسيم من ذلك ، لكن هذا الأمر لايتوقف هنا، فهو يمتد إلى سائر شؤون حياته، نتيجة إضطراره إلى التمسك بالعقلية الاسطورية والخرافية التي تذهب به إلى الزمن الذي وجدت وابتكرت فيه هذه الآسطورة.

فالشيطان هنا يقدم لنا حلولاً جاهزة لأصعب معاناتنا على طبق من ذهب ، مما يدفعنا إلى الإبتعاد عن البحث عن حلول حقيقية وجادة تتطلب الكثير من المشقة والجهد والتفكير وتضعنا بالتالي وجهاً لوجه مع حقيقتنا التي لاتسرنا، بعد أن صنعنا في داخلنا حقيقة مزيفة لكنها مرضية لذاتنا، ولذلك نتجنب الأصعب ونأخذ بالأسهل، وبالتالي نتعلق بالقديم وننبز الجديد.

إن تبني هذه الرؤى والمفاهيم البسيطة الساذجة من قبل مئات ملايين المسلمين، وما ينتج عنها من تأثيرات وإنعكاسات لايقف عند حد معين ، بل يمتد ليشمل سائر الظواهر الحياتية ، وهنا تكمن الخطورة الفعلية ، لأن الإستسهال الذي تعودوا عليه وأصبح جزءً من عقليتهم ، يدفعهم دائما إلى البحث عن حلول سهلة أو جاهزة ومعلبة لكل مايصادفهم في حياتهم من مسائل ومعضلات، ويدفع بالمجتمع المسلم اللجوء إلى الحلول المسبقة الصنع عند أهل العقد والربط والفتوى، أو إلى السحر والشعوذة والدجل عند الكثير من رجال الدين الذين يفرضون سطوتهم على قسم كبير من المسلمين،وما يلجؤون لذلك إلا لأنها تقدم له حلولاً سهلة وجاهزة وسريعة حسب إعتقادهم، وبذلك يمتنعون عن البحث في الأسباب الحقيقية لمشكلاتهم ومعاناتهم، مما يزيد من سطوة الآفات الاسطورية والخرافية التي تفتك بهم، وتزيد المسافة إتساعاً بينهم وبين المنطق العقلي والعلمي والعصري في تناول الامور، وبالتالي يزداد تخلفهم وتشبثهم بصرعنة الحياة البشرية وبالتالي يزداد بعدهم عن عصرنة الحياة البشرية.

إن الحديث عن تعمق وإنتشار الثقافة الشيطانية الاسطورية بين ألف مليون مسلم ، ومايترتب عنها يحتاج إلى بحث طويل، وأنا هنا فقط أردت أن أشير إلى هذه المشكلة التي يتجاهلها المسلمون، والمدهش أن المثقفين المسلمين عموماً تسري في عقولهم هذه الثقافة الشيطانية المزمنة،وهم أنفسهم غارقين في مستنقعاتها من أخمص أقدامهم إلى قمة رؤوسهم ، وما يبعث على الإستغراب المشوب بالخوف أنهم في نفس الوقت يصرون وبشدة أن هذه الثقافة الاسطورية وهذا "الكتاب المسطور" صالح لكل العالم ولكل زمان ومكان. وأستغرب فعلاً من مئات الآلاف من المسلمين من خريجي الجامعات المحلية والعالمية ومن كليات مختلفة مثل الفيزياء والفلسفة وعلم النفس والطب والهندسة وغيرها حين يلقنون أولادهم هذه الثقافة الاسطورية القديمة، ثقافة الجن والشياطين والعفاريت الطائرة وغير الطائرة، بل لايتردد الكثير منهم إلى اللجوء إلى المشعوذين والدجلة والشيوخ الذين يعالجون بالقرآن الذي وصف من قبل العرب قديماً بأنه "أساطير الأولين" لحل مشكلاتهم. مع أني أعتقد جازماً لو أن "سيد ولد آدم" نفسه عاد وظهر في هذا الزمن ، لأتى بقرآن جديد ، ولطمر أجزاء كثيرة من قرآنه القديم مع قصصه وأساطيره وخرافاته وعلومه المزعومة في عمق الصحراء.

--------------------------------------------------------------------------------

[1] طبعاً أنا أتحدث هنا عن مجرد تصورات وتخمينات عايشتها البشرية في بدايات تاريخها ، ولا أرمي إلى أن الشيطان سبق الإله في الوجود، وإنما سبق أكتشافه.

[2] يبدو أن فكرة عودة الحياة بعد الموت وُجِدت منذ ذلك الوقت المبكر من الوجود.

