الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جدلية الثقافي والسياسي

مهدي النجار

2006 / 10 / 7
المجتمع المدني


تمر الثقافة العراقية –إذا صح التعبير-بحالة استيلاد عسيرة شيمتها شيمة العملية السياسية، أصعب ما في هذه الحالة إنها (أي الثقافة) تنتقل من دائرة الاقهار والإكراه إلى فضاءات مغايرة تماما هي فضاءات الحرية والتعددية والاختلاف. في موضوع الثقافي والسياسي لاحظنا تداول رأيين:
الرأي الأول: يصب جهده في كيفية تأسيس كيانات ثقافية تكون فاعلة في الوسط السياسي ومشاركة بصورة واضحة وأساسية في العملية السياسية، بحيث تشترك هذه الكيانات الثقافية في الانتخابات حتى تصل إلى مرحلة الممارسة السياسية، أي تداول السلطة واتخاذ القرارات السياسية.
الرأي الثاني: يُبعد توجهه كلياً عن المسالة السياسية (خاصة ما يتعلق بالسلطة) وفق مبدأ:دع السياسة للسياسيين.نائياً بمشروعه الثقافي كل النأي عن التورطات والتقاهرات السياسية، فهذا الرأي كما لاحظنا ينزع إلى تنزيه نفسه حتى يقترب كثيراً من تخيلاته وُمثله وفنتازياته، يجاهد حتى لا يقع المثقف فريسة مُداهنات السياسي وتقلباته وتكتيكاته وطموحاته لاقتناص الفرص.
لا نعتقد إن إشكالية الثقافي والسياسي تُقرأ في ضوء تينك التصورين وإنما ضمن علاقة جدلية سنأتي على ذكرها بعد قليل. لابد الآن أن نحدد في الأقل من هو الثقافي ومن هو السياسي. إنهما أولاً وقبل كل شئ فاعلان اجتماعيان:
الأول: الثقافي (المثقف) يشتغل في حقل النظر والإبداع، وبالتحديد يحترف إنتاج الثقافة/أو يعيد إنتاجها، في حقول وأنشطة إبداعية كثيرة: الأدب، الفن، التاريخ، الفلسفة، الاجتماع، الاقتصاد، الإعلام...الخ. ومن الجدير بالذكر إن المثقف قد نال عبر تاريخ الثقافة ضروباً من العقوبات القاسية غير المقروءة بسبب حساسيته المفرطة واختلاف تصوراته ومعارفه عن أبناء جلدته، عقوبات جائرة نالت جسده ونفسيته مثل الجوع والحرمان والإذلال والحبس والطرد والقتل "وأفردت إفراد البعير المعبد" وفق تعبير طرفة، يتعلق اغلب النشاط الثقافي بالفعل الفردي أو الذاتي حيث نلاحظ إن الإبداعات الثقافية ينتجها أشخاص بمفردهم وعلى مسؤولياتهم.
الثاني: السياسي يشتغل في حقل الممارسة السياسية: التعبئة والمناورات، لذا لا يتحقق داخلها (أي داخل الممارسة) الصفاء والشفافية والنقاء والوضوح لأنها تحمل بالضرورة قدراً من التمويه والمماطلة والمبالغة وعدم الصراحة. يكافح المنضوون في كيانات سياسية (أحزاب، منظمات، حركات...الخ) وكذلك من يُطلق عليهم بالمستقلين السياسيين( جماعات أو أفراد) يكافح جميعهم لتحقيق أهداف كياناتهم السياسية بشتى الطرق وفق برنامج يتمحور على الأغلب بشان حيازة السلطة وتداولها. إن المخاض العسير الذي نوهنا عنه آنفا يعني خروج العملية السياسية (كيانات وأفراد) من تاريخ الاستنزاف والاحتراب والعنف والتعصب إلى تاريخ التصالح والتسامح والحوار وقبول الآخر.
