الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شيخة ذلك الحي... اُرقدي بسلام

احمد جابر محمد

2022 / 11 / 23
المجتمع المدني


شيخة ذلك الحي.. اُرقدي بسلام

( رثاء والدة صديقي المهندس استاذ حامد عن لسانه لمرور عام على وفاتها )

كان ركن بيتنا لطيفاً تزوره النسمات من كل حدب وصوب تسمع صوت طرق الباب منذ الصباح الباكر كان مضيفاً عامراً لشيخ مختلف عن كل شيوخ الارض لاترد عنده حاجة ولا تعرقل أمامه قضية انها ( اُمي) شيخة ذلك الحي كما كان يسمونها امراة حكيمة وقوية تستند دوما على نفسها لاجل الجميع تقف على ثوابت الاخلاق والتقاليد والشرع ولا تحيد عنها هي لطيفة لدرجة انها تنسى الاساءة ولا يعرف جوهرها حقداً او تحمل غلاً لاحد بثت في ذلك الحي روحاً كانها تنثر بذوراً للطيب والمسك ينمو وينثر عطره بمجرد ان ترفع قدمها من باطن الارض يلجأ اليها الكهل قبل الصغير رجالاً ونساءطلبا للمشورة معطاءة حد الاعفاء تنثر عبق الكلام الطيب اينما حلت وجلست وفي اي بيت وطأت قدمها كانوا يعتبرونها طائر السعد او (البخت) على لسانهم لاتقبل بالخطأ ابداً تقف عليه حتى تصححهُ .
ثُلمت في حياتها بفقد اخي لكن كانما السماء لم تهون عليها زعلها لطيب قلبها وعطفها موزعا كرحمة الله ع عباده تفيض به على محيطها في ذلك الحي فمنحني الله لها كجبر لخاطرها بذات العام حتى اصبحت تناديني (جبارة) كانت ترى فيّ عوض الله احبتني واغدقت علي بالاهتمام لديها قدرة ربانية عجيبة تشعر بي دون ان تراني من مخارج حروفي تعلم بانني لست بخير رغم انني امسك نفسي كثيراً كي لاتعلم ولكن في كل مرة افشل في اخفاء ذلك عليها كنت دائم اللجوء اليها فهي موطني وذاتي واركض كطفل صغير نحو أواني الطبخ هذه هي عادتي متيقنا بان شيئا من بين اصابعها ينساب على ذلك الطعام فيضيف له نكهة خاصة ربما شبيهة بفاكهة الجنة وان مرت من امامي تبقى روحي تتحسس عطرها كي يلامس أنفي ويعيدني بذاكرتي لحضنها حينما كنت صغيراً فلاتتوه عن مخيلتي كل المواقف معها ولاصورتها بفرحها وحزنها وألمها ومرضها ولها من البصمات ما لاتعد ولا تحصى طُبعت على جبيني لايمكنني نسيانها كانت تنتظر عودتي وانا احمل شهادتي من الثانوية خوفاً في داخلها لئلا اخفق ويكون التجنيد الالزامي طريقي فدخلت عليها وانا احمل شهادتي ونجاحي على كفي لكن قلبها كان يقف على اعتاب الباب يستقبلني ومن فرط فرحتها بكت وغطت على مرضها وقالت لي ( انت دواية) حتى ملئت تعابير وجهها فرحاً وانا اعلم هي ذات الفرحة وهي بمثواها حينما اجتازت الان ابنتاي الثانوية وليتها كانت معنا بجسدها وروحها.
انها جميلة كالبلورة ولامعة كالماس داخلها النقي يشع لخارجها فتبرق وتنشر الضياء بكل مكان امراة لا مثيل لها بمجرد ان تلامس اطراف اصابعها جسدي ينسلخ الهم ويتلاشى وتزهر روحي بكلماتها التي ارق من النسمة وكانني تخلصت من حمل ثقيل لكن عمر الزهور بديهيا ليس طويلاً وليس بيدنا شيء شاء ربها ان تُقطف وحال بيننا وبينها اللقاء من جديد سوى في الاحلام .
لم تكن ايادي ابناؤها فقط تضع التراب على قبرها مودعين وانما اكتظ التراب بالأيادي والعويل لان الكل كان يراها امه من زاوية اخرى ومنهم من علا صوته ( مودعة بالله سيقف لكِ الحسين) وكأن راية ذلك الحي انتكست بفقدها واختفى الضياء وساد الحزن والظلام كسرت نفوسنا واحدثت شق بأرواحنا وخيم على وجوهنا الشحوب فالخيمة التي اجتمعنا تحت سقفها وكنفها واحتمينا بها سقطت وانهارت وماعاد يحتوينا شيء و فقدانها كان علينا كهول انهيار الجبال فاليد التي تطبطب قد رحلت.. واللسان اللاهج بالكلام الطيب قد رحل... والحضن الذي نترمي بيه طلبا للامان قد رحل... والعين التي تفيض شوقا وسعادة تنتظر قدومنا خلف الباب قد رحلت.. ولا معنى وطعم للحياة بدون رؤية وجهك الباسم حتى البيت حيث تسكنين انطفأ كأرواحنا التي ودعتكِ ولم ترتوي منك بعد
أسفاً على تراب غطى جبينكِ لكن لا اعتراض على حكم الله .
أنا لم امنحها ولو جزء ضئيلاً من حقها في هذا الوصف والله لست مبالغاً بكلامي وكل من قطن الحي وانا على يقين يعلمون حقيقة كلامي وهم انفسهم اليوم يحزنون لمرور عام على فقدها... رحمك الله يا امي واسكنك فسيح جناته مراره الفقد غصة تعلمين ما مداها.. ارقدي بسلام جوار ربكِ واتركي لي ولو طرف من ثوبك استدل به طريقي واهتدي حينما اريد عبور الشارع كما كنتي تفعلين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العالم الليلة | الآلاف يتظاهرون في جورجيا ضد مشروع قانون -ال


.. اعتقال طالبة أمريكية قيدت نفسها بسلاسل دعما لغزة في جامعة ني




.. العالم الليلة | الأغذية العالمي: 5 بالمئة من السودانيين فقط


.. خالد أبو بكر يرد على مقال بـ -فورين بوليسي-يتهم مصر بالتضييق




.. جامعة كولومبيا: فض اعتصام الطلبة بالقوة واعتقال نحو 300 متظا