[3] ومن إنعكاسات ظاهرة إعتقاد المؤمنين أن الشرور التي يرتكبونها أنما هي من الشيطان، ظاهرة إحالة أخطاء المجتمعات والدول الإسلامية على مصادر خارجية ،وكمثال على ذلك لم يتردد قائد الثورة الإسلامية الإيرانية آية الله الخميني وسائر رجال الدين الإسلامي في تسمية الولايات المتحدة الأمريكية "بالشيطان الأكبر"، كما أن ظاهرة "نظرية المؤامرة" التي أصيبت بها عقول المسلمين ليست إلا نتيجة لهذه الثقافة الدينية، حيث إن الشيطان هو دائماً المتآمر على المسلم والمترصد له في كل مكان،وهو الذي يسبب له المشاكل ويحيك له المؤامرات ولايدعه في سلام، ولذلك لابد أن ثمة قوة أوشيطان أكبر يترصد دولهم ومجتمعاتهم،ويحيك المؤامرات ضدهم، ومع أن الولايات المتحدة الأمريكية تخلت عن شيطنتها وعملياتها التآمرية ضد الكثير من الدول والشعوب بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي، بل وصارت تدافع عن بعض الشعوب المظلومة، بما فيها بعض الشعوب الإسلامية، لكن بالرغم من ذلك مازالت تتهم "بالشيطان الأكبر".

[4] الإيزيدية باللفظ الكردي واليزيدية باللفظ العربي نسبة إلى الإله إيزدان او ايزى.

[5] وقد عرفوا أبناء هاتين القبيلتين بالأنصار،وقد استعان محمد بهم لقتال القرشيين ،حتى أكرههم على الإنصياع لدينه.

[6] تماماً مثلما وجد محمد أن الله هو الأحق بالعبادة من الأصنام التي كان يقدسها العرب.

[7] تحكي بعض الروايات أن زردشت عندما حاول أقناع الملك كاشتاسب بدينه الجديد سخر منه وألقاه في السجن، واصيب الملك بعدها بمرض عضال عجز عن الشفاء منه، فلجأ الى زردشت الذي شفاه، فتبنى دينه ونشره بالقوة في أرجاء واسعة من بلاد إيران التي كانت تضم أوطاناً وشعوباً عديدة.

[8] وأعتقد أن المرحلة المقبلة ستكشف المزيد عن خبايا وأسرار وتاريخ هذه الديانة نتيجة للحرية التي حصل عليها الأكراد في جزء من وطنهم كردستان، إذ إن المرحلة المديدة السابقة منذ حروب كشتاسب وبعدها الغزو العربي الإسلامي والعثماني ومن ثم الإحتلال الإستعماري الاوروبي الذي أعقبه احتلال عنصري قومي من الجيران (عرب ،ترك، فرس) لم تترك لأتباع هذه الديانة متنفساً للتعبير والبحث عن ذاتها،بل اضطهاد سافر شمل إمحاء كل ما يميز الكرد ومنها هذه الديانة، مما افقدها مضمونها ولم تبق سوى بعض الطقوس القديمة التي استعصت على الفناء.واحب أن انوه هنا أن تطرقي لهذه الديانة وحماسي للبحث عن جذورها،لايعني اطلاقاً دعوة الكرد التمسك والتشبث بها، بل على العكس تماماً أجد أن هذه الديانة وغيرها لم تعد تناسب الحضارة الإنسانية المعاصرة، وما دفاعي عنها سوى دفاع عن التاريخ والحقيقة.

[9] "قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي . قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ . قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ." النمل 40. والطريف أن بعض السذج من المسلمين يفسر هذه السرعة الخرافية التخيلية التي نقل بها العفريت أو من عنده علم الكلام عرش بلقيس ، بنظرية فرضية حديثة حول إمكانية تحول المادة إلى طاقة التي يمكن أن تنتقل من مكان إلى آخر بثواني قليلة، ومن ثم إعادة هذه الطاقة إلى مادتها الأولية. ويضيف هؤلاء أن من عنده علم الكلام الذي ذكر سابقاً كان لديه من العلم مايفوق العلم الحديث.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما سبب الاختلاف بين الطوائف المسيحية في الاحتفال بعيد الفصح؟


.. نشطاء يهود يهتفون ضد إسرائيل خلال مظاهرة بنيويورك في أمريكا




.. قبل الاحتفال بعيد القيامة المجيد.. تعرف على تاريخ الطائفة ال


.. رئيس الطائفة الإنجيلية يوضح إيجابيات قانون بناء الكنائس في ن




.. مراسلة الجزيرة ترصد توافد الفلسطينيين المسيحيين إلى كنيسة ال