إن الخطر الأكبر الذي نستخلصه من سنوات حكم الاستبداد المنصرمة هو ابتلاع الكيان الثقافي برمته من قبل الكيان السياسي (حزب/سلطة) بحيث تمَّ تهميشه بإطلاق، جعله ذيلاً ذميماً لجسد السلطة المطلق (نموذج علاقة المكتب المهني للحزب المنحل باتحاد الأدباء والكتاب) تحويل المثقف من مبدع إلى وَصيف وتحويل الكيان الثقافي من كيان إبداعي إلى كيان تعبوي هزيل.
من الرأيين السابقين اللذين ذكرناهما سابقاً (الرأي القائل بضرورة اشتغال الثقافي في الوسط السياسي، والرأي الذي يحبذ عزل الثقافي عن السياسي) يمكن التوصل إلى رأي آخر مفاده: لا توجد موانع من انضمام المثقفين إلى كيانات سياسية متكونة وقائمة تاريخياً أو في سبيلها إلى التكون إذا توفرت لديهم طاقات (وطموحات) العمل السياسي. كذلك لا توجد موانع من انضمام السياسيين إلى كيانات المثقفين (اتحاداتهم أو منتدياتهم) إذا انطبقت عليهم شروط الانتماء الإبداعية شرط أن لا يقلقوا البرنامج الثقافي بأطروحاتهم التعبوية وشعاراتهم السياسية. إن هذا الرأي يدعمه دليل واضح هو : تخرج عشرات الكفاءات الثقافية والإبداعية من تحت عباءة الكيانات السياسية وبالمثل عَلمَّ المثقفون والمبدعون، عبر لوحاتهم أو قصائدهم أو بحوثهم وتحليلاتهم جمهور الكيانات السياسية، علموهم قيم الجمال واشراقات الفكر واستشراف الواقع وقراءة التاريخ.
في رأينا إذا سعى المثقفون إلى تأسيس كيانات جديدة تندرج في برامجها غايات وأهداف سياسية وتأخذ على عاتقها الكفاح من اجل تحقيق تلك الأهداف، عندها ينتفي توصيفها بكيانات ثقافية إنما ينطبق عليها توصيف الكيانات السياسية. هذا الرأي يقف حائلاً (أو صمام أمان) دون تمييع الكيانات الثقافية المدنية وإلغاء هويتها وخصوصيتها وصهرها إلى كيانات سياسية جديدة أخرى.
بطبيعة الحال يختلف الموقف السياسي عن الانتماء السياسي، فحتى لو كان المثقف فاعلاً اجتماعياً متميزاً فهو يتأثر ويؤثر باجتماعه مثل كل الفاعلين الآخرين، هنا أمامنا حالة مجردة من الكيانات السياسية، أمامنا المثقف بذاته دون انتماء سياسي (تنظيم) بالتأكيد فان ما ينتجه من خطاب ثقافي (قصيدة، لوحة، نقد، تحليل،...الخ) سيتخذ (أي ذلك الخطاب) موقفاً (سياسياً) عما يجري بشأنه من سياسي وعما يدور، سواء مع/أم ضد، إيجابا/أم سلباً، يتجلى ذلك في المواقف من : الانتفاضات والاحتجاجات والحروب، انتهاكات حقوق الإنسان، المجاعات، الانتخابات...الخ. لأن كل فاعل ثقافي لابد أن تكون له وجهة نظر مما يحصل داخل مجتمعه خاصة في مراحل الانعطافات التاريخية الحاسمة وما تحمله من تغيرات في حياة الناس.
على ضوء ذلك سنخرج بالجدلية التالية: التمييز بين الثقافي والسياسي لازم ولكن الفصل بينهما غير ممكن لكونهما داخل بنية اجتماعية، إذاً نحن أمام فاعل اجتماعي ثقافي/سياسي واحد وليس فاعلين. الثقافي سياسي والسياسي ثقافي احدهما يشكل الآخر ويكوِّنه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هغاري: الجيش الإسرائيلي سيواصل العمل من أجل خلق الظروف لاستع


.. الأمم المتحدة ترحب بالهدنة التكتيكية جنوبي غزة| #غرفة_الأخبا




.. الجيش الإسرائيلي يعلن -هدنة تكتيكية- في جنوب قطاع غزة والأمم


.. بكين تفرض قواعد جديدة في -بحر الصين الجنوبي-.. واعتقال كل من




.. المتحدث باسم اليونيسيف يروي تفاصيل استهداف الاحتلال أطفال